الصفحة الأولى
من معسكرات التدريب إلى صناديق الاقتراع وخرق سرية التصويت.. خروقات انتخابية تتطلب تعاملاً قضائياً فعالاً
بغداد – علي شغاتي
لم تمض أيام قليلة على قرار استبعاد مرشح فائز من سباق الانتخابات بعد الكشف عن تورطه في استغلال أحد معسكرات الحشد الشعبي في محافظة ديالى، لجمع الشباب تحت غطاء "دورات تدريبية" وهمية، قُدمت للمشاركين بوصفها خطوة رسمية نحو التعيين، حتى ايتضح أنها لم تكن أكثر من أداة لحصد الأصوات. هذه الحادثة لم تكن سوى إشارة فتحت الباب أمام سلسلة من وقائع متشابهة انفجرت تباعًا في م++حافظات مختلفة، في مشهد بدا كأنه نسخة واحدة لأسلوب احتيالي منظم يستغل الحاجة المادية والمعيشية للمواطنين كسلاح انتخابي، الامر الذي يفرض تحركًا قضائيًا عاجلًا قبل المصادقة النهائية على النتائج.
معسكرات تدريب وهمية
في محافظة ديالى، وتحديدًا في خانقين وجلولاء والسعدية، وجد أكثر من خمسمئة شاب أنفسهم يدورون في حلقة وعود وانتظار، بعدما جرى استدراجهم إلى دورات قيل إنها بوابة للتعيين. ومن محافظة ذي قار، جُمِع أكثر من ثلاثمئة شاب داخل معسكر الصويرة بمحافظة واسط، حيث تلقوا تدريبات شكلية والتُقطت لهم صور توثّق "التحاقهم بالدورة"، قبل أن يكتشفوا أنهم كانوا مجرد رقم في لعبة انتخابية. وفي بغداد تكرر الأسلوب ذاته بواجهة مختلفة؛ فقد تم حشد أكثر من ألف ومئتي شاب في دورة مشابهة داخل المعسكر ذاته، بينما تكشف الوثائق والصور أن الموقع نفسه استُخدم خلال أيام قليلة لتنظيم أربع عشرة دورة مماثلة، إلى جانب دورات إضافية في بابل والديوانية، حيث وقع نحو أربعمئة وخمسين شابًا آخرين في المصيدة نفسها.
.. والتشكيليون وقعوا في الفخ
إنّ تلاحق هذه الحوادث خلال فترة قصيرة يؤكد أن الظاهرة ليست حالات فردية ولا اجراءات معزولة، بل نمط انتخابي يتكرر في محافظات متعددة، يعتمد على الظروف نفسها: شباب يعانون من البطالة، مواقع عسكرية يجري توظيفها لإضفاء الشرعية، ووعود رسمية لا تستند إلى أي تعليمات حكومية. والمتورطون في بعض هذه الوقائع حاولوا التهرب من المسؤولية، إلا أن الصور وثّقت حضورهم وهم يوجّهون الشباب ويخاطبونهم، ويمنحونهم الانطباع بأن التعيين مضمون ما داموا ملتزمين بالبرنامج والمرشح.
وبينما كانت هذه الوقائع تتكشف في الجنوب والوسط، انفجرت موجة استياء موازية في العاصمة من قطاع مختلف تمامًا. فخلال الحملة الانتخابية الأخيرة، أطلقت جهة رسمية مبادرة فنية بعنوان "إثراء الفضاء البصري"، ودعت عشرات الفنانين للمشاركة في معرض واسع، مع تأكيدات بأن الجامعات الأهلية ستلتزم بشراء خمسين عملًا فنيًا بقيمة مليون دينار للوحة الواحدة. الفنانون استجابوا بحماس، وأنجزوا أعمالًا جديدة، ودفعوا تكاليف الإنتاج والتأطير والنقل استنادًا إلى وعد بأن عملية البيع مؤكدة. إلا أنهم فوجئوا قبل أيام ببلاغ عاجل يطلب منهم الحضور فورًا لاستلام أعمالهم، لأن "ولا لوحة واحدة بيعت"، وان القاعات يجب إخلاؤها فورًا.
استهلاك انتخابي
هذه السلسلة من الوقائع، من معسكرات التدريب الوهمية إلى معرض الفن المخدوع، تكشف أن الخطاب السياسي خلال الأسابيع الأخيرة تحوّل إلى سيل من الوعود الوهمية المعدّة للاستهلاك الانتخابي، حيث جرى استغلال الشباب والفنانين والفئات الأكثر حاجة لغايات انتخابية ثم التخلي عنهم فور انتهاء التصويت.
وفي ذروة هذه الصورة القاتمة، يظهر ما كشفه الكاتب والصحفي صائب خليل ليضع العملية الانتخابية برمتها أمام سؤال أخطر: هل كانت نتائج هذه الانتخابات معبّرة عن إرادة الناخبين فعلًا، أم أن سرية الاقتراع نفسها كانت منتهكة منذ اللحظة الأولى؟
وفقًا لسرد خليل، تبدأ الثغرة منذ لحظة دخول الناخب إلى المحطة، حين يقوم الجهاز الإلكتروني الأول بتسجيل هويته وبصماته بشكل كامل، ثم يمنحه ورقة اقتراع تحمل رقمًا خاصًا على شكل QR code. هنا يبدأ الخرق الأول دون علم الناخب، إذ يحتفظ الجهاز بجدول يربط اسم كل ناخب بالرقم الفريد لورقته.
وعندما يعود الناخب لإدخال ورقته في جهاز العد الإلكتروني، يسجل الجهاز الثاني رقم البطاقة نفسها وخياره الانتخابي. وهكذا يتكوّن جدولان منفصلان: الأول يربط الناخب برقم البطاقة، والثاني يربط البطاقة بخياره السياسي. وعند دمج الجدولين –وهو أمر سهل تقنيًا– تصبح هوية كل ناخب ومرشحه المفضل مكشوفة بالكامل، في تحوّل خطير من "اقتراع سري" إلى "اقتراع مكشوف للجميع".
ولأن هذه البيانات قابلة للاسترجاع في أي وقت، يرى خليل أن ما جرى يمثل انتهاكا للدستور لا خللًا تقنيًا، خاصة أن المادة الخامسة تؤكد أن الاقتراع يجب أن يكون سريًا. والأخطر كما يشير خليل بأن المؤسسة تعرف بهذه الثغرة منذ الانتخابات السابقة، وأن الحل الذي اتخذته – فصل كابل LAN قبل إرسال النتائج – لا يغير شيئًا لأن البيانات تكون قد خُزّنت مسبقًا.
ويمضي خليل ليحذر من العواقب الأخطر: فامتلاك خريطة كاملة لخيارات ملايين الناخبين يمكن استخدامه للابتزاز السياسي، أو فرز الخصوم من الحلفاء، أو معاقبة موظفين وعسكريين على اختياراتهم، ما يعني إمكانية تحويل العملية الانتخابية من أداة ديمقراطية إلى وسيلة لترهيب الناخبين والسيطرة عليهم.
ضرورة تحرّك القضاء
كل ما سبق، من استغلال الشباب والفنانين مرورًا بتهديد اركان الاقتراع السري، يفرض مسؤولية مباشرة على القضاء العراقي؛ فالقضية لم تعد مرتبطة بخروقات انتخابية تقليدية، بل بنمط واسع من الاحتيال واستغلال النفوذ، إضافة إلى تهديد جوهر العملية الديمقراطية ذاتها عبر خرق سرية التصويت.
لذلك، فإن فتح تحقيق قضائي شامل ومستقل بات ضرورة وطنية، ولا يمكن الاكتفاء بالنظر الطعون الانتخابية التي تتعامل مع النتائج فقط، بينما تكشف الوقائع أن الخلل يمسّ بنية العملية الانتخابية، وآليات تسجيل الناخبين، ووسائل التصويت، وأشكال الاستغلال السياسي التي رافقت الحملات.
فالثقة العامة لن تُستعاد إلا عبر تحقيق شفاف يبحث في الجهات التي نظمت دورات الشباب الوهمية، والأطراف التي استخدمت المعسكرات العسكرية لأغراض انتخابية، والجهات التي أوهمت بالفنانين عبر وعود مزيفة.
هذا الأمر يتطلب، قبل الشروع بعملية المصادقة النهائية على نتائج الانتخابات، تحقيقا قضائيا شاملا، وكشف الخروقات التي تأسست عليها النتائج، ومحاسبة مرتكبيها ومن دعمهم وسهل عليهم عملية الخداع، وحرمانه مستقبلا من الاشتراك بالفعاليات السياسية والانتخابية، وهذه الإجراءات هي لحماية الانتخابات وصدقيتها وشفافيتها، واذا ما مرّت دون محاسبة شديدة ستعاد سلسلة الخروقات هذه المرة وتتعاظم أكثر، وقد تكون هي السياق الطبيعي للاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
مطالبات بتحرك قضائي عاجل
وفي هذا الشأن، أكد الخبير القانوني سيف السعدي وجود مؤشرات خطيرة على أكثر من شخصية فائزة في الانتخابات، مشيراً إلى أن ما يتداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام من حديث عن الرشى والخداع والتضليل يستدعي تحركاً قضائياً عاجلاً.
وقال السعدي في حديث لـ"طريق الشعب"، إن “دور الادعاء العام مهم وحاسم لأنه على تماس مباشر مع المواطنين، وكان ينبغي أن يتحرك لملاحقة مثل هذه الحالات التي تسيء إلى المؤسسة التشريعية وتضرب سمعة الدولة، خصوصاً عندما تظهر ملفات فساد بعد المصادقة على النتائج النهائية”.
وحذّر السعدي من أن ترك هذه الخروقات تمرّ من دون تحقيق أو محاسبة “يضعف ثقة المواطن بالعملية الانتخابية ويشوّه المسار الديمقراطي”، مؤكداً أن استمرار مثل هذه الفضائح بلا إجراءات رادعة سيؤدي إلى ارتفاع معدلات العزوف عن المشاركة في الانتخابات المقبلة.
خروقات تعدم الثقة العامة
من جانبه، شدّد القاضي وائل عبد اللطيف على ضرورة فتح تحقيق قضائي عاجل بشأن الخروقات التي رُصِدت خلال العملية الانتخابية، معتبراً أن تلك التجاوزات تمثل عامل تهديد مباشر لثقة المواطن بجدوى الانتخابات ونزاهتها.
ولفت في حديثه مع "طريق الشعب"، الى إن “أي خرق يُسجَّل ويثير الشكوك لدى المواطنين يجب أن يُحال فوراً إلى الجهات القضائية المختصة، وعلى الادعاء العام أن يحيل هذه الملفات إلى قضاة التحقيق لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ومعاقبة من يثبت تورطه وفق القانون، لأن ما حصل يُعد جريمة تمسّ إرادة الناخب وحقه الدستوري”.
وأضاف أن “القضاء هو صمّام الأمان، ومن واجبه منع تكرار مثل هذه الانتهاكات، خصوصاً في ظل تدنّي مستوى الثقة الشعبية بالعملية الانتخابية أساساً”.
وأكد أن “المخرجات التي ظهرت بهذه الصورة المقلقة تزيد من الفجوة بين المواطن والعملية الديمقراطية، وكان من غير الملائم المضي بالمصادقة على النتائج في ظل هذه الظروف قبل حسم جميع الشكاوى والطعون”.
وحذّر عبد اللطيف من أن التغاضي عن هذه الخروقات سيُفاقم أزمة الثقة العامة، ويؤثر سلباً على المشاركة في أي استحقاقات انتخابية مقبلة، داعياً إلى “تعامل قضائي صارم وشفاف يحفظ هيبة الدولة ويصون صوت الناخب".
*****************************************
راصد الطريق.. المنصة الالكترونية والشفافية!
قال بيان صادر عن محافظة بغداد، انهم لم يتدخلوا في اختيار أسماء المقبولين في التعيين بصفة عقد في المحافظة، بل ان العملية تمت بشفافية عالية وبصورة الكترونية، وانهم تلقوا الأسماء من منصة التقديم الالكترونية التابعة لأمانة مجلس الوزراء. لكن الأمانة حمّلت المحافظة مسؤولية فرز الاسماء.
هذا البيان والإجراءات التي تحدث عنها، لم تكن كافية امام حجم ملاحظات المواطنين من طالبي التعيين، فيما أشّر غيرهم تلاعبا في الأسماء وبيعا للتعيينات على حساب العدالة.
بدوره اصدر المصرف العقاري توضيحاً إثر توقف منصته الالكترونية، بعد دقائق من فتح باب التقديم على السلفة العقارية، وهذا التوضيح أيضا لم يكن مرضياً للمواطنين، الذين سعوا لنيل السلفة، حيث تلقوا حال اكمال متطلبات التسجيل رسالة تقول بوصول الطلبات حدها الأقصى..
ويبدو ان بعض المنصات الالكترونية التي يُروّج لها عاطلة، ذلك ان الطلبات التي تقدم من خلالها لا تلقى أيّة استجابة، فلا مبرر للجوء اليها.
ان الحديث عن الشفافية والعدالة من جانب المؤسسات الرسمية التي تقدم هذه الخدمات، يجب ان يكون ذا صدقية. والمطلوب ليس اصدار التوضيحات والتبريرات، بل اتخاذ إجراءات رادعة بحق المخالفين وسراق قوت المواطنين، وتشخيص من يقف وراءهم.
*******************************************
الصفحة الثانية
توجيه حكومي بتكثيف الجهود لمعالجة تلوّث الهواء
بغداد – طريق الشعب
وجه رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، امس الاثنين، بزيادة نشاط فريق معالجة تلوث الهواء، ومتابعة المواقع الأساسية للطمر والنفايات، واتخاذ إجراءات قانونية للحد من خطر التلوث.
جاء ذلك خلال اجتماع ترأسه السوداني لمتابعة الواقع البيئي في بغداد وعدد من المدن، بحضور وزير البيئة، ومحافظ بغداد، ووكلاء وزارتي الكهرباء والصناعة، وأمانة بغداد، وقائد شرطة البيئة، حيث استمع إلى تقارير الدوائر المعنية حول أسباب تلوث الهواء.
ووجّه السوداني بأن يقدم فريق معالجة التلوث تقريراً أسبوعياً عن نتائج عمله وتداعيات تلوث الهواء، مع مضاعفة جهود وزارة البيئة وأمانة بغداد والمديريات المعنية، وتوفير الاحتياجات القانونية والإدارية والفنية والمالية لإيجاد حلول فعّالة، بما في ذلك تفعيل مشاريع الطمر وتدوير النفايات ومعالجة مياه الأنهار ومؤشرات الأداء البيئي ودعم الشرطة البيئية ومعالجة ملف الألغام.
وتناول الاجتماع مصادر التلوث في بغداد والمحافظات، التي شملت مواقع الطمر، ومعامل الطابوق، وتكرير الزيوت، وكور صهر المعادن، ومحطات توليد الطاقة الكهربائية، والمولدات الأهلية، وعوادم السيارات، ومحطات الوقود والخزانات الكبرى، بالإضافة إلى حرق النفايات في مختلف المدن.
******************************************
احتجاجات تتصاعد في عدة محافظات مطالب خدمية وتعليمية تضاف إلى خزين الضغط الشعبي
بغداد ـ طريق الشعب
تشهد محافظات عدة موجة جديدة من الاحتجاجات المتنوعة، تمتد من مطالب الموظفين بحقوقهم في البصرة، إلى اعتراضات أولياء الأمور والكوادر التدريسية على قرارات تربوية مفاجئة، وصولاً إلى احتجاجات خدمية في المثنى، وتظاهرات تطالب بالأمان والبنى التحتية في بابل انتهت باعتقال عشرات المواطنين. وبينما يؤكد المحتجون سلمية تحركاتهم ووضوح مطالبهم، تتصاعد حالة الاحتقان الشعبي وسط غياب استجابات حكومية سريعة، ما ينذر بمزيد من التصعيد إذا استمرت السلطات في تجاهل تلك المطالب التي تمس حياة الناس اليومية وحقوقهم الأساسية.
عوائل الشهداء وضحايا الإرهاب
وفي ساحة التحرير، وسط العاصمة بغداد، نظم عوائل الشهداء وضحايا الإرهاب وقفة احتجاجية تنديدا بقطع الرواتب وللمطالبة بتعديل قانون مؤسسة الشهداء.
ودعا المحتجون، خلال الوقفة، الحكومة المقبلة إلى إنصافهم أسوة ببقية الشرائح، مؤكدين أن أي تقليص في حقوقهم سيؤثر على معيشة آلاف العوائل.
اعتقال 35 متظاهرا في بابل
واعتقلت السلطات الأمنية أكثر من 35 متظاهراً من سكان قرى جنوب بابل، خلال احتجاجات طالبت بإنشاء جسر مشاة، بعد أن فصل الطريق الدولي الجديد منطقتهم إلى قسمين.
ونقلت وسائل اعلام محلية عن مواطنين قولهم، إن قرى في مدينة القاسم جنوبي بابل، شهدت توترا أمنياً كبيراً عقب خروج الأهالي في تظاهرة سلمية هي الثانية خلال أسبوع، للمطالبة بإنشاء جسر مشاة على الطريق الدولي الجديد الذي يربط الشوملي بمحافظة النجف، والذي قطع الطريق القديم المؤدي إلى المنطقة، متسبباً بفصلها إلى قسمين وعزل السكان عن مدارسهم وخدماتهم.
وأوضح الأهالي أن الطريق الجديد يمر وسط تجمع سكاني كبير يضم اعدادية للبنات، اعدادية للبنين، مدرسة ابتدائية، مركز صحي، ومناطق سكنية يسكنها الكثير من العوائل الذين يعتمدون على طريق العبور القديم، والذي أصبح مغلقاً بسبب السريع الجديد.
وأكد مواطنون، أنهم راجعوا القائممقام، وديوان المحافظة، وعدة جهات حكومية خلال الأشهر الماضية، وقدّموا طلبات رسمية لإنشاء جسر مشاة، لكنهم لم يحصلوا على أي نتيجة.
وفي إفادة المتظاهرين، فإن التجمع كان سلمياً بالكامل، ولم يشهد أي احتكاك أو قطع للطرق، لكنهم تفاجأوا بوصول قوة كبيرة من مكافحة الشغب "بشكل مباغت وعنيف"، على حد وصفهم، حيث جرى الاعتداء على الأهالي والشباب، وتحطيم بعض المركبات، واعتقال العشرات.
وبحسب المصادر المحلية، فقد وصل عدد المعتقلين إلى 35 مواطناً نُقلوا إلى شرطة القاسم، بينما لا يزال ذووهم بانتظار قرار القاضي لإطلاق سراحهم بكفالة.
ويرى الأهالي أنهم لا يعارضون مشروع الطريق الدولي، بل يطالبون فقط بحل يحمي أرواح طلاب المدارس ونساء المنطقة من الحوادث بعد أن يصبح العبور شبه مستحيل مع حركة المركبات السريعة.
ويطالب المتظاهرون وزارة الداخلية ومحافظ بابل بالتدخل العاجل، وإطلاق سراح المعتقلين فوراً، وفتح تحقيق في استخدام القوة المفرطة، وتنفيذ مطلبهم الرئيس بإنشاء جسر مشاة قبل اكتمال الطريق الدولي منعاً لوقوع كوارث إنسانية متوقعة.
احتجاج تربوي
ونظمت الكوادر التدريسية وأولياء أمور طلبة في منطقة الطويسة في محافظة البصرة، ومن أمام اعدادية الخنساء للبنات، وقفة احتجاجية للمطالبة بعدم تحويل دوام الطالبات إلى مسائي مما يربك المستوى التعليمي.
وقالت معاون مدير الاعدادية ناهد عبد الباقي، إن المدرسة تعتبر من المدارس العريقة في الطويسة منذ عام 1964 ومن حق الطالبات أن يكون الدوام طبيعيا ولا يخضع للمتغيرات ولكون البناية تضم 4 مدارس مغذية كبيرة مثل ثانوية ريحانة المصطفى.
وأضافت عبد الباقي إن مدرسة أخرى وهي اعدادية التجارة في نفس البناية قد توسعت على 3 قاعات وتم قفلها بحجة وجود أجهزة.
وذكرت إن إدارة الإعدادية وأولياء أمور الطالبات اعترضت على نقلها إلى اعدادية أخرى لوجود دوام طلاب فيها.
وبينت أن الإدارة تفاجأت بصدور قرار بتحويل الدوام إلى مسائي أي من الساعة الثانية ظهراً للخامسة والنصف مساءً وبواقع 25 دقيقة للحصة الواحدة، علما إن المدرسة فيها طالبات سادس علمي.
وتساءلت عبد الباقي عن القانون الذي يسمح بتحويل مدرسة حكومي نهاري للدراسة المسائية.
وقال والد إحدى الطالبات "قبل أيام بُلِّغنا بقرارات تعسفية وغير تربوية، أبرزها تحويل دوام بناتنا من الساعة 2 حتى 5 عصرا. كيف يمكن لهنّ العودة إلى منازلهنّ بأمان في هذا الوقت؟".
أما التدريسية منى، فأكدت ان "مديرة المدرسة المهنية تتحكم بمصائرنا. مرة تأخذ صفوفا ومختبرات لصالحها، ومرة تغيّر نظام دوامنا الرسمي، فقط لأن شقيقتها هي المرشحة الخاسرة أمطار المياحي".
وتساءل عدد من المشاركين في التظاهرة "اين وزير التربية ولماذا هذا السكوت؟"، مشيرين الى ان "المدرسة تكفي لاستيعاب جميع الطلبة ولا يوجد اكتضاض فيها".
مطالبات بقطع أرض
وفي السياق، نظم قسم الحماية الاجتماعية للمرأة في المحافظة امس الاثنين، وقفة احتجاجية أمام مبنى القسم، للمطالبة بتخصيص قطع الأراضي السكنية الخاصة بالموظفين اسوة بباقي الدوائر.
قال منظمو الوقفة، ان عددهم لا يتجاوز 120 موظفا ومن المفترض ان تكون لديهم قطع أراض كموظفي باقي الدوائر.
وأشاروا الى ان لديهم كتبا عديدة لكن قد الغيت سابقا باعتبار ان دائرتهم غير إنتاجية وانما خدمية حسب تعبيرهم, مطالبين حكومة البصرة المحلية بالالتفات الى مطالبهم بالسرعة الممكنة والا ستتحول هذه الوقفة الى تصعيد اخر، وفقا لما ذكروا.
سماويون يطالبون بفرص عمل
وفي المثنى، نظم مواطنون من سكان المناطق القريبة من معامل الإسمنت الاستثمارية، في السماوة، وقفة احتجاجية طالبوا خلالها بتوفير فرص عمل لهم في تلك المعامل.
وذكر عدد من المشاركين في التظاهرة، أن مطالبهن تتعلق بشمولهم بالتعيينات داخل معامل الإسمنت، مشيرين إلى أنهم أوصلوا تلك المطالب إلى الحكومة المحلية للنظر فيها وتحقيقها.
فيما جدّد طلبة التعليم المهني في المحافظة، تظاهرتهم مطالبين بتقليص المناهج الدراسية الخاصة بدراستهم.
وأكد عدد من الطلبة، أن المناهج الحالية بحاجة إلى مراجعة شاملة بما يتناسب مع التخصصات المعتمدة في التعليم المهني، مشيرين إلى أنهم جددوا تنظيم الاحتياجات لإيصال راسلتهم إلى وزارة التربية.
*********************************************
صدور مذكرة قبض بحق الأمين العام لحزب البيت الوطني
رائد فهمي: محاولة لإسكات الصوت المدني المعارض
بغداد – طريق الشعب
أعرب عدد من الشخصيات السياسية والناشطين المدنيين عن استنكارهم لصدور امر القاء القبض بحق الأمين العام لحزب البيت الوطني حسين الغرابي وفق المادة 197 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، والتي تصل عقوبتها إلى الإعدام.
واكد الغرابي انه "سيسلم نفسه للقضاء العراقي. وعدّ الامر محاولة لإسكات صوت الناشطين والمعارضين لسلطة الحكم بعد الانتخابات النيابية"، موضحاً انه "لم يشترك في أي تظاهرة في الآونة الانتخابية، وانه كان ينشط في الجانب الإعلامي في القنوات الفضائية والمنصات الإلكترونية".
وأشار إلى أنّ "أمر القبض ربما يكون لأمر يعود لأحداث تشرين، التي هي أيضاً لم أكن مشتركاً في أحداث حرق المؤسسات الحكومية، وكان عملي فيها يتعلق بالظهور الإعلامي، وتنظيم النشاط الحركي في الساحات".
وأكد الغرابي أنه "سيسلم نفسه للقضاء لانه مطمئن من عدم ارتكابه مخالفة قانونية، كونه يعمل في مهنة المحاماة منذ 15 سنة".
محاولة اسكات الصوت المدني
وتعليقاً على أوامر القبض التي صدرت بحق عدد من الناشطين، كتب الرفيق رائد فهمي سكرتير الحزب الشيوعي العراقي على منصته في فيس بوك: ما ان انقضت الانتخابات النيابية وأقصي ممثلو القوى المدنية، حتى تم تحريك دعاوى قضائية، في الغالب كيدية، ضد ناشطين ومحتجين مدنيين، امتدادا لمحاولة اسكات الصوت المدني المعارض والتضييق على حرية التعبير.
تقويض الثقة بمؤسسات الدولة
وقال حزب الاستقلال العراقي في بيان ان "استخدام أدوات القضاء لتصفية الحسابات السياسية يتعارض مع مبدأ العدالة، ويقوّض الثقة بمؤسسات الدولة. فحرية الفكر والتعبير حقوقٌ دستورية لا يجوز العبث بها عبر اتهامات مبهمة أو شكاوى مفصلة على مقاس الخصومة"، حسب وصف البيان.
واعرب البيان عن القلق من تصاعد الدعاوى الكيدية التي تطال شخصيات مدنية ووطنية معروفة بمواقفها المستقلة، في محاولات مكشوفة لإسكات الرأي المختلف وتضييق الحريات.
وعبر الحزب عن ثقته بالقضاء وقدرته على التمييز بين الحق والتوظيف السياسي للقانون، مشدداً على ضرورة وضع حد لظاهرة استقواء القوى الخارجة على الدولة ومحاولاتها للابتزاز السياسي.
من جانبه، أعرب حزب البيت الوطني عن استغرابه واستنكاره الشديدين إزاء صدور مذكرة قبض بحق أمينه العام، وعدّها استهدافاً واضحاً لصوت وطني حرّ اختار الوقوف مع الشعب والدفاع عن حقوقه الدستورية.
وقال الحزب في بيان صحفي: نضع هذه الخطوة أمام الرأي العام والقضاء العراقي، ونؤكد أن أي محاولة لترهيب المعارضة أو إسكات الأصوات الوطنية، لن تزيدنا إلّا إصراراً على المضي في طريق الدفاع عن حقوق الشعب والتصدي لكل محاولات تقييد الحريات السياسية.
*****************************************
الصفحة الثالثة
فضاء رقمي منفلت وسلطات تنحاز للمحرّضين ضعف القانون يجعل الدولة رهينة الفوضى والتسلط
بغداد - طريق الشعب
تصاعدت في الاونة الاخيرة موجات من التحريض الرقمي وحملات الضغط التي لا تكتفي بتوجيه المزاج العام، بل تفرض إيقاعها على مؤسسات الدولة نفسها.
ومع كل حدثٍ يُلغى بقرارٍ ارتجالي، ومع كل رأي يُسكَت تحت وقع التهديد أو التشويه، يتكشف مشهد أعمق: دولة تُدار بردود الفعل أكثر مما تُدار بالقانون، وسلطة تنحاز — بصمت أو رضوخ — إلى الجهات الأكثر قدرة على اثارة الضجيج، بينما تنمو في المجتمع أصوات ترغب في جرّ الجميع نحو لون واحد.
كيف تعمل الشبكات؟
في هذا الصدد، حذّر رئيس مؤسسة مسارات، سعد سلّوم، من تصاعد ما وصفه بـ”الدعاية الرقمية الممنهجة” التي تتداخل فيها تقنيات التأثير النفسي مع هندسة الوعي بهدف إعادة تشكيل المجال العام في العراق.
وقال سلوم في حديث مع "طريق الشعب"، إن هذه الشبكات تعمل وفق آليات ثابتة تبدأ بصناعة سرديات موحّدة، مروراً بتشويه الأصوات النقدية وتحييدها، وصولًا إلى تضخيم قضايا هامشية لصرف الأنظار عن الملفات الأساسية وخلق انقسامات مصطنعة عبر استثارة الهويات الفرعية.
وأضاف أن تأثير هذه الدعاية "لا يقتصر على الفضاء الالكتروني، بل يمتد الى السياسة والمجتمع عبر ثلاثة مسارات متوازية؛ الأول إنتاج وعي زائف نتيجة تدفق منظّم للمعلومات المضللة، والثاني تحويل النقاش العام إلى ساحة للتشويه والاتهامات بما يضعف الرقابة المجتمعية، أما المسار الثالث فهو ترسيخ الرقابة الذاتية من خلال الترهيب الرقمي الذي يمنع الأفراد من التعبير الحر.
وأكد أن هذه الممارسات "تحوّل الفضاء العام إلى منطقة مغلقة تُحدَّد فيها حدود النقاش الممكن، ما يعمّق هشاشة العملية الديمقراطية ويقوّض القدرة على إنتاج معرفة موضوعية".
وشرح أن "مواجهة هذا التأثير تتطلّب تعزيز الثقافة الرقمية النقدية، ودعم الإعلام المستقل، وضمان شفافية مصادر المعلومات لحماية المجال العام من التوجيه الخفي".
جهات تسعى لفرض لون واحد على المجتمع
من جانبه، عبر الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي د. وائل منذر عن قلقه من وجود توجه داخل المجتمع يسعى إلى فرض أجندة ورؤية واحدة على جميع أفراده، بدعم من مدونين محسوبين على تيارات الإسلام السياسي ومرتبطين بها بشكل مباشر أو غير مباشر.
أسباب الاخفاق الحقيقية
وقال منذر لـ"طريق الشعب"، إن بعض هذه الحسابات الالكترونية تحاول “خلق جو عام يتهم أي فشل حكومي أو فساد مالي وإداري بانحلال قيمي أو تفكك أسري، في محاولة لصرف الأنظار عن أسباب الإخفاق الحقيقية، وفي مقدمتها تراجع دور الدولة في تنظيم المجتمع وإدارة الفضاء الالكتروني، وعدم الحد من خطابات الكراهية والتحريض والانقسام".
واضاف أن “الجيوش الالكترونية” لهذه الجهات تعمل بشكل ممنهج عبر التضخيم والترويج الواسع لأي حملة، مستدركاً بقوله ان "الأخطر هو انسياق السلطة التنفيذية نفسها خلف هذه التوجهات”.
ورأى أن أغلب المسؤولين في السلطة التنفيذية “ينتمون إلى أحزاب الاسلام السياسي، ما يجعلهم يتناغمون مع هذه الحملات، سواء بدافع الانتماء الحزبي أو بدافع الحفاظ على مناصبهم وتجنب الهجمات ضدهم”.
وحذر من أن هذا السلوك “يحوّل الدولة الى لون واحد، ويتعارض مع روح الدستور القائم على التعددية والاعتراف بالتنوع الاجتماعي”.
وزاد بالقول أن الدولة "تمنح إجازات قانونية لإقامة فعاليات وأنشطة مختلفة، لكن إلغاء هذه الإجازات تحت ضغط الحملات التحريضية يحمّلها مسؤولية تعويض المتضررين".
ونبه الى وجود ضعف واضح في ثقافة اللجوء للقضاء والمطالبة بالتعويض، رغم أنّ أي شركة أو جهة متضررة في دولة ديمقراطية كانت ستحصل على مبالغ كبيرة لقاء ما تكبدته من خسائر.
وأشار منذر إلى أن الرأي العام ينساق أيضاً خلف الحملات التحريضية، لأنه يُقاد من زاوية أخلاقية تقدّم رواية دينية واحدة بوصفها معياراً لعمل الدولة والمجتمع.
وتابع: “يجري الدمج بين مفهوم الدولة والدين من منظور ضيق لمذهب واحد، ما يجعل أي رأي مخالف وكأنه سباحة ضد التيار”.
وأوضح أن كثيراً من أصحاب الرأي المختلف يختارون الصمت أو الرد الدبلوماسي لتجنب الهجمات أو حملات التشويه، في حين تُستهدف شخصيات محددة بوسائل قانونية أو الكترونية، بينما يتم غضّ النظر عن آخرين “يمارسون خطاب الكراهية والدعوة لتقسيم البلاد دون أن تترتب عليهم أي نتائج قانونية”.
وفي ختام حديثه، شدّد الأكاديمي وائل منذر على أن معالجة هذه الظاهرة تتطلب مسارين "الاول معالجة مجتمعية، عبر اعتماد خطاب بديل واقعي وعلمي، لا يقوم على المواجهة المباشرة أو الشحن العاطفي، بل على نقاشات منهجية ترفع الوعي وتحصّن المجتمع من التحريض والتزييف، والثاني؛ معالجة مؤسساتية جذروها باعتراف الدولة بالتعددية واحترام كل الآراء والتيارات داخل المجتمع، و إصدار قانون فاعل لمواجهة خطابات الكراهية، و فصل مؤسسات الدولة عن انتماءات واعتقادات القائمين عليها، بحيث تعبّر عن الدولة العراقية لا عن أهواء أو مرجعيات حزبية أو دينية".
اين الرأي الاخر؟
الى ذلك، قال الكاتب أحمد سعداوي إن الأزمة الأساسية في العراق لا تتعلق بوجود فئات محافظة أو متشددة داخل المجتمع، فهذا أمر طبيعي في بلد متنوع، بل تكمن المشكلة في ضعف سلطة القانون وانحياز السلطة التنفيذية لصوت تلك الفئات على حساب الدستور والحقوق العامة.
وأضاف سعداوي أن "ما جرى في البصرة مثلاً، بعد إلغاء حفل قانوني تحت ضغط عدد محدود من الأصوات، يكشف أن الحكومة المحلية لم تحترم القانون رغم إدراكها أن الفعالية كانت مرخصة ولا تخالف أي تشريع".
وتابع حديثه لـ"طريق الشعب"، أن "من حق أي مجموعة الاعتراض والتعبير عن رأيها، لكن غير المقبول أن تقف السلطة الى جانبها وتتخذ قرارات تخالف الدستور وتعطي انطباعًا بأن الدولة تخضع لابتزاز مجموعات صغيرة".
وأشار إلى أن المشكلة "تتوسع بسبب استخدام المقدس الديني بطريقة فضفاضة تُستخدم كأداة للضغط والاتهام"، لافتاً إلى قضية "الناشط في كربلاء الذي احتُجز بسبب منشور اعتُبر مسيئاً للمقدسات".
وزاد ان هذا الاستخدام المفتوح للمقدس يخلق مساحة مبهمة تُستغل لتكميم الأفواه، متسائلًا: "أين يبدأ المقدس وأين ينتهي؟ ومن يملك حق تفسيره في ظل هيمنة القوى المتحكمة بالسلطة؟".
وأكد أن اساس الأزمة يكمن في المنظومة التنفيذية التي تخضع للاعتبارات الدينية والعشائرية والسلاح والنفوذ الحزبي. ومثال ذلك، هيئة الإعلام والاتصالات التي جرى تغيير إدارتها بطريقة تعكس أنها تدار كملكية حزبية لا كهيئة وطنية، في مشهد يجسد غياب القانون وتحوّل الدولة إلى كيانات خاضعة لنفوذ قوى سياسية تتعامل مع المؤسسات وكأنها أملاك خاصة.
واعتبر انسياق الجمهور وراء حملات التحريض "أمرا طبيعيا في ظل طبيعة وسائل التواصل القائمة على الترند والشعبوية، لكنه في الوقت نفسه نتيجة لغياب الرأي المقابل الذي يخشى التعبير خوفاً من الاستهداف والتشهير".
وقال إن هناك "رأياً آخر داخل المجتمع، وربما أكبر عدداً، لكنه مُحاصر بالخوف، الأمر الذي يجعل الصوت المتشدد يبدو كأنه الصوت الوحيد المسيطر".
وعاد للتأكيد ان "المشكلة ليست في وجود هذه المجموعات، بل في تمكينها ومنحها سلطة معنوية تسمح لها بالتأثير على قرارات الدولة".
وختم سعداوي بالقول إن أي دولة لا تقوم إلا على احترام القانون، وضرب مثالاً بالأردن الذي استطاع رغم قلة موارده أن يوفر بيئة آمنة للاستثمار لأنه يحترم القانون ويحافظ على استقرار مؤسساته، بينما يبقى العراق عرضة للفوضى لأن مصير أي قرار أو نشاط يظل مجهولًا طالما أن من يملك النفوذ يستطيع إسقاطه بضغط أو تهديد".
العراق في الصحافة الدولية
ترجمة وإعداد: طريق الشعب
مارك سافايا والعلاقة العراقية ـ الأمريكية
لِموقع المعهد الأوروبي لدراسات الشرق الأوسط، كتبت مريام بينريد مقالًا اعتبرت فيه تعيين مارك سافايا مبعوثًا خاصًا للولايات المتحدة إلى العراق حدثٌ مؤثر للغاية، لأنه يعكس سعيَ واشنطن إلى تعزيز العلاقة مع بغداد، في وقتٍ يشهد فيه الشرق الأوسط سلسلةً غير مسبوقة من الاضطرابات.
أهداف سافايا
ورأت الكاتبة أن هذا التعيين يهدف رسميًا إلى تسهيل العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتعزيز استقرار العراق، ودعم إعادة إعماره سياسيًا واقتصاديًا، لكنه في الحقيقة يسعى إلى مواجهة طموحات القوى الحليفة لإيران والفصائل المسلحة خارج نطاق المؤسسة الأمنية. ورغم جذور سافايا العراقية وعلاقاته الشخصية بالمنطقة، رأت الكاتبة أن ذلك غير كافٍ لسدّ الفجوة التي لا تزال تفصل واشنطن عن بغداد بعد عقود من المواجهة العسكرية والعقوبات واحتلالٍ طويل الأمد لا يزال العراق يكافح للتعافي منه، متسائلة عمّا إذا كان تعيين مارك سافايا يعكس رغبةً حقيقيةً في مساعدة العراق على استعادة سيادته، أم أنه يمثل محاولةً لفرض التبعية من جديد، لاسيما وهو يتزامن مع إعادة بناء العلاقة بين البلدين في بيئة جيوسياسية مضطربة.
إعادة بناء علاقة في منطقة مُتحوّلة
وتناولت الكاتبة السيرة الشخصية والسياسية لسافايا، مشيرةً إلى أنه رجل أعمال مؤثر في ميشيغان وناشط بين الجالية الشرق أوسطية، ومعروف بأنه أحد أكثر مؤيدي ترامب حماسة، إذ حشد جزءًا كبيرًا من أصوات المسلمين لصالحه خلال حملة انتخابات عام 2024. ثم تساءلت عن معنى اختياره لهذا الدور وما يمكن أن يُنتظر منه.
وفي محاولةٍ للإجابة، توقعت الكاتبة أن يحكم الرجلَ منطقان، المنطق "الترامبي" الذي يركز على توحيد القوات الأمنية العراقية تحت قيادة واحدة، ودعم التقارب بين السلطات الفيدرالية وإقليم كردستان، وإشراك بغداد في تنفيذ المبادئ الأساسية للاستراتيجية الأمريكية الحالية في الشرق الأوسط الذي يمرّ بتحولات سريعة، والمنطق "المعاملاتي" الذي يطبقه ترامب على نطاق واسع في الشرق الأوسط، والمتميز بدبلوماسية براغماتية مدعومة بالصفقات والاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية الثنائية المصممة لحماية المصالح الأمنية الأمريكية، وتحقيق مكاسب استراتيجية قصيرة الأجل، وحماية استقرار سطحي بدلًا من حلّ النزاعات السياسية الدائمة.
وإلى جانب التحالفات طويلة الأمد مع ممالك الخليج والموقف الأكثر تشددًا تجاه إيران، تسعى واشنطن – وفق المقال – إلى تعزيز الشراكات "المربحة" مع دول أخرى في المنطقة مثل العراق، والتحول إلى علاقات دبلوماسية طبيعية تُتيح لها تنظيم انسحاب نسبي من مناطق الصراع المطوّل التي كان العراق مركزها لوقت طويل.
ورغم أن ترامب لا يُبدي اهتمامًا جوهريًا بالعراق، الذي تورطت الولايات المتحدة عسكريًا فيه، فإنه ينظر إليه أساسًا من خلال ثروته النفطية الهائلة وموقعه الاستراتيجي في التنافس الإقليمي مع إيران. ولهذا تهدف الولايات المتحدة إلى إعادة التركيز تكتيكيًا على الملفات الاقتصادية وملفات الطاقة في العراق الذي عليه أن ينأى بوضوح عن النفوذ الإيراني.
رجل أعمال ومبعوث
وذكرت الكاتبة أن صورة سافايا كرجل أعمال تتماشى مع الصفقات التي يسعى ترامب لإبرامها في المنطقة، ومع تصميمه على إعادة بناء نفوذه الذي قوّضته سابقًا أفعاله العشوائية، والتي لا يزال المستنقع العراقي رمزًا مأساويًا لها، إضافة الى سعيه إلى الاستفادة من الوجود العسكري الأمريكي المحدود والمرن كرافعة في المفاوضات الإقليمية الجارية، والتي سيكون مارك سافايا مهندسها الرئيسي في العراق، ولاسيما في مجال تشجيع كبار المستثمرين الأمريكيين على الانخراط بجدية في تطوير البنية التحتية وقطاع الطاقة والنظام المصرفي، بما يسهم في تجديد دبلوماسي للعلاقات يعزّز الاستقرار الإقليمي.
ترحيب وإشادات
وذكر المقال أنه، وعلى المستوى الجيوسياسي، رحبت بعض النخب بقدوم سافايا، وهو ترحيب تزامن مع تغيّر موازين القوى بين واشنطن وطهران، ومع اعتراف بعض هؤلاء المرحِّبين بوجود وضع غير طبيعي في العراق، وتعليقهم آمالًا مختلفة على البيت الأبيض ومبعوثه في إعادة التوازن السياسي الداخلي. كما أشارت الكاتبة إلى أن التعيين لاقى استحسانًا سعوديًا يتناسب مع دور الرياض بوصفها "ضامنًا" لسيادة العراق واستقراره، وبما ينسجم بوضوح مع المصالح الأمريكية كما عبّر عنها ترامب ومبعوثه سافايا.
واستدركت الكاتبة بالقول إن الديناميكيات الجيوسياسية في الشرق الأوسط متقلّبة وغير مؤكدة، وليس مضمونًا أن يتمكن سافايا وشركاؤه من تجاوز المشكلات، خصوصًا بعد أن أبدت القوى الحليفة لطهران الريبة والشك تجاه وصوله وطموحاته المعلنة، معتبرةً إياه مجرد "عميل" للتدخل الأمريكي المتعارض مع مصالحها واستراتيجيتها في العراق. إضافةً إلى ذلك، يتوقع مراقبون أن تُعقّد شخصية سافايا "العدوانية" – بوصفه "دبلوماسيًا مزيفًا" – وتورطه المثير للجدل في صناعة القنب الأمريكية، وتكتيكاته التسويقية المبهرة، مهمته في بلدٍ لا تزال فيه الحساسيات ملحّة.
***************************************
أفكار من اوراق اليسار.. التجديد.. بين الواقع والمرتجى
إبراهيم إسماعيل
تُعَدّ قضية التجديد من أبرز نقاط الاختلاف بين اليساريين منذ ثلاثة عقود، خاصةً حين تُذكى جمرة الحوار حولها في المنعطفات السياسية، إلى درجة يصعب معها التمييز بين المجدِّدين والمحافظين. وبعيدًا عن حقيقةٍ بديهية تشير إلى أن نجاح التجديد في الأحزاب اليسارية يعتمد بدرجة رئيسية على إشراك جميع المناضلين فيه وعدم اقتصاره على القيادات، وإطلاق حرية الاجتهاد وتجاوز المخاوف من ارتكاب خطيئة التحريف التي أوهمنا بها البعض سنين طوال، فإن للعملية اشتراطات تأتي في مقدمتها، حسب زعمي، النهوض بالمستوى الفكري والسياسي المتدنّي للأعضاء، وتبنّي آليات تنظيمية تجمع بين دمقرطة الحياة الداخلية وإحلال كادر قادر على التعامل مع معضلات اليوم محلّ مناضلين وَهَنَت همّتهم لأسباب متنوعة، إضافةً إلى فتح الأبواب لكلّ النقود والأفكار المفيدة التي قد يأتي بعضها من خارج باحة الدار الماركسية، وإتقان فنّ الإصغاء للمختلف والابتعاد عن تخوينه أو تكفيره، وتعزيز الحصانة ضدّ اليأس، الذي قد يُغري البعض بموائد دسمة عند الخصوم، أو يدفع بآخرين إلى العودة للتشبث بمقولات الحتمية التاريخية، حين يقفون عاجزين عن إيجاد بدائل لما شاخ من أفكار.
وللتجديد ميادين مترابطة رغم مسمياتها وتميّزها الوظيفي؛ فلم تُثبت التجربة نجاح محاولات تطوير أحدها بمعزل عن بقيّتها مجتمعة. ولعل من أهم الدلائل على ذلك تَلَكُّؤ الوضع التنظيمي حين لا يفلح النشاط الفكري في التفاعل مع أسئلة الحاضر، أو البقاء أسرى تغييرات شعاراتية حين يسود التردد في تطوير البناء التنظيمي خشيةَ التعارض بين الديمقراطية وبين وحدة الإرادة والعمل.
وإذا كان من أسباب النكوص اعتبارُ كلّ ما هو سائد من آليات العمل الحزبي تقليديًا وواجبَ التغيير، فإن من مُسرّعات هذا النكوص القيام ـ تحت ضغوط مختلفة ـ بخطوات تجديدية لا تتسق مع المستوى الثقافي المهيمن في المجتمع، ولا سيما إذا جاءت دون مقدمات تمهّد للتغيير وتجعله حاجةً موضوعية للمناضلين، أو دون تحصين الدار من مكائد العدو الطبقي والخصوم المنافسين. ولهذا يتطلّبُ الشروع بتلك الخطوات تشخيصًا علميًا دقيقًا للمتغيرات في البنية الاجتماعية وما تركته من تأثيرات إيجابية أو قاسية على وعي الناس، وإخضاع التطوير التنظيمي والفكري لاختبارات دورية تفضي إلى تطويره أو تعديل تفاصيله أو استبدالها، ضمانًا للمحافظة على زخم الكفاح.
وكي يتواصل التجديد ويحقق أهدافه لا بدّ أن يمتلك المناضلون القدرة والجرأة على ممارسة النقد، وأن تتطهّر أفئدتهم من عبادة الفرد، ومن رواسب البداوة والأنانية، ومن استغلال تلكؤ رفاقهم في تصفية حسابات شخصية، وأن تُغذّى الكوادر، وخاصة الشباب، بروح التضامن الشيوعي ويحصّنون ضدّ التكتل والشللية وضعف الانضباط.
وبغية أن ينطبق علينا وصفُ أنجلس للأممية الأولى (كانت تنظيمًا مفعمًا بالديمقراطية، بلجان منتخَبة يمكن استبدالها في أية لحظة)، يجب اعتماد الاختيار الجماعي والحرّ للقيادات، الذي يفضي لالتزام طوعي وواع بقراراتها واحترامٍ لشخوصها، نابعٍ من سماتهم النضالية دون الالتفات إلى مواقعهم الحزبية.
وأخيرًا، وبعد سنين طوال من صراع فكري لم تكن آلياته محكمة ولم يتخلص بعض أطرافه من أوهام تأبيد ما وجدوا عليه آباءهم، أثبتت التجربة أن وحدة الإرادة لا تعني بالضرورة تطابق الآراء، بل القدرة على حسن إدارتها لضمان وحدة العمل. كما كشفت عن ثقة أغلبية اليساريين بقدرتهم على مواصلة التجديد واعتماده منهجًا في مختلف ساحات العمل، بعد أن تيقّنوا بأن غيابه سيُبقي الخسارات مؤلمة.
ولهذا لابدّ أن يستمر الحوار حول كل ما أُنجز، ويجري تقييمه بجرأة، كي يتحقق التجديد المرتجى وتُصان ديمومته.
***************************************
الصفحة الرابعة
خطر يهدد {التنفّس الحضري} في كربلاء: استيلاء على الأراضي واندفاع استثماري غير منضبط
بغداد – تبارك عبد المجيد
تحول الجدل حول الاستثمار في كربلاء خلال الأسابيع الأخيرة إلى قضية رأي عام، مع تزايد المخاوف من ضياع المساحات العامة تحت غطاء مشاريع تجارية وسكنية. وبين تحذيرات ناشطين من “خصخصة مقنّعة” تستهدف المراكز الشبابية والمناطق الخضراء، وتوضيحات مهندسين بأن بعض الأراضي التي أُثير حولها الجدل ليست حدائق أصلاً، تتكشف صورة متشابكة تعكس فوضى التخطيط وتداخل النفوذ السياسي مع القرارات الاستثمارية.
التحويل إلى "الخصخصة"
في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية المعقدة التي يمر بها العراق، تحولت أدوات الاستثمار من وسائل حقيقية لتطوير البلد إلى آليات تزيد من هيمنة الأحزاب والجهات المسيطرة على مفاصل الحياة، حسب ما يؤكد الناشط علي حاكم في حديثه الأخير.
يبدأ علي حديثه لـ"طريق الشعب"، بالتحذير قائلاً: "للأسف، الاستثمار في العراق لم يعد وسيلة للتقدم والتنمية، بل أصبح مجالاً لتعزيز سلطة الأحزاب الحاكمة وزيادة هيمنة الجهات المسيطرة". ويشير إلى أن هذا التحول بدأ منذ فترات سابقة، حيث شهدت بعض القطاعات استثمارات مشؤومة، أبرزها تلك التي نفذتها وزارة الشباب والرياضة.
يستذكر حاكم كيف تم تحويل أكثر من ثلاثين مركزاً ومنشأة شبابية في كربلاء إلى مطاعم وكافيهات ومولات تجارية، مضيفاً: "تم نهب هذه المنتديات والمراكز الشبابية التي كانت مخصصة لخدمة الشباب وتنمية قدراتهم، لتحويلها إلى مشاريع تجارية بحتة، ما يعد ضربة قاصمة للقطاع الشبابي والمجتمع المدني".
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل توسع ليشمل المساحات العامة والمناطق الخضراء التي كانت تُعتبر متنفساً أساسياً للسكان.
يوضح علي أن "الجهات المستثمرة بالتنسيق مع بعض المسؤولين المحليين والمركزيين، وبدعم من الأحزاب السياسية، بدأت تستحوذ على هذه المساحات العامة بطرق غريبة وغير شفافة".
ويذكر مثالاً صادماً في مدينة كربلاء، حيث تم تحويل حديقة بجاور مدرسة إلى مقهى يقدم الاراكيل وأصنافا أخرى من الخدمات التي لا تليق بمفهوم الحديقة العامة بجوار الطلبة، كما تم تحويل حدائق أخرى هي ضمن التأسيس الحضري للمنطقة مثل حديقة "البارودي"، وهي مساحة خضراء عمرها يزيد على 45 عاماً وتقع قرب مركز المدينة، إلى مجمعات مطاعم وكوفيات. ويضيف: "حتى الأشجار التي تزيد أعمارها على أربعين عاماً تم قطعها لتسهيل عمليات الاستثمار".
ويؤكد "اننا في وقتها كان لنا موقف واحتجاج، لكن للأسف لم يكن هناك من يسمع".
ويلفت إلى أن هذه الاستثمارات جاءت نتيجة "شراكة جديدة وغريبة" بين المستثمرين والأحزاب الحاكمة والحكومات المحلية، في مثلث مشؤوم يهدد بخصخصة كل شيء في العراق، حيث لم تعد المساحات العامة والمرافق الاجتماعية تُعتبر ملكاً عاماً بل تتحول إلى ممتلكات خاصة تتحكم بها المصالح الضيقة.
ويحذر من أن الاستثمار ليس دائماً مفيداً، وأن هناك استثمارات سيئة تؤدي إلى “سلب حقوق المواطنين وتعزيز سلطات الأحزاب على حساب المجتمع”. لذلك يؤكد ضرورة وعي المجتمع بهذه التفاصيل وعدم القبول بالتخطيط العشوائي الذي يهدد وجود المراكز الشبابية والمناطق الخضراء.
ويختم علي حاكم حديثه بالتأكيد على أن "التخطيط الأساسي للمدن يعتمد على وجود مساحات خضراء ومراكز شبابية كمرافق عامة لا يجوز تحويلها إلى استثمارات تجارية عشوائية بحجة التنمية"، مشدداً على ضرورة مراجعة سياسات الاستثمار لضمان الحفاظ على هذه المساحات وصونها للأجيال القادمة.
اندفاع استثماري غير منضبط
من جانبه، حذر عضو مجلس محافظة كربلاء ماجد المالكي من قضية استيلاء تجري على نطاق واسع لأراضي الدولة تحت غطاء الاستثمار، ليضع بذلك ملفاً شائكاً في واجهة النقاش العام داخل مدينة تشهد واحداً من أسرع معدلات التمدد العمراني في البلاد خلال العقد الأخير.
ويقول المالكي في تصريح صحفي أن "عمليات منح الأراضي تتم بالجملة داخل حدود البلدية وفي الأراضي العائدة لوزارة المالية"، مؤكداً أن حجم التخصيصات الحالية يكشف عن اندفاع استثماري غير منضبط قد يحرم الأجيال المقبلة من سكن ملائم وخدمات أساسية، في وقت تتوسع فيه مشاريع تمليك الأراضي في صحراء كربلاء بمئات آلاف الدونمات بحسب ما تظهره البيانات المحلية المتداولة.
ويضيف المالكي أن استحواذ أفراد ومؤسسات على هذا الكم من الأراضي “بواسطة حكومية” ومن دون المرور بالقنوات الرسمية يشكل حالة أشبه بـ “الاستيطان المغلف بغلاف الاستثمار”، مشيراً إلى أن الانفراد بالقرار وعدم مراعاة المعايير القانونية والتنظيمية يفتحان الباب أمام تداخل مصالح ونفوذ لا يجد من يوقفه.
ويتابع بالقول أن جميع الساحات المخصصة للخدمات والمناطق الخضراء داخل المدينة، إضافة إلى الامتداد العمراني في الصحراء، أصبحت عرضة للالتفاف الإداري، بعدما تحولت إلى مشاريع مجمعات سكنية ومولات ومحال تجارية “لا ينال منها الموظف والمواطن شيئاً”، على حد وصفه، رغم أنّ كربلاء تعاني نقصاً واضحاً في مناطق الخدمة العامة وممرات التنفّس الحضري.
مخاطر هذا الاستثمار
من جهته، يقول احمد الموسوي المدير التنفيذي لجمعية مراقبة حقوق الإنسان العراقية، من محافظة كربلاء: ان "هناك أهمية لوجود ضوابط واضحة ضمن قانون الاستثمار تضمن الحفاظ على هذه المناطق من الاستغلال الجائر".
ويضيف الموسوي لـ"طريق الشعب"، ان "قانون الاستثمار موجود ويحتوي على ضوابط وتعليمات، لكن من الضروري أن تكون هناك حماية فعلية للمناطق الخضراء في كل بلد، سواء في المناطق الحضرية أو القروية، لأن هذه المناطق تشكل متنفساً أساسياً للأفراد والعائلات".
ويتابع أن حماية المناطق الخضراء ليست فقط للحفاظ على البيئة، بل أيضاً لضمان وجود أماكن ترفيهية وأمنية تحافظ على جودة الحياة للمواطنين، خصوصاً للأطفال والعوائل الذين يعتمدون على هذه المساحات كجزء من حياتهم اليومية. فـ"المناطق الخضراء يجب أن تُدرج ضمن التخطيط العمراني كمساحات مخصصة للراحة واللعب، وتعزيز بيئة صحية ومستدامة".
وينبه الموسوي إلى خطورة استغلال هذه المناطق من قبل بعض الجهات أو المتنفذين بهدف الربح والاستثمار غير المدروس، ما يؤدي إلى تدمير البيئة وإزالة المتنفس الطبيعي الذي يحتاجه المجتمع.
ويؤكد أنه "لا يمكن السماح اليوم بأي شكل من الأشكال بأن تُستغل كل المناطق الخضراء للاستثمار، وإلا سنجد محافظاتنا وقُرانا خالية من هذه المساحات الحيوية".
ويخلص الموسوي إلى أن حماية المناطق الخضراء يجب أن تكون أولوية في السياسات الحكومية وقوانين الاستثمار، لما لها من أثر مباشر على الصحة العامة، البيئة، وجودة الحياة.
ويشير إلى ضرورة تفعيل التشريعات التي تحمي هذه المناطق من الاستغلال السياسي والاقتصادي غير المسؤول.
وجهة نظر أخرى
المهندس يسر لؤي، متخصص في هندسة العمارة، يقول أن الجدل المتصاعد حول تحويل المساحات الخضراء في كربلاء إلى مجمعات سكنية يستند في جزء كبير منه إلى معلومات غير دقيقة، مؤكدا أن المشروع الذي تردد حوله الكلام ليس حديقة عامة ولا مساحة خضراء كما جرى تصويره، بل قطعة أرض سكنية بيعت من البلدية إلى أحد المستثمرين ضمن المخطط الأساس للمدينة، وبمساحة تقارب مئة وستة وأربعين إلى مئة واثنين وسبعين ألف متر مربع. ش
ويشير في حديث لـ"طريق الشعب"، إلى أن ما تم تداوله خلال الفترة السابقة كان جزءاً من دعاية انتخابية أكثر منه اعتراضاً مبنياً على واقع تخطيطي، إذ جرى الترويج للمكان على أنه حديقة أزيلت، بينما هو بالأصل قطاع سكني لم تُسجل عليه أي صفة خضراء. ويجد يسر أن تصوير الموضوع على أنه سبب للتظاهر يفتقر إلى الدقة، لأن المشروع نفسه لا يمت بصلة لفكرة إزالة المساحات العامة أو تقليص الغطاء الأخضر داخل المدينة.
ويضيف لؤي أن اطلاعه الأكاديمي والمهني في مجال تخطيط المدن يجعله قريبا من تفاصيل المشاريع التي تُشيّد في أطراف كربلاء، مبينا أن معظم المجمعات السكنية الجديدة تقع خارج مركز المدينة وضمن المخطط الاستثماري المصادق عليه، ولا تتقاطع مع الحدائق العامة أو المتنزهات أو أي مواقع مصنفة كمساحات خضراء. لكنه يشير في المقابل إلى مشكلة مختلفة تماماً تتعلق بآلية تحويل بعض المؤسسات الشبابية والرياضية إلى مشاريع استثمارية بقرار إداري، الأمر الذي يغيّب دورها الأساسي ويحد من إمكانية استفادة الشباب منها.
المنتديات تتحول إلى مشاريع استثمارية
ويستعرض لؤي أمثلة على تلك المؤسسات مثل منتجع شباب كربلاء ومنتجع شباب الحسين، وهما في الأصل منشآت تابعة لوزارة الشباب والرياضة ومخصصة للأنشطة الترفيهية والرياضية للشباب، إلا أنهما تحولا إلى مشاريع استثمارية لا يدخلها الشباب إلا بصفة زبائن. ويشير أيضاً إلى نادي الوحدة الذي أُحيل إلى الاستثمار، إضافة إلى مول الحارث الذي كان في الأصل منتدى نسوياً يتبع وزارة الشباب قبل أن يتحول إلى مشروع تجاري يضم صالة رياضية نسائية من دون أي تطوير حقيقي للمكان أو إعادة تأهيله بما يخدم الفئة المستفيدة..
ويرى أن هذه التحولات لا تعكس رؤية تنموية واضحة، لأنها تزيل صفة الخدمة العامة وتحول المؤسسات الحكومية إلى واجهات استثمارية من دون برامج أو مرافق تعزز دور الشباب أو توفر بدائل لهم، لافتا إلى أن القلق الحقيقي لا يتعلق بمشاريع السكن بل بمسار تحويل المنشآت العامة إلى استثمار بطريقة لا تحقق نفعاً ملموساً للمجتمع.
****************************************************
خطط جديدة لتعظيم الموارد البحرية وخفض كلف النقل
هل ينافس العراق موانئ الخليج؟ قناة بحرية جديدة قد تغيّر معادلات الترانزيت
بغداد - محمد التميمي
كشفت الشركة العامة لموانئ العراق عن وجود خطط طموحة للاستثمار في المياه الاقليمية، لتعزيز دور ميناء الفاو كمحرك رئيسي للتبادل التجاري ونقطة جذب مهمة نظراً لانخفاض كلف النقل البحري.
ورغم أهمية هذه الخطوة الاقتصادية الاستراتيجية، يرى مختصون أن نجاح هذا المشروع يرتبط بعدة عوامل، أبرزها توفر الارادة السياسية محليا واقليميا، وتوفير بيئة استثمارية خصبة وارضية تشريعات قانونية، وان تكون هناك قدرة على جذب الاستثمارات اللازمة، بالإضافة إلى تجاوز التحديات الفنية واللوجستية لضمان تحقيق الفوائد المرجوة للقطاع البحري والاقتصاد الوطني.
خفض كلف النقل وتعزيز التجارة
في هذا الصدد، قال مدير موانئ العراق، فرحان الفرطوسي أن هناك خططاً للاستثمار في المياه الاقليمية العراقية، مشيراً إلى أن هذه الخطط ستكون قابلة للتنفيذ عند استكمال إنشاء قناة ملاحية منفردة تتيح للعراق استخدام مساحاته البحرية بالشكل الأمثل.
وبيّن الفرطوسي أن "القناة الملاحية المرتقبة، والتي سيصل طولها الى نحو 23 كم باتجاه البحر، تُعد من أهم المشاريع الاستراتيجية في منظومة النقل البحري العراقية، خصوصاً أن المياه الإقليمية تمتد حتى 12 ميلاً بحرياً، ما يفتح المجال أمام استثمارات واعدة في هذا القطاع".
وأوضح أن هذا المشروع "سيحقق للبلاد مورداً اقتصادياً مهماً من خلال خفض كلف النقل البحري"، لافتاً إلى أن "ميناء أم قصر بعمق 12.5 متر يستقبل بواخر صغيرة، مقارنة بميناء الفاو الذي سيستقبل سفناً أكبر وبقدرات تشغيلية أعلى".
وأشار الفرطوسي إلى أن هذا "يضيف لميناء الفاو ميزة تنافسية كبيرة تسهم في تعزيز حجم التبادل التجاري وتعزيز موقع الموانئ العراقية في خارطة خطوط الملاحة العالمية".
واكد أن "الميناء سيكون بمثابة بوابة العراق الاقتصادية، وركيزة أساسية ضمن مشروع طريق التنمية الذي يُعد أكبر مشروع اقتصادي استراتيجي للدولة العراقية".
استثمار بحري واعد.. ولكن!
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي صالح الهماشي إن توجه العراق نحو الاستثمار في مياهه الإقليمية يمثل خطوة استراتيجية طال انتظارها، لما تحمله من مردودات اقتصادية مباشرة وغير مباشرة، خصوصاً في قطاعات النقل البحري، والخدمات اللوجستية، والطاقة، والصناعات المرتبطة بالموانئ.
وأضاف الهماشي في حديثه لـ"طريق الشعب"، ان "هذه المساحات البحرية غير المستغلة حتى الآن يمكن أن تتحول إلى رافعة حقيقية للنمو إذا ما توفرت لها البنى التحتية اللازمة".
واوضح ان "ربط خطط الاستثمار بإنشاء القناة الملاحية الجديدة بطول 23 كم هو أمر منطقي، لأن الجدوى الاقتصادية المستهدفة لا يمكن بلوغها دون قناة آمنة وصالحة لحركة السفن التجارية"، مشيراً الى ان "وجود قناة ملاحية متكاملة سيؤدي إلى خفض ملموس في كلف النقل البحري، وهو عنصر حاسم في تعزيز تنافسية الاقتصاد العراقي مقارنة بدول الجوار".
وتابع قائلاً ان "دراسات السوق العالمية تشير إلى أن انخفاض كلف النقل قد يصل إلى مستويات مؤثرة، مما ينعكس على أسعار السلع، ويزيد من جاذبية الموانئ العراقية بالنسبة لشركات الشحن الدولية".
ولفت الى انه من المتوقع أن "تؤدي القناة إلى تحسين موقع موانئ العراق في مواجهة موانئ إيران والكويت، ولا سيما في مجال الترانزيت. إذ إن تشغيل القناة سيقلل من اعتماد العراق على موانئ دول الجوار، ويمكن أن يعزز دوره كممر تجاري مهم في المنطقة".
عوائد وتحديات
وبخصوص الإيرادات المحتملة، توقع الهماشي أن "تحقق القناة عوائد كبيرة للدولة، سواء عبر رسوم العبور أو تنشيط منظومة الموانئ والنقل البحري، ويمكن الاستفادة من التجارب الدولية المشابهة كنماذج ملاحية حديثة أثبتت قدرة القنوات القصيرة على توليد إيرادات متصاعدة بمرور الوقت".
واردف القول ان "هذا المشروع لا يخلو من تحديات، أبرزها التمويل والبيئة اللوجستية، إذ يتطلب استثمارات ضخمة، وقدرة على استقطاب الشركات العالمية وفق بيئة استثمارية مستقرة وواضحة المعايير".
ونبه الى ان "توفير الدولة إطاراً تشريعياً وتنظيمياً يمنح المستثمرين الثقة، ويضمن التزامهم بمعايير الجودة والشفافية"، مبيناً إن "البيئة الاستثمارية الحالية تحتاج إلى مزيد من الاستقرار لجذب رؤوس الأموال الكبرى".
وخلص الى القول ان "المشروع في المحصلة يمثل خطوة استراتيجية مهمة يمكن أن تغيّر وجه الاقتصاد البحري العراقي، شريطة أن يتم التخطيط له بعناية، وأن تتكامل فيه الجوانب الفنية والاقتصادية والاستثمارية لضمان تحقيق الفائدة القصوى للبلاد".
رهينة الحسابات الاقليمية والارداة السياسية
أما المحلل الاقتصادي مرتضى الزهيري، فيجد أن الخطط للاستثمار في المياه الاقليمي تمثل توجهاً مهماً لتعزيز موقع العراق البحري.
ويقول في حديث لـ "طريق الشعب"، أن الحديث عن الاستثمار في المياه الاقليمية "لا يتجاوز حتى الآن حدود التخطيط والمقترحات، لأن التنفيذ العملي يرتبط بمجموعة معايير فنية وقانونية وإقليمية لم تُحسم بعد".
ويضيف أن العراق "يمتلك فرصة اقتصادية واعدة في حال تم إنجاز القناة الملاحية، لكن نجاح المشروع يظل رهينة تهيئة بيئة بحرية آمنة وتوافقات سياسية مع دول الجوار".
وينبه الزهيري الى ان “وجود دولة مثل الكويت، التي لدينا معها ملفات حدودية حساسة ومعقدة منذ سنوات، يجعل هذه المشاريع عرضة للتعطيل، خصوصاً في ظل النفوذ الدولي الذي تمتلكه الكويت في هذا النوع من الملفات البحرية.”
ويرى أن "أي مشروع بحري عراقي متقدم قد يواجه اعتراضات أو ضغوطا اقليمية، ما يفرض على الدولة العراقية تحركاً دبلوماسياً متوازناً يضمن مصالحها ويقلل من احتمالات التصعيد".
وعلى الصعيد الاقتصادي، يشدد على أن العراق "بحاجة ماسة لهذا المشروع، لأن تعزيز قدراته البحرية سيسهم في تخفيض كلف النقل، وتنشيط حركة البضائع، ورفع تنافسية الموانئ العراقية مقارنة بالموانئ الإقليمية".
ويقول الزهيري أن المشروع يتكامل مع رؤية العراق لطرح نفسه بوصفه محوراً تجارياً يربط آسيا وأوروبا عبر مشروع ميناء الفاو – طريق التنمية، معتبرًا أن القناة الملاحية ستكون إحدى الركائز الأساسية لهذه الرؤية.
ويخمن أن "العوائد الاقتصادية المحتملة ستكون كبيرة في حال تم تنفيذ المشروع، سواء من خلال رسوم العبور أو عبر تحريك قطاعات لوجستية وصناعية وخدمية مرتبطة بالموانئ"، لكنه يرهن ذلك كله "بتوفر الإرادة السياسية، والقدرة على إدارة التحديات الجيوسياسية، واستقطاب استثمارات قادرة على تمويل المشاريع البحرية وفق معايير دولية".
ويختتم الزهيري حديثه بالقول إن العراق "يمتلك كل المقومات، لكن يبقى العامل السياسي هو الحاسم، وهو ما يستدعي سياسات واضحة، ورؤية تفاوضية فاعلة، وتنسيقاً إقليمياً متواصلاً لضمان تنفيذ المشاريع الاستراتيجية التي يمكن أن تحوّل العراق إلى مركز بحري واقتصادي مؤثر في المنطقة".
********************************************
الصفحة الخامسة
شرط غير مُعلن للنجاح.. التدريس الخصوصي يمتد إلى الجامعات!
متابعة – طريق الشعب
في سنوات الحصار الاقتصادي تسعينيات القرن الماضي، تعرّض قطاع التعليم الحكومي، شأن بقية القطاعات، إلى تدهور كبير من جميع النواحي، ما ساعد على بروز التدريس الخصوصي كخلاص فردي للطلبة وأسرهم، وللمعلم الذي بات راتبه لا يُغطي الجزء البسيط من متطلبات المعيشة.
في تلك الاثناء، تحول التدريس الخصوصي شيئا فشيئا إلى شرط غير معلن لنجاح الطالب. إذ كانت المدارس تعاني نقص المناهج والكوادر وضعف البنى التحتية، حتى صار بعض المدرسين يقدمون دروسا خاصة لطلبتهم مقابل أجور، بما يشبه رسوم عبور للنجاح، في ظل تراجع اقتصادي خانق وغياب للرقابة.
لكن المفارقة، هي أن الظاهرة لم تتراجع بعد تحسن الظروف، بل اتسعت بصورة أكبر، حتى وصلت إلى فتح معاهد متخصصة في التدريس الخصوصي، الذي تجذّر في المجتمع التعليمي ليس فقط بوصفه دعما إضافيا، إنما كبديل فعلي للتعليم النظامي. ومع الانتشار الواسع للمدارس الأهلية خلال العقد الأخير، تسارعت الظاهرة أكثر، مستفيدة من ضعف الرقابة الأكاديمية وغياب معايير التعيين الرصين.
لكن الأغرب من ذلك، هو أنّ موجة الدروس الخصوصية تجاوزت المدارس ووصلت إلى الجامعات. وهذه سابقة لم يعرفها العراق في العقود الماضية. إذ يضطر طلبة كليات مرموقة – مثل الهندسة والطب والعلوم – إلى البحث عن مدرّس خصوصي، لتعويض ما يفترض أن تقدمه قاعات الجامعة، سواء بسبب ضعف إيصال المادة العلمية أم نتيجة عدم امتلاك بعض المدرسين الجدد مهارات التدريس، أم بسبب التعيينات السريعة التي شهدتها جامعات أهلية وحكومية على حدٍّ سواء.
هذا التحول يطرح أسئلة حول جودة التعليم العالي وفاعلية الكادر الأكاديمي، وقدرة الجامعات على أداء دورها الطبيعي. كما يكشف عن فجوة واسعة بين مستوى الطلبة وما يُفترض أن يتلقوه، ليصبح التعليم خارج الجامعة، وبكلفة باهظة، شرطا من شروط البقاء الدراسي.
ويرى مراقبون أن تنامي هذه الظاهرة وامتدادها من المدارس إلى الجامعات، لا يشير فقط إلى خلل إداري أو أكاديمي، إنما يعبّر عن أزمة أعمق في بنية التعليم، وعن تآكل الثقة في المؤسسات التي أنشئت أصلا لتكون المصدر الأول للمعرفة. وهذا ما يدفع إلى التساؤل: إذا كان الطالب بحاجة إلى معلم بديل لإنقاذ مستقبله، فماذا تبقى إذن من دور الجامعة؟!
ملاذ اضطراري
يصف طلبة في كليات الهندسة والعلوم الطبية والإدارة والاقتصاد وغيرها، الدروس الخصوصية بأنها "ملاذ اضطراري لا يمكن الاستغناء عنه في ظل ضعف توصيل المواد العلمية داخل قاعات الدراسة".
ويوضحون في حديث صحفي أن كفاءة التدريس هي الشرط الأول عند البحث عن مدرس خصوصي، وأنهم يشترطون أن يكون الأستاذ حاصلا على شهادته العليا في جامعة عراقية أو في جامعة عالمية معروفة، وأن يقدم محاضرة أو اثنتين مجانيتَين، لاختبار طريقة تدريسه وقدرته على تبسيط المعلومات.
أجور عالية
إضافة إلى النفقات الكثيرة التي تتحملها أسر الطلبة، من أجور نقل وشراء لوازم الدراسة وغير ذلك من النفقات، باتت أجور التدريس الخصوصي تضيف إلى كواهل تلك الأسر مزيدا من الأعباء المالية، خاصة أن قسما من الدروس يتلقاه الطالب مقابل أجر يتراوح بين 25 و60 ألف دينار للمحاضرة الواحدة. وفي بعض التخصصات الطبية والهندسية المعقدة قد يصل الأجر إلى 150 ألف دينار للدورة القصيرة.
المواطنة سهى العبيدي، وهي والدة طالبة في إحدى كليات طب الأسنان الأهلية في بغداد، تقول في حديث صحفي: "اضطررت إلى إرسال ابنتي إلى مدرسين خصوصيين ثلاث مرات أسبوعياً. إذ أدفع ما يقارب 300 ألف دينار شهريا لأولئك المدرسين، وهذا مبلغ يفوق قدرة الأسرة، لكنه الحل الوحيد لتجاوز السنة الدراسية".
وتضيف قولها: "الدروس الخصوصية شرط غير معلن للنجاح الجامعي، خصوصا في بعض الكليات الأهلية التي تفتقر إلى تدريس مستقر وكادر أكاديمي مؤهل"، مبينة أن "هناك أساتذة جامعيين غير مؤهلين لتقديم الدروس للطلبة، وهم غالبا من الخريجين الجدد الذين عيُنوا سريعا بشهادات حصلوا عليها من جامعات خارجية غير معروفة".
شهادات من جامعات غير رصينة
تشير مصادر أكاديمية إلى أن جزءا من الأزمة يعود إلى دخول عدد كبير من حملة الشهادات العليا إلى سوق التعليم العالي، ممن حصلوا على درجتي الماجستير والدكتوراه عبر برامج دراسية غير رصينة في دول مثل لبنان وإيران وغيرهما، لافتة إلى أن بعض تلك الشهادات مُنح بعد دراسة عن بعد من دون تطبيق معايير البحث العلمي أو الإشراف الحقيقي.
وفي هذا السياق، تنقل وكالة أنباء "العربي الجديد" عن تدريسي في جامعة بغداد، قوله أن "أقساما علمية في الجامعة استقبلت عددا كبيرا ممن يحملون شهادات عليا من جامعات مغمورة، وبعضهم لا يملك أدوات التدريس أو مهارات البحث، ما أدى إلى انخفاض واضح في مستوى المحاضرات، وزيادة اعتماد الطلبة على مصادر خارج قاعة الدرس".
وحسب نقابة الأكاديميين العراقيين، فإن جامعات أهلية عدة تعمل بطاقة تتجاوز قدراتها الحقيقية. فتعيّن مدرسين غير مؤهلين لتغطية نقص الكادر، ما ينعكس مباشرة على مستوى الطلبة.
ويقول عضو النقابة ماجد البياتي، أن "المشكلة تكمن في ضعف إجراءات الاعتماد، وعدم وجود نظام صارم لتقييم الكادر الأكاديمي، إلى جانب غياب محاسبة الجامعات التي تستقدم كوادر غير ذات كفاءة. فعليا يتعامل بعض الجامعات مع العملية التعليمية بوصفها مشروعا تجاريا يقدم شهادات مقابل رسوم مرتفعة، من دون ضمان جودة المحتوى أو التدريس".
خريجون بلا مهارات
إلى ذلك، يُحذر خبراء تربويون من أن استمرار هذه ظاهرة التدريس الخصوصي في التعليم العالي سيقود إلى فجوة حقيقية في مستوى الخريجين، خصوصا في التخصّصات الحساسة مثل الطب والهندسة.
ويقول الباحث في شؤون التعليم د. مجيد الربيعي: "قد ينجح طلبة الجامعات الذين يعتمدون على دروس خصوصية، في الامتحانات، لكنهم لن يتخرجوا بالمهارات المطلوبة"، مبينا في حديث صحفي أن "الجامعات العراقية خسرت جزءا من دورها في التدريب العملي وإعداد الطلبة".
ويضيف قائلا: "تحوّلت الدروس الخصوصية من وسيلة مساعدة إلى بديل فعلي للمحاضرات الجامعية، وهذا مؤشر خطير يدل على انهيار الثقة في المؤسسة التعليمية".
وسبق أن رصدت تقارير محلية تراجعاً في مستوى البحوث تمثل في وجود مكتبات في بغداد ومحافظات عدة، تبيع بحوثا ورسائل علمية جاهزة، ما يُفقد عملية البحث نزاهتها، ويؤدي إلى دخول أشخاص للتعليم العالي لا يملكون مؤهلات حقيقية.
ويدعو البياتي وزارة التعليم العالي إلى وضع آلية صارمة لتقييم المدرسين، عبر "إجراء اختبارات كفاءة دورية، وإعادة النظر في شهادات بعض خريجي الجامعات الخارجية، وتنظيم عملية التعيين لضمان عدم دخول كوادر غير مؤهلة"، مشددا على "أهمية مراقبة أداء الجامعات، وتعزيز التدريب التربوي، واعتماد أساليب تدريس حديثة تقلل اعتماد الطالب على الدروس الخارجية".
وتشير ظاهرة لجوء طلبة الجامعات إلى الدروس الخصوصية رغم كلفتها العالية، إلى أزمة في بنية التعليم العالي في البلاد. إذ يُضطر الطالب نفسه إلى البحث عن معلم بديل قادر على تبسيط المادة العلمية، لأن المؤسّسة التعليمية لم تعد تؤدي دورها كما يجب!
*****************************************
اگول.. المدارس الأهلية تلتهم الحكومية!
صادق النداوي
من الظواهر السيئة التي سادت في البلاد بعد 2003، ظاهرة انتشار المدارس الأهلية بأعداد كبيرة تكاد تُغطي أعداد المدارس الحكومية. فبعد سقوط النظام الدكتاتوري وتقسيم السلطة وفق نظام المحاصصة، وتفشي الفساد في مؤسسات الدولة، فضلا عن اتساع الفقر والجهل وتصاعد مستويات البطالة وقلة الخدمات، بدأت نخرة الفساد تعم المؤسسات التربوية، وهي من اهم ركائز التقدم والرقي. إذ تجلت صور تدهور هذا القطاع، بداية في قيام وزارة التربية والتعليم بهدم المدارس دون تخطيط مدروس، وبناء أخرى جعلها التلكؤ والفساد عبارة عن هياكل غير مكتملة، ما دفع إلى الاعتماد على مدارس طينية وكرفانية، لتغطية حاجة الأعداد المتزايدة من التلاميذ والطلبة.
صاحب ذلك انتشار المدارس الأهلية بشكل كبير، بدءا من رياض الأطفال وصولا إلى الجامعات، وذلك بدعم وتشجيع من جهات متنفذة. أما التدريس الخصوصي، فقد نلاحظه منتشرا حتى في الأحياء السكنية الشعبية والشقق الصغيرة.
ويضطر ذوو الطلبة إلى تسجيل أبنائهم في مدارس أهلية، بسبب نقص المدارس الحكومية وتحوّلها إلى نظام الدوام المزدوج والثلاثي، وتراجع العملية التعليمية فيها، فضلا عن اكتظاظ صفوفها بالطلبة. إذ بات الصف الواحد يضم أكثر من ٥٠ طالبا.
ويتحمل أولياء الأمور، ممن يسجلون أبناءهم في مدارس أهلية، تكاليف عالية. بدءا من القسط السنوي، مرورا بأجور النقل ومصاريف الكتب والملازم والقرطاسية وغيرها من مستلزمات الدراسة.
ومن بين الظواهر السلبية أيضا، هي ظاهرة سفر الطلبة إلى خارج البلاد للدراسة، من أجل الحصول على شهادات عليا، وغالبا في جامعات غير رصينة لا تتمتع بمعايير الكفاءة، ثم يعودون إلى بلادهم مدرّسين في الجامعات، ما ينعكس بالتالي على طلبتهم ويُضعف من المستوى التعليمي في قطاع التعليم العالي.
ورغم التصريحات الرسمية والوعود من قبل الحكومات المتعاقبة بتحسين العملية التربوية والتعليمية، لا تزال المدارس الأهلية تتزايد لتلتهم المدارس الحكومية امام أنظار المسؤولين، الذين على ما يبدو يملك الكثيرون منهم الحصة الاكبر في التعليم الاهلي!
هذا هو نتاج نهج المحاصصة والفساد الذي ينخر بنية الدولة والمجتمع، والذي لا حل له إلا بالاستئصال التام!
***********************************************
ذي قار 100 ألف نسمة مهددون بالهلاك
إثر الجفاف!
متابعة – طريق الشعب
يواجه أكثر من 100 الف نسمة من المواطنين في قضاءي الإصلاح وسيد دخيل شرقي ذي قار، أزمة جفاف خطيرة تهددهم بالهلاك أو النزوح مع ثروتهم الحيوانية، وذلك بعد تراجع مناسيب مياه الري والشرب إلى مستويات متدنية غير مسبوقة.
في حديث صحفي، يقول عضو مجلس محافظة ذي قار عبد الباقي كاظم، أن "الوضع مأساوي في قضاء الإصلاح. فالمنطقة عبارة عن سهل رسوبي، وأن حفر الآبار فيها غير مجد، لكون المياه المستخرجة مالحة ولا تصلح للاستهلاك. أما ماء الشرب، فهو مقطوع منذ أيام، والأهالي يستنجدون كمن يوشك على الموت"!
وفيما يشدد على أهمية إغاثة المنطقة بخزانات ماء متنقلة، يُطالب الحكومة الاتحادية ووزارة الموارد المائية بمد أنبوب ماء خام من ناظم البدعة إلى مجمع ماء الإصلاح الكبير.
وينتقد كاظم، محافظ ذي قار مرتضى الإبراهيمي، لعدم تواجده في وقت الأزمة في قضاءي الإصلاح وسيد دخيل أو استخدام صلاحياته لتخفيفها، مبيناً أن "حجم الكارثة يطال 100 ألف نسمة، وقد بات وضعهم خطرا جداً، والوضع النفسي للعائلات سيئا للغاية".
من جانبه، يقول قائم مقام قضاء الإصلاح حيدر جمال، أن "القضاء يعاني الشح المائي منذ فترة طويلة"، مبينا في حديث صحفي أن "مجمع ماء الإصلاح يغذي خمس وحدات إدارية، في حين أن الماء الواصل للمجمع غير كاف".
ويناشد جمال رئيس الوزراء تأمين الحصة المائية الكافية للمجمع "فهو الشريان الحيوي للإصلاح وسيد دخيل. لذلك مطلوب معالجة الأمور بسرعة ممكنة. فالوضع كارثي".
إلى ذلك، يؤكد مواطنون أن القضائين المذكورين أصبحا من المناطق المنكوبة، بسبب أزمة المياه، منتقدين عجز الحكومة المحلية عن إيجاد حلول جذرية للمشكلة.
ويشيرون إلى أن مناطقهم، إضافة إلى معاناتها مع أزمة المياه، تُعاني ضعف الخدمات بشكل عام.
***********************************
سنجار بطء إجراءات فتح مقابر الايزيديين الجماعية
سنجار – داود سليمان
يواصل الفريق الوطني المكوّن من دائرة الطب العدلي ودائرة شؤون وحماية المقابر الجماعية، عمله في قضاء سنجار، في سياق جهود توثيق جرائم الإبادة التي ارتُكِبت بحق المكوّن الإيزيدي.
وبعد أن واصل، على مدى أربعة أيام، التنقيب في مقبرة مجمع الجزيرة، أعلن الفريق استكمال عمليات الحفر ورفع الرفات، ليحول الضحايا إلى دائرة الطب العدلي. حيث تُجرى لهم الفحوصات الجنائية. ثم توجه الفريق للتنقيب في مقبرة تل يوسفكان الجماعية، وبعدها باشر العمل في مقبرة حي ويران شار، كجزء من خطة أوسع لتحديد مواقع دفن المفقودين.
لكنّ الكثيرين من أهالي سنجار مستاؤون من بطء فتح المقابر الجماعية وانتشال الجثث، مؤكدين أن هناك - وفق إحصائيات رسمية - نحو 2558 ايزيديا، لا يزال مصيرهم مجهولاً.
وتشير مصادر إلى ان عدد المقابر الجماعية المعلومة في سنجار يصل إلى 94 مقبرة, لكن عمليات التنقيب لم تُستكمل ولم تُفتح جميع المواقع حتى الآن.
أهالي المفقودين يشيرون إلى أن تأخير إجراء فحوصات الحمض النووي (DNA) لتحديد هوية الرفات التي تُستخرج، يُضاعف من معاناتهم، لأنهم يقضون سنوات في الانتظار.
****************************************
مواطنون في الحرية: حفروا زقاقنا منذ 7 شهور وتركوه!
متابعة – طريق الشعب
شكا عدد من سكان الزقاق 35 - المحلة 430 في مدينة الحرية ببغداد، من تلكؤ أعمال تعمير زقاقهم، مبينين أنه قبل 7 شهور قامت الجهة المنفذة لمشروع التعمير، بحفر الزقاق، وتركته منذ ذلك الحين دون إنجاز.
وأوضحوا أن هذا الأمر أحدث أزمة إنسانية في زقاقهم. حيث طفحت المجاري وشُلت حركتهم، وتضررت سياراتهم، مطالبين أمانة بغداد والجهات المعنية الأخرى بالإسراع في إتمام المشروع، لا سيما أن موسم الأمطار حلَّ، ما يزيد الأزمة تعقيدا.
****************************************
مواساة
• ببالغ الحزن تنعى اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في الرصافة الثانية، الرفيق كاظم مشخول فهد الشويلي (أبو عمار)، الشخصية الاجتماعية والوطنية، والمناضل الذي كرّس شبابه وكل سنوات عمره لقضايا الوطن والناس، وظل وفيّاً لحزبه ومبادئه حتى آخر أيام حياته.
لم يمهل المرض الفقيد طويلا، ففارق الحياة بعد مسيرة نضالية حافلة، مخلفا ذكرى عطرة في قلوب من عرفوه.
للفقيد الذكر الطيب، ولأهله ورفاقه أحر مشاعر المواساة وخالص التعازي.
************************************************
الصفحة السادسة
مجرد التضامن والفعاليات الاعتيادية لم يعد يجدي نفعا 7 منظمات دولية تطالب بتنفيذ مذكرات الاعتقال بحق قادة إسرائيل
رام الله – وكالات
طالبت 7 منظمات دولية بإسراع إنفاذ مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق قادة الاحتلال الإسرائيلي لمسؤوليتهم عن ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة.
التجويع وسيلة حرب!
وأكدت المنظمات، في بيان بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، الذي يوافق 29 تشرين الثاني من كل عام، على مساندة التدابير التي أعلنتها محكمة العدل الدولية بموجب الدعوى المرفوعة أمامها ضد إسرائيل.
وطالبت بـ "الإسراع في إنفاذ مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق قادة الاحتلال لمسؤوليتهم عن ارتكاب جريمة الحرب المتمثلة في التجويع كوسيلة حرب، إضافة إلى جرائم ضد الإنسانية منها القتل العمد والاضطهاد وأفعال لا إنسانية أخرى".
وشددت المنظمات على أنه "لا يمكن تحقيق سلام دائم دون إنهائه بشكل كامل، وتقديم قادته إلى العدالة".
هدنة هشة
وفي تشرين الثاني 2024، أصدرت المحكمة في لاهاي مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في غزة.
وقالت المنظمات إن هذا اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني يأتي في ظل هدنة هشة لم تُنه بعد الكارثة الإنسانية التي يواجهها أكثر من مليوني إنسان في قطاع غزة.
وأوضحت أن سكان غزة لا يزالون محرومين من أبسط مقومات الحياة من الغذاء، والماء، والرعاية الصحية، والكهرباء، والمأوى، في وقت يعيش فيه مئات الآلاف في العراء وبين الركام بعد أن سوّيت أحياء كاملة بالأرض نتيجة القصف الإسرائيلي المكثف.
ومنذ 10 تشرين الأول الماضي، دخل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ بعد توقيعه بين حركة حماس وإسرائيل، ضمن خطة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بشأن وقف الحرب في غزة.
وخلّفت حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة منذ 7 تشرين الأول 2023 أكثر من 70 ألف شهيد ونحو 171 ألف جريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا مع كلفة إعادة إعمار قدرتها الأمم المتحدة بنحو 70 مليار دولار.
نداء عالمي
وقالت المنظمات الدولية إن "مجرد التضامن والفعاليات الاعتيادية لم تعد تجدي نفعًا في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي وسياساته القمعية، كون الاحتلال هو السبب الجذري لمعاناة الشعب الفلسطيني".
وأفادت بأن اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني "ليس مجرد مناسبة رمزية، بل هو نداء عالمي لتجديد الالتزام الأخلاقي والقانوني تجاه شعب يواجه أسوأ أشكال الاحتلال والقتل والحصار منذ عقود".
وشددت منظمات حقوق الإنسان على أن "التضامن الحقيقي يبدأ بإدانة الانتهاكات، والعمل الجاد على إنهاء الإفلات من العقاب، ودعم حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم كاملة السيادة وإنهاء الاحتلال والعيش بكرامة وأمان على أرضهم".
وأكدت أن ما تشهده الأراضي الفلسطينية، وبالأخص قطاع غزة منذ تشرين الأول 2023، يمثل "إبادة جماعية مكتملة الأركان وفق التعريف الوارد في اتفاقية منع جريمة الإبادة لعام 1948، ويستوجب تحركا دوليا عاجلا وملزما".
دولة على كامل التراب
ودعت إلى "ضرورة قيام حكومات العالم والهيئات الدولية بدورها في الضغط على سلطات الاحتلال الإسرائيلي لاحترام القانون الدولي الإنساني، ووقف استهداف المدنيين، والسماح الفوري وغير المشروط بإدخال المساعدات الإنسانية وفرق الإنقاذ إلى قطاع غزة دون قيد أو شرط".
كما دعت المنظمات الدولية أيضا إلى "دعم الجهود الأممية لتنظيم فعاليات التضامن، بما فيها المعرض السنوي لحقوق الفلسطينيين، وإبراز الجرائم المرتكبة بحقهم، وتشجيع الدول على توفير أوسع تغطية إعلامية لهذه المناسبة".
وجددت التأكيد على "حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة على كامل التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس، باعتباره حقا غير قابل للتصرف ولا يسقط بالتقادم".
***************************************
البابا من لبنان: المصالحة ضرورة ومصلحة الوطن فوق الطوائف
بيروت – وكالات
واصل البابا لاوون الرابع عشر، الاثنين، زيارته إلى لبنان، حاملا رسالة وحدة بين أبناء البلد بمختلف طوائفهم، ودعوة إلى الأمل.
ووصل الحبر الأعظم إلى بيروت عصر الأحد قادما من إسطنبول، في أول زيارة خارجية له منذ انتخابه في حزيران الماضي، مؤكدا رغبته في أن يكون "رسول سلام" يعمل على ترسيخ الاستقرار في منطقة أنهكتها الحروب والانقسامات.
وخلال اليوم الأول من زيارته، حض البابا المسؤولين اللبنانيين على العمل من أجل الخير العام، بعيدا عن الحسابات الطائفية، داعيا إلى مصالحة شاملة تقودها مؤسسات "تعترف بأن مصلحة الوطن تعلو على مصالح الأطراف".
وفي اليوم الثاني من زيارته، زار البابا ضريح القديس شربل في بلدة عنايا، شمال بيروت، وهو أول رئيس للكنيسة الكاثوليكية يزور هذا الموقع الذي يشكل وجهة حج لمسيحيين ومسلمين على حد سواء.
كما التقى عددا من رجال الدين في مزار سيدة لبنان في حاريصا، قبل أن يشارك في لقاء مسكوني وحواري بين الأديان في ساحة الشهداء وسط بيروت، حيث جدد دعوته إلى احترام التنوع والانفتاح بين الطوائف.
وفي المساء، توجه البابا إلى بكركي، حيث التقى أكثر من عشرة آلاف شاب وشابة في لقاء جماهيري حاشد، شدد فيه على أهمية الأمل والتمسك بالوطن، في وقت تتزايد فيه الهجرة وتخبو ثقة الشباب بمستقبلهم في بلدهم.
****************************************
الكشف عن جرائم حرب ارتكبها الجيش البريطاني بأفغانستان
لندن – وكالات
قال ضابط بريطاني كبير سابق للجنة تحقيق عامة إن القوات الخاصة البريطانية في أفغانستان ارتكبت على ما يبدو جرائم حرب عبر إعدام مشتبه بهم، وأنه على الرغم من أن سلسلة القيادة كانت تعلم ذلك جيداً لم يتم اتخاذ أي إجراء.
وأمرت وزارة الدفاع البريطانية بإجراء التحقيق بعد أن كشف فيلم وثائقي لهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) أن جنوداً من وحدة القوات الجوية الخاصة قتلوا 54 شخصاً خلال الحرب في أفغانستان قبل أكثر من عقد في ظروف غامضة.
ويتناول التحقيق عدداً من الغارات الليلية التي نفذتها القوات البريطانية، بين منتصف عام 2010 ومنتصف عام 2013، عندما كانت جزءاً من تحالف تقوده الولايات المتحدة لمحاربة حركة طالبان ومسلحين آخرين في أفغانستان.
ويهدف التحقيق إلى التأكد من وجود معلومات موثوقة عن عمليات قتل خارج نطاق القضاء، وما إذا كانت التحقيقات التي أجرتها الشرطة العسكرية بعد سنوات من ظهور هذه المخاوف قد أُجريت بشكل سليم، وما إذا كان قد تم التستر على عمليات القتل غير القانونية.
واستمعت لجنة التحقيق في وقت سابق إلى مخاوف من جنود بريطانيين كانوا في أفغانستان بشأن وحدة فرعية من القوات الخاصة تُعرف باسم "يو.كيه.إس.إف.وان" ، حيث ذكر أحدهم أنها كانت تقتل ذكوراً في سن القتال أثناء العمليات بغض النظر عن التهديد الذي تُشكله.
*****************************************
مادورو يتهم الولايات المتحدة بالسعي للسيطرة على نفط فنزويلا
كاراكاس – وكالات
اتهم رئيس فنزويلا، نيكولاس مادورو، الولايات المتحدة بالسعي للسيطرة على احتياطيات النفط في بلاده عبر زيادة وجودها العسكري في منطقة البحر الكاريبي.
بالمقابل أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه أجرى مكالمة هاتفية مع مادورو لكنه لم يذكر تفاصيل ما ناقشاه، ويأتي ذلك بعد زيادة حدة التوتر عقب نشر ترامب، منشوراً على مواقع السوشيال ميديا أعلن فيه أنّ المجال الجوي فوق فنزويلا وحولها سيُغلَق بشكل كامل.
وقال مادورو في رسالة إلى منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، إن واشنطن تريد "الاستيلاء على احتياطيات فنزويلا النفطية الهائلة، وهي الأكبر على الكوكب، من خلال القوة العسكرية الفتاكة".
واعتبر مادورو هذا التهديد يعرض "السلام والأمن والاستقرار الإقليمي والدولي للخطر"، ويشكل مخاطر على الإنتاج الفنزويلي وسوق النفط الدولي.
وحشدت الولايات المتحدة قوات إضافية في منطقة البحر الكاريبي كما أعادت نشر أكبر حاملة طائرات في العالم "يو إس إس جيرالد آر فورد" من البحر المتوسط إلى المنطقة، برفقة سفن حربية أخرى وقاذفة قنابل بعيدة المدى. ووفقاً للحكومة الأمريكية يهدف هذا الحراك العسكري إلى مكافحة مهربي المخدرات.
*********************************************
الفاشية الرقمية الجديدة تُعيد تشكيل المشهد السياسي في أمريكا اللاتينية
إعداد: رشيد غويلب
لقد سلّطت الاحتجاجات الواسعة ضد سياسات الرئيس الارجنتيني الفاشي خافيير ميلي الضوء مجددًا على ظاهرة تسود أمريكا اللاتينية بأسرها: صعود مشاريع فاشية جديدة تعمل وفق استراتيجيات منسقة عابرة للحدود الوطنية. وهي ليس تكرارا لآليات الفاشية الإيطالية والنازية الالمانية في بداية القرن العشرين، بل شبكات تُكيّف أساليب الدعاية القديمة مع نظام رقمي واقتصادي وقانوني يُقوّض الديمقراطيات المعاصرة.
لقد كانت الفاشيات الكلاسيكية توظف مخاوف الناس، وخلَّقت أعداءً داخليين، وصاغت وحدة المجتمع المفترضة بواسطة الدعاية. واليوم، تعود هذه الأساليب للظهور في ساحة مختلفة: على المنصات الرقمية، وفي الخوارزميات، وفي شركات الاستشارات التي تُحوّل الغضب إلى رأس مال سياسي. فبدلاً من التظاهرات الحاشدة في الساحات العامة، ينتشر فيض المعلومات على شبكات التواصل الاجتماعي من خلال المحتوى المُصغّر، والروبوتات، وأساليب التسويق التي تُعيد إنتاج منطق وزير الدعاية النازي غوبلز في شكل افتراضي مُجزّأ ومُوجه.
وتحمل شبكات المنظمات التي تقود هذه العملية أسماء معروفة: الاتحاد الدولي للديمقراطية، ومقره أوروبا وله فروع في أكثر من ستين دولة، ينسق بين الأحزاب والشخصيات السياسية. في أمريكا اللاتينية، ورابطة أحزاب أمريكا اللاتينية، التي تترجم الأجندات العالمية إلى حملات محلية. وتقف وراء هذه المنظمات شبكة أطلس، التي تأسست في الولايات المتحدة، وتضم أكثر من 500 مركز بحوث، تُقدم الموارد والتدريب والتمويل. تعتمد هذه الشبكات على تمويل الشركات، وأثرياء ذوي الدوافع الأيديولوجية، ومنتديات مثل مؤتمر العمل السياسي المحافظ، الذي ينشر أساليب حرب الثقافة واستراتيجيات زعزعة الاستقرار في عموم القارة.
يمكن ملاحظة هذه الشبكة في الأرجنتين، حيث تعمل مؤسسة الحرية، كمركز محلي لشبكة أطلس، وقد أقامت علاقات وثيقة مع رؤساء سابقين، وسياسيين يمينيين إقليميين، ومسؤولين حكوميين حاليين. ويجمع نفوذها بين اقتصاد السوق، والقيم الدينية المحافظة، وشبكات إعلامية تنشر رسائل تبسيطية تحت شعارات "الحرية" و"مكافحة الطبقية"، وهي ليست حالة معزولة: ففي البرازيل، يُكرر أنصار الرئيس السابق الفاشي السجين جايير بولسونارو أساليب الفيضان الرقمي التي شرعنت محاولة الانقلاب في كانون الثاني 2023، بعد خسارته الانتخابات الرئاسية أمام الرئيس اليساري الحالي "لولا". وفي تشيلي، يجد مرشحو اليمين المتطرف دعمًا في إجراءات المحاكم وحملات التواصل. وفي الإكوادور وبوليفيا، تُظهر إجراءات العزل والاضطهاد السياسي مزيجًا من الحرب القانونية والعنف العلني.
يتكرر في هذه التجارب السياق نفسه: عبادة الفرد، عدو مُعلن، حركة حزبية مرنة، عسكرة النظام العام، ورقابة على المعلومات. في القرن العشرين، كانت حركة "القمصان السود" في إيطاليا أو تظاهرات نورنببرغ في المانيا؛ واليوم، المؤثرون، وشبكات الروبوتات، والخوارزميات هي التي تخلق وهم الإجماع. والمدخل في كلا الحالتين واحد: تحويل مظالم حقيقية (انعدام الأمن، والهشاشة، وعدم المساواة) إلى شرعية سياسية لتنفيذ مشاريع استبدادية.
تؤثر شبكات الفاشية الجديدة على النسيج الاجتماعي، مما يؤدي إلى تشرذم مفرط وانعدام ثقة وعزلة رقمية. يُقوّض فائض المعلومات القدرة على التمييز بين الحقيقة والزيف، ويُضعف الروابط الجماعية التي تُشكّل أساس الحياة الديمقراطية. بالإضافة إلى ذلك، أن احتواء المنصات والشركات العالمية للدولة القومية، يحرم المواطنين من المشاركة في عملية صنع القرار. وما يُصوّر على أنه "مزيد من الحرية" هو في الواقع إفراغ المؤسسات الديمقراطية من محتواها لصالح نخب الأرستقراطية المالية والتكنولوجية الجديدة.
تواجه أمريكا اللاتينية تحديًا أكبر من مجرد مقاومة إجراءات التقشف الاقتصادي، حيث تدور في المنطقة حرب متعددة الأبعاد. في هذه الحرب، تتقارب وسائل الإعلام التقليدية والمنصات الرقمية والمسؤولون القضائيون والجهات الفاعلة شبه الحكومية لتنسيق عمليات تهدف إلى نزع الشرعية عن الحكومات وتحييد القادة الشعبيين. ويُظهر العنف السياسي في الأرجنتين، والإجراءات القانونية ضد شخصيات بارزة في البرازيل والإكوادور، واستبعاد المرشحين من الانتخابات في دول مختلفة، وهذه حالات ليست معزولة، بل هي حملة ممنهجة.
سيعتمد مستقبل المنطقة على نجاحها في مواجهة هذه الشبكات وبناء بدائل سياسية واجتماعية، وقبل هذا وذاك اقتصادية، تعيد تمثيل الطبقات الدنيا إلى مركز الصدارة. ان إجراء الانتخابات لم يعد كافيًا. ويشمل الصراع على السلطة الآن المجال العام، والصراع عل سلطة الحق الحصري في التفسير ضد آلة تُحوّل التضليل الإعلامي إلى سلطة سياسية. ويكمن التحدي في تحويل ديمقراطيات أمريكا اللاتينية إلى ديمقراطية تشاركية وليست تمثيلية فقط، قبل أن تترسخ ظلال الماضي في أشكال استبدادية جديدة.
*********************************************
الصفحة السابعة
في سبيل استنهاض الحزب واستعادة دوره الريادي
رشيد غويلب
في البداية لابد من تحية الرفيقات والرفاق الذين ساهموا بجدية في حملة الحزب الانتخابية التي جاءت مختلفة في بعض المحافظات في شكلها، وفي بعض مفرداتها، ولكنها مع الاسف لم تختلف عن سابقتها من حيث النتائج، لان مشاركة الحزب في السباق الانتخابي لم تكن مصحوبة بدراسة عميقة لجدواها، ولم تستند على معطيات ملموسة، وبالتالي لم تحقق أيا من اهدافها.
لقد جاء حصاد الحزب في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 11 تشرين الثاني 2025، لتؤكد حصيلته في انتخابات مجالس المحافظات التي جرت 18 كانون الاول 2023. واكدت هذه النتائج فشل المعالجات التي تمخضت عن الجهد الذي بذل لتجاوز تداعيات الهزيمة الاولى، وكشفت عن شكليتها وعن الضرر الذي سببه قرار الاشتراك في الانتخابات البرلمانية بالاستناد الى عدد من الموضوعات والحجج السياسية، التي اثبت الواقع الملموس انها بعيدة عن الواقع السائد في البلاد وعن امكانيات الحزب الحقيقية. وفي اعتقادي ان ما حدث هو نتيجة طبيعية للابتعاد عن التعامل الجدي مع الازمة المركبة التي يعيشها الحزب: فكريا وسياسيا وتنظيميا.
كنت قد دعوت الى عدم المشاركة في الانتخابات الاخيرة، وشاركني كما اعتقد العديد من الرفيقات والرفاق، ولم يكن هذا الموقف مبني على تطرف يدعو الى مقاطعة دائمة، وانما لقناعتي، ان على الحزب ان يركز الجهود على اعادة بنائه ومراجعة ادائه بشكل تفصيلي خلال الـ 22 عاما ، منذ احتلال العراق واسقاط الدكتاتورية، وعدم خوض معركة انتخابية خاسرة، عمقت من الصعوبات التي تحيط بالحزب، وكلفت الحزب جهودا واموال، وقرابة عام من زمن ضائع، كان حري بنا ان نكرسه لطرح ومناقشة البدائل التي يحتاجها الحزب، في العودة الى ممارسة دوره كنقيض نوعي لنظام الخراب السائد في العراق.
لم اتناول كما في مرات سابقة الظروف الموضوعية الكابحة لنشاط الحزب والقوى الديمقراطية الحقيقة، لأنها اصبحت معروفة بتفاصيلها المملة، ليس للقوى السياسية والمتابعين، ولكن حتى للمواطنين البعيدين عن الاهتمام الجدي في الصراع الدائر في البلاد. وكذلك لان تغيير التوازن في هذه الظروف ليس امر ارادويا يقره هذا الحزب او ذاك، واخير لان الحديث عن حقيقة قسوة ضغط هذه الظروف تحول الى شماعة ومصد لتسليط الضوء على السياسات والاجتهادات الخاطئة طيلة هذه السنوات.
وكذلك سوف لن اخوض في الجوانب الفنية والتكتيكات التي رافقت ادائنا الانتخابية، وقادت، بقدر ارتباط الامر بها الى هزيمتنا الانتخابية، لان ما حدث هو نتيجة لازمة اكبر نعيشها، وبالتالي ما الذي كان سيتغير لو حصلنا على مقعد نيابي او اثنين، كما في مرات سابقة. والسبب الآخر هو الكم الهائل، في اقل من مرور اسبوعين على اعلان النتائج ، من المساهمات التي تناولتها، وكأن المشكلة فنية وبالتالي علينا معالجتنا. ان توجها كهذا سيعيق التناول العميق والموضوعي لما وصلنا اليه..
السياسة موقف .. رؤية ماركسية
قبل التناول العملي الملموس لمنطلقات تجاوز الازمة وددت تقديم تصور متواضع للسياسة كموقف معتمد على رؤية ماركسية، ومنطلقا من ان الطابع والمضمون الصحيحين للسياسة يشكل العمود الفقري لعملية المراجعة والتجديد المرجوة
تفقد السياسة مصداقيتها، عندما لا تعتبرها أوساط واسعة من الأكثرية المتضررة، قوةً مؤثرةً في تشكيل الراهن والمستقبل. وتفقد جوهرها ايضا عندما تتماهى مع السائد وتحاول المشاركة ادارته، فيصبح خطابها شكليا تبسيطيا مجردا وميكانيكا، وسرديتها بلا روح. ولهذا لا تفقد ثقة من يفترض انها تمثل مصالحهم ، ، بل ما هو أكثر جوهرية: التحديد الملموسٌ للهدف. وعليه ينبغي أن تكون سياسة الحزب الماركسي ، مكانًا يجد فيه الناس اهتماماتهم، ومساحةً للأسئلة التي تتجاوز السياسة اليومية: كيف نريد أن نعيش؟ كيف نريد أن نعمل؟ كيف يمكن أن يبدو نظامٌ، الذي يجسد مصالح لأغلبية؟ اليوم، خفتت هذه الأصوات. وطغى الانشغال بالذات، وردود الفعل المتسرعة، وتبني تكتيكات غير محسوبة على حساب الاستراتيجية الناصعة، والحسابات الضيقة، بدلا من مواقف اليسار، التي ترسم ملامح هويته الاصيلة.
ومن يريد استعادة مكانته السياسية يحتاج إلى موقف يكون اساسا لوضع الاستراتيجيات. والموقف لا يعني عاطفة أخلاقية، بل هو التماسك الداخلي الذي يكتسب منه العمل السياسي مصداقيته. إنها الرسالة الأساسية التي تتجلى في اللغة والقرارات والحياة اليومية. ان الناس يدركون بسرعة ما إذا كان حزب ما يقول شيئًا لأنه يبدو مناسبًا في تلك اللحظة، أو لأنه مقتنع به اقتناعًا حقيقيًا. ومعروف ان السياسة دون قناعة تصبح سطحية وتفقد صداها. والسياسة القائمة على القناعة تخلق معنى. ولهذا لا تفوز الأحزاب بالبرامج وحدها، بل بتوفير موطئ قدم أخلاقي. لقد رسخ اليسار منذ زمن طويل قيم التضامن، والعدالة، والكرامة الإنسانية. هذه القيم ليست بالية ؛ بل على العكس، فهي تتوافق مع مصالح أغلبية الناخبين اليساريين المحتملين. لكن المحتوى لن يصل إلى الناس إذا أصبحت المواقف الأساسية غير واضحة.
ولا تتجسد المواقف بالبرامج، بل بالممارسة. قد تحدد الوثيقة البرامجية توجهات ، لكنها لا تُولّد المصداقية. لا يكتسب الحزب مصداقيته إلا عندما يُطبّق ممثلوه ما يُمثّلونه بوضوح. ولهذا تأثير على جميع المستويات: في اللغة التي يختارها؛ في الصراعات التي يخوضها أو يتجنبها؛ وفي كيفية تعامله مع الآخرين. الموقف هو تطابق الأقوال والأفعال. وهذا ما ميز التجارب الناجحة الاخيرة للحزب الشيوعي النمساوي وحزب العمل البلجيكي واخيرا حزب اليسار الالماني.
ان تلمس الموقف يبدأ في محل السكن وموقع العمل، حيث يلتقي المواطنون بالحزب، هناك يتعرف المواطنون على طبيعة الحزب، باعتباره كيان مجرد، او قوة للتغيير الاجتماعي، ولهذا فموقف الحزب لا يتلمسه المواطنون خلال الحملة الانتخابية، بل في حضور الحزب في الحياة اليومية، وفي الحوارات في الاحياء السكنية، وفي تقديم العون الملموس، واثناء المشاركة في الفعل الاجتماعي في الاضرابات وفي ساحات الاحتجاج، وفي العلاقة المستمرة والوثيقة بالمواطنين. ومعروف ان الاحزاب خلال الحملة الانتخابية تحصد حصيلة نشاطها خلال الفترة بين انتخابين، وليس العكس، عندما يغيب الحزب او يكون حضوره خلال هذه السنوات ضعيفا، لا يمكنه التعويض خلال اسابيع الحملة الانتخابية المحدودة، ولذا فان فكرة ان الحملة الانتخابية فرصة للوصول الى اوساط واسعة ملموسة دحضتها النتائج، على الاقل، في الانتخابات الاخيرة وسابقتها، والذي حدث هو العكس تماما.
والموقف ليس شعارا او استراتيجية انتخابية، وهنا يتجسد الفرق الحاسم بين الموقف والتسويق السياسي، لان الموقف ثقافة سياسية تراكمية يتعامل معها المواطن. وفي اوقات تتساءل فيها الأكثرية المتضررة عن جدوى استمرار النظام السائد، يجب ان يخلق الحزب شعورا لدى ناشطيه ومناصريه، واوسع الاوساط، انهم ليس بمفردهم، وان الموقف منهم والتضامن معهم، هو بنية للثقة أكثر منه موقف اخلاقي.
لذا، فإن اتخاذ موقف يعني قبل كل شيء أمرًا واحدًا: تحقيق استجابة. وان السياسة أكثر من مجرد حل المشكلات، إنها فن إشراك الناس، واستعادة كرامتهم، وإيقاظ الأمل بإمكانية التغيير. ان يسارا لا يحصر موقفه بالمطالبة فقط، بل يعيش على أرض الواقع، لا يضطر إلى التعويل على تحقيق مكاسب سريعة. إنه يكتسب ما هو أهم: الأهمية، باعتبارها منطلقا لبناء الثقة، والثقة بداية الحركة، والحركة بداية التغيير الحقيقي.
منطلقات مهمة
لنبدأ من الاعتراف، ليس اللفظي فقط، وانما الجريء بهزائمنا الانتخابية المتتالية، باعتبارها، ضمن اسباب اخرى، نتيجة لسياسة واداء لم يحققا الحد الادنى المرجو . ومن ثم ترك جانبا حزمة من التبريرات التي لم تصمد امام الواقع الملموس والتي رافقت ادائنا منذ المساهمة في المشروع السياسي ، الذي وضعت سلطة الاحتلال خطوطه الرئيسية. ان دخول هذه الحلقة المفرغة والمبنية على اساس اولويات المحتل والقوى السائرة في فلكه، ابعدت الحزب عن مشروعه التاريخي المنسجم مع طبيعته والمحطات الرئيسية في تاريخه المجيد. لقد فرضت المشاركة في مجلس الحكم وحكومات المحاصصة التي تلته على الحزب، سياسة وخطابا سياسيا، أدى إلى تحجيم تدريجي لدور الحزب، وابتعاد الأكثرية عنه. إن إقرار مؤتمرات الحزب لهذه السياسة وعدم مراجعتها، شكل الأساس لعدم قدرة الحزب على تعبئة الأوساط الساعية للتغيير، بعد ان كان الحزب في لحظة الخلاص الأولى من الدكتاتورية بديلاً لآلاف من العراقيين التي كانت تعج بهم مقرات الحزب وفعالياته الجماهيرية ، وصولا الى خسارة الحزب 80 في المائة، على الاقل، من قوته التصويتية في الانتخابات الاخيرة والتي سبقتها.
وهناك ضرورة ايضا للتخلي عن حزمة التبريرات الشكلية والتبسيطية التي وظفت لتبرير المشاركة في الانتخابات وخلال الحملة الانتخابية، والتي اصبح ثابتا وبملموسية انها بعيدة عن الواقع، واحلام مرجوة لم تتحقق.
ولذا لم تعد المطالبة بمراجعة سياسة الحزب المعتمدة منذ الغزو واسقاط الدكتاتورية ضرورية ، بل مسألة خيار بين السير الى التهميش، او العودة بالحزب الى مساره الصحيح. اما محاولة عبور هذه المحطة ثم العودة لما سبقها فهي خطيئة ترتكب بحق الحزب وكل المرتبطين بمشروعه وتجربته التاريخية. ولهذا من الضروري جدا ان تكون المراجعة خارج اطار النمطية التي مورست طيلة 22 عاما مضت.
والحقيقة الاخرى هي ان الحزب ومعه جميع القوى التقدمية والديمقراطية، لم تستوعب حجم الخراب الاجتماعي المعاش، وما نتج عنه من تدمير للوعي، لا يمكن علاجه بذهنية وآليات وادوات تعود الى سبعينيات القرن العشرين. بالإضافة الى شيوع البيروقراطية، والوهم الليبرالي، والنفعية التي ادت عمليا الى فهم السياسة وفق معايير معينة، وليس وفق ضرورات الواقع الملموس.
ان الازمة الحالية تفوق امكانيات اية هيئة قيادية والرفيقات والرفاق المحيطين بها، وفي حالنا اليوم فان المهمة اكثر صعوبة. وعليه ان أي خيار غير ارجاع حل الازمة لمجموع الحزب، وكل من يعز عليه مشروعه التاريخي وتضحياته الجسيمة، سيؤدي الى تعميق الازمة، والى هزائم جديدة..
لقد توازى التراجع الجماهيري للحزب مع تراجع تنظيمي، لم يعد سرا، ولكن لا تتسع هذه المساهمة للخوض في تفاصيل ملموسة، معروفة لكل المعنيين بشؤون الحزب، لكي لا يستخدم ذلك في الحملة التي يشنها وسط محدود للتشهير بالحزب. بعيدا عن المساهمات الرصينة والحريصة التي نشرت في الايام الاخيرة من رفيقات ورفاق، داخل اطر الحزب التنظيمية وخارجها، بالإضافة الى مساهمات العديد من الكفاءات الوطنية الحريصة على مستقبل العراق والحزب والتي ترى في استمرار وتعزيز دور الحزب ضرورة آنية ومستقبلية لبناء عراق الغد.
الحزب والعلاقة بين الاجيال
لسنا الحزب الوحيد الذي تناقش مسالة العلاقة بين الاجيال داخله، ويكتسب هذا النقاش لدينا اهمية استثنائية، لأننا لا نعيش ونعمل في بلد مستقر، بالإضافة الى سنوات القمع والعمل السري التي فُرضت على حزبنا. منذ المؤتمر الوطني التاسع اصبحت عملية اشراك الشبيبة في قوام قيادة الحزب وهيئات الحزب الاخرى مطروحة على طاولة البحث والممارسة. ولقد شهد المؤتمر الوطني الحادي عشر انتخاب عدد لافت من الرفيقات والرفاق الشباب كأعضاء في اللجنة المركزية. وارى ان هذه الظاهرة الصحية بحاجة الى دراسة معمقة، لكي تحقق الهدف منها. وهنا تمثل العودة الى تجربة الحزب الغنية في اعداد الكادر خلال عقود سابقة معين من الضروري العودة اليه. والاكثر ضرورة ان تكون الكفاءة وحدها وافاق تطور الرفيقات والرفاق المعيار الرئيسي في عملية الاختيار. ومن جهة اخرى فان التجديد والذهنية المعاصرة لا تنحصر في سن دون غيره، وتشير تجربة احزاب شيوعية ويسارية حققت نجاحات على هذا الطريق، الى ضرورة الجمع بين الخبرة المتجدد والبعيدة عن الجمود الفكري، وحيوية وابداع الاجيال الشابة. لقد وجد بعض الرفاق الشباب انفسهم امام مهام لم يكونوا مستعدين لها، لان التغيير في التركيبة القيادية حدث دون الممهدات الضرورية لتلاقح اجيال المناضلين في قيادة الحزب الآن وفي المستقبل.
ما العمل؟
في البداية لابد من التأكيد على، ان اي احتواء لردود الفعل وعبور الزوبعة بشكل مسيطر عليه، سوف لن يؤدي إلى تقييم جاد يشكل أساسا لانطلاقة جديدة. واذ كانت المراجعة والتجديد المسيطر عليه قد نجح إلى حين بعد المؤتمر الخامس، لأن أزمة الحركة الشيوعية كانت عامة، ولا يمكن ان يتحملها حزب بمفرده، فأن الأمر هذه المرة مختلف جدا، لأن الملف قيد المناقشة، عراقي من الغلاف إلى الغلاف.
اعتقد أن اي تجزئة او فصل بين الفكر والسياسة والتنظيم، سيؤدي هو الآخر إلى أنصاف الحلول التي لا توجد تجربة، لا في تاريخ الحزب ولا غيره من الاحزاب السياسية تؤكد صحتها. ولهذا فمن الضروري ان تكون المراجعة عامة شاملة واسعة وعميقة، وان لا تدار بشكل تقليدي ولا تنحصر في قوام التنظيم الحالي، بل يصار إلى طاولات حوار واسعة لجميع الرفيقات الرفاق، بما في ذلك البعيدون عن التنظيم، والذين تبدي الغالبية منهم حرصا واضحا على مشروع الحزب واستنهاضه واستعادة دوره الريادي الذي عانى في العقدين الاخرين من تراجع جلي.
بعد ذلك يصار إلى طرح الخلاصات للمناقشة الواسعة القائمة على الشفافية والديمقراطية وسعة المشاركة وفتح وسائل إعلام الحزب لمناقشات حرة، تستثني الإساءة والتشويه للحزب وتاريخه ورفاقه. وتجري بروحية تضامن رفاقي يبتعد عن فكرة تحميل المسؤوليات والإدانات، لان الهدف النبيل المرجو هو اعادة بناء الحزب وليس الإدانة، او توظيف الحدث للنيل من الحزب..
حصيلة المناقشات التي يفترض ان تؤدي إلى سياسة جديدة، قائمة على تحليل علمي، وتغيير جوهري في النظام الداخلي يفضي لمشاركة واسعة وتعميق الديمقراطية في مركز الاهتمام، وتغادر الهرمية والبيروقراطية الموروثة، وتعيد توزيع الصلاحيات، وخصوصا تلك التي تتعلق بأسئلة جوهرية كالتحالفات والمشاركة بالانتخابات من عدمها، وإعداد البرامج الانتخابية واختيار المرشحين، والقضايا الوطنية الكبرى، إلى كونفرنسات او مؤتمرات انتخابية او استثنائية، لكي يكون القرار فيها لمجموع الحزب، وعندها تكون مسؤولية النجاح والفشل على عاتق الجميع، فضلا عن الحافز في عملية تنفيذ هذه القرارات، وكذلك تخرج الحزب من الجدل غير المنتج بشان ترحيل المسؤوليات في حال عدم تحقيق النجاح المرتجى، كما هو حاصل اليوم.
وأخيرا اعتقد ان الحدث يمثل مناسبة لا يجوز أضاعتها ثانية، فرب ضارة نافعة. لقد وصلنا إلى لحظة مفصلية، فأما المراجعة الواسعة والتجديد والبداية الجديدة، او الاستمرار بالأساليب والمعالجات القديمة، وفي الحالة الثانية ، فان التهميش ينتظرنا، اسوة بالعديد من الاحزاب السياسية شيوعية وغير شيوعية، التي مارست العناد، فأصبحت عمليا خارج ساحة الصراع وفقدت تأثيرها. وهذه الحقيقة عاشها العديد من قادة الحزب ورفاقه في منافينا الأوربية.
**************************************
قراءة في جذور الأزمة السياسية ماذا غاب الحزب الشيوعي العراقي عن التمثيل البرلماني؟
وليد الحيالي
لم تكن نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة مفاجِئة بقدر ما كانت كاشفة لحقيقة طالما تجاهلها الكثيرون: إن المشهد السياسي العراقي ما زال محكومًا بذات البُنى التقليدية التي صنعها الاحتلال، ورسّختها سنوات الفساد والصراع الطائفي، وأعادت إنتاجها القوى المتنفذة عبر أدوات الدولة ومواردها. وفي خضم هذا الواقع المعقّد، وجد الحزب الشيوعي العراقي نفسه، شأنه شأن التيار المدني عمومًا، عاجزًا عن ترجمة حضوره التاريخي ومواقفه الوطنية إلى تمثيل برلماني ملموس.
لم يكن الأمر نتاج حملة انتخابية ضعيفة، ولا نتيجة خيارات تنظيمية خاطئة، كما حاول بعض الكتّاب تصويره، بل هو انعكاس طبيعي لبنية سياسية لا تسمح لقوى التغيير بأن تتنفس، فضلًا عن أن تتقدم أو تنافس. ولذلك فإن السؤال الحقيقي ليس: لماذا خسر الحزب الشيوعي؟ بل: ما الذي يجعل الربح نفسه مستحيلاً في ظل معادلاتٍ مختلّة سلفًا؟
هذا المقال يحاول تحليل العوامل العميقة التي قادت إلى غياب الحزب الشيوعي العراقي عن التمثيل البرلماني، عبر قراءة أوسع من الأشخاص والحملات، وأعمق من نتائج صندوق الاقتراع.
أولًا: تحولات الوعي السياسي العراقي وتآكل الهوية الوطنية
لم يعد المجتمع العراقي اليوم هو ذاته مجتمع الأربعينيات والخمسينيات والسبعينيات، حين كان الوعي السياسي يتسم بالنضج والانتماء الوطني العابر للطوائف، وكانت الأحزاب الوطنية – وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي – تقود الجماهير نحو مطالب واضحة تستند إلى مشروع وطني تقدمي.
لكن سلسلة الأحداث التي ضربت البلاد منذ أواخر السبعينيات، وبالأخص سياسات نظام البعث في عهد صدام حسين، أحدثت شرخًا عميقًا في الوعي الجمعي:
• الحروب العبثية التي استنزفت قدرات المجتمع.
• الحصار الاقتصادي الذي دمّر الطبقة الوسطى، وهي الحاضنة الطبيعية للفكر المدني.
• تفكك النسيج الاجتماعي وارتفاع الحساسية الطائفية.
هذه التحولات أضعفت الثقافة الوطنية المدنية، وفسحت المجال أمام صعود الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية الجامعة.
ثانيًا: ما بعد 2003 – صعود الأحزاب الدينية وترييف الدولة
أفرزت مرحلة ما بعد 2003 واقعًا سياسيًا جديدًا مغايرًا تمامًا لما سبق. فقد تصدّرت السلطة أحزابٌ ذات خطاب ديني سلفي الطابع، عملت على:
1. نشر ثقافة تُضعف قيم المواطنة والعقلانية.
2. تعزيز العشائرية كأداة نفوذ سياسي.
3. شرعنة الفساد وحماية الفاسدين.
4. استغلال موارد الدولة لصالحها في الانتخابات.
هذه البيئة الطاردة لقوى الدولة المدنية جعلت من خوض الانتخابات أمام تيارٍ مدعوم بالمال والسلاح تحديًا شبه مستحيل.
ثالثًا: التدخلات الخارجية والميليشيات الولائية
لا يمكن تجاهل الدور الإقليمي، خصوصًا الإيراني، في توجيه العملية السياسية، وذلك عبر:
• دعم أحزاب محددة ماليًا وإعلاميًا.
• تسليح ميليشيات تمنحها قدرة على ترهيب الخصوم.
• التأثير في مسارات تشكيل الحكومات والهيمنة على القرار السياسي.
هذه العوامل تُقوّض أية إمكانية لانتخابات حرة فعلاً، وتضعف التيارات المدنية التي لا تمتلك مظلات مسلحة أو خارجية.
رابعًا: القانون الانتخابي – عراقيل أمام القوى الصغيرة
جاء القانون الانتخابي الحالي مصممًا لخدمة القوى المتنفذة، من خلال:
• تقسيم الدوائر بطريقة تُشتت أصوات المستقلين والمدنيين.
• غياب آليات واضحة لمنع التزوير أو شراء الأصوات.
• سلطة المال السياسي على إرادة الناخبين.
هذا القانون لا ينتج تمثيلًا حقيقيًا بقدر ما يعيد إنتاج القوى المسيطرة.
خامسًا: البيئة الاجتماعية
وظروف العمل السياسي المدني
يتحرك الحزب الشيوعي في وسط اجتماعي يواجه تحديات موضوعية ضخمة:
• تقلّص الطبقة الوسطى التي يتغذّى عليها الفكر المدني.
• سيطرة إعلام موجّه لا يسمح بانتشار الخطاب التقدمي.
• ثقافة الخوف والإحباط من التجارب الإصلاحية السابقة.
• ضغط المجتمع التقليدي على خيارات الشباب والنساء.
هذه العوامل تجعل تحويل الرصيد النضالي للحزب إلى أصوات انتخابية أمرًا معقدًا للغاية.
سادسًا: تحالف البديل – محاولة شجاعة في بيئة غير منصفة
خاض الحزب الشيوعي الانتخابات ضمن “تحالف البديل”، أملاً في كسر منظومة الفساد.
لكن الرهان اصطدم بواقع سياسي غير متكافئ:
1. بيئة انتخابية لا توفر تكافؤ الفرص.
2. ضعف الموارد مقارنة بالخصوم.
3. استقطابات طائفية ما تزال قادرة على حسم النتائج.
وبالتالي لم يكن غياب الحزب عن التمثيل البرلماني ناتجًا عن قصور داخلي فقط، بل عن بنية سياسية مختلّة تُقصي كل صوت إصلاحي.
الخلاصة إن عدم حصول الحزب الشيوعي العراقي على أي مقعد ليس حدثًا معزولًا، بل هو جزء من أزمة بنيوية يعيشها العراق منذ عقود.
أزمة وعي، وأزمة دولة، وأزمة بنية سياسية صُممت لضمان بقاء القوى المتنفذة وإقصاء كل مشروع وطني تقدمي.
ومع ذلك، يبقى الحزب الشيوعي – بتاريخ نضاله ومواقفه الوطنية – عنصرًا أساسيًا في معركة استعادة الدولة المدنية، مهما تعاقبت الهزائم الانتخابية. فالمعركة السياسية في العراق لا تُختصر في عدد المقاعد، بل في القدرة على الدفاع عن القيم الوطنية والإنسانية التي يُراد لها أن تختفي وسط صخب الطائفية والمال والسلاح.
إن العراق بحاجة إلى صوتٍ مختلف…
والصوت المختلف لا يُقاس بحجمه في البرلمان بل بقدرته على إيقاظ الوعي
*******************************************
الصفحة الثامنة
المحميات الطبيعية والأحزمة الخضراء ركيزة لحماية البيئة وصحة المواطن
عبد الكريم عبد الله بلال*
شكّلت المحميات الطبيعية والأحزمة الخضراء في العراق على مدى عقود أحد أهم العوامل في توفير بيئة صحية وإنسانية للمواطن، لما لها من دور كبير في إيقاف موجات التصحر، والحد من العواصف الترابية، وإعادة التوازن البيئي للمناطق الصحراوية المحاذية للمدن.
وقد بذلت وزارة الزراعة العراقية جهوداً مضنية عبر سنوات طويلة لزيادة المساحات الخضراء وإحياء الحياة الطبيعية في البوادي العراقية، لاسيما في المحافظات القريبة من الصحراء مثل الأنبار وكربلاء والنجف والسماوة والناصرية والعمارة والبصرة. فهذه الأحزمة الخضراء والمحميات الطبيعية لا توفر فقط بيئة صالحة للعيش وصحة الإنسان، بل تشكل أيضاً متنفساً سياحياً للمواطنين، ومحطات بحثية وإرشادية للمختصين والمزارعين القاطنين في البوادي.
كما ساهمت هذه المحميات في إعادة تربية الحيوانات البرية مثل الغزلان والماعز والأغنام ذات المواصفات الخاصة في إنتاج اللحم والصوف وكثرة التوائم في الولادات، مما يمثل ثروة وطنية مضافة ودعماً مباشراً للأمن الغذائي في البلاد.
وفي عام 2009 شرعت وزارة الزراعة بتنفيذ مشروع واعد ضمن الخطة الاستثمارية، تمثل بإنشاء سلسلة من المحميات الطبيعية في البوادي العراقية، بالتوازي مع إنشاء أحزمة خضراء تمتد بمحاذاة العديد من المحافظات. وقد جرى توفير أنواع نادرة ومهمة من الحيوانات البرية، منها غزال الريم العراقي المعروف برشاقته وجماله، والذي كان متوفراً بأعداد كبيرة في محمية المساد في الأنبار، إضافة إلى طائر النعام، والإبل الأبيض، والخيول العربية الأصيلة، والأغنام العواسي العراقية ذات الولادات المتعددة والصوف الناعم، فضلاً عن أنواع عديدة من الطيور المحلية والمهاجرة.
غير أنّ تعطّل الموازنة العامة لعام 2014 بذريعة الحرب ضد تنظيم داعش أدى إلى توقف الدعم المخصص لهذه المحميات، بل وصل الأمر إلى عرض بعضها للاستثمار، وتناقصت أعداد الحيوانات فيها بشكل ملحوظ، مع إهمال واضح واعتبارها مشاريع كمالية لا ضرورة لها.
ومؤخراً كشف النائب أمير المعموري عن تخصيص مبلغ (66) مليار دينار لشراء أعلاف مخصّصة للمحميات، ومنها محمية المساد المتخصصة بتربية الغزلان. إلا أنه – وخلال زيارته للمحمية – لم يعثر على أي غزال، ما يطرح تساؤلات خطيرة: أين ذهبت الغزلان؟ وأين اختفت الحيوانات في محميات وزارة الزراعة كافة؟ وأين ذهبت الأموال المخصصة لها؟
إن هذه الأسئلة تستدعي وقفة جادة ومسؤولة من الجهات الرقابية ووزارة الزراعة وهيئاتها المختصة، ولأهمية الموضوع الذي أثاره السيد النائب، فإن المطلوب هو تشكيل لجنة متخصصة تتولى دراسة واقعها وتحديد احتياجاتها باعتبارها ثروة وطنية يجب الحفاظ عليها. ويأتي ذلك بالتوازي مع ضرورة محاسبة المسؤولين عن ضياع المبالغ المخصصة لها، وإعادة النظر في آليات إدارتها من خلال تعيين كوادر كفوءة ونزيهة قادرة على النهوض بمهامها. كما يستلزم الأمر تسهيل حركة الموظفين العاملين في هذه المحميات وتوفير آليات النقل المناسبة نظراً لبعد مواقعها، إلى جانب صرف مخصصات الخطورة لهم. ولا بد أيضاً من تجهيز مختبرات المحميات بالمعدات والمستلزمات الضرورية لضمان استمرار البحوث العلمية، مع تخصيص موازنات مالية ثابتة وقابلة للنمو تتوافق مع متطلبات تطوير هذه المحميات والحفاظ عليها كثروة وطنية ذات أهمية بيئية واقتصادية.
ــــــــــــــــــــــــــــ
* مهندس زراعي استشاري
**************************************
الزراعة تحذّر: إغراق السوق بالمستورد يوقف المصانع المحلية ويهدد الأمن الغذائي
بغداد ـ طريق الشعب
أكد مستشار وزارة الزراعة، مهدي ضمد القيسي، أن الوزارة تعتمد على معايير العرض والطلب في اتخاذ قرار فتح أو غلق الاستيراد، مشيراً إلى أن 46 دولة مصنفة كمناطق موبوءة بإنفلونزا الطيور وفق تقارير منظمة الصحة الحيوانية العالمية، ما يستدعي منع استيراد البيض واللحوم حفاظاً على الصحة العامة.
وقال القيسي في حديث تلفزيوني إن “الهدف من المنع حماية الثروة الحيوانية وصحة المستهلك العراقي”، لافتاً إلى أن “المنتج المحلي أكثر أماناً ويفضله المستهلك، فيما يؤدي الإفراط في الاستيراد إلى ارتفاع البطالة وتهديد المزارع المحلي”.
وأضاف أن “القطاع الزراعي يمثل الضامن الاقتصادي للعراق في ظل تراجع الاعتماد على النفط، وأن السماح بدخول مواد مصابة قد يشكل تهديداً خطيراً للأمن الغذائي والصحة العامة”.
وأوضح القيسي أن “قانون حماية المنتج رقم 11 لسنة 2010 يفرض رسوماً على المستورد لضمان المنافسة العادلة ودعم المنتج المحلي في تحسين الجودة والتعبئة”، مؤكداً أن “ارتفاع الأسعار يُحسم بجودة المنتج، سواء المحلي أو المستورد”.
وكشف أن “معامل معجون الطماطم توقفت بسبب إغراق السوق بمنتجات مستوردة رخيصة”، مشيراً إلى وجود مطالبات حكومية بفرض رسوم جمركية على هذه المنتجات دعماً للصناعة الوطنية.
وشدد القيسي على أن “منع الاستيراد يُفعّل فقط عند وفرة الإنتاج المحلي”، مبيناً أن “ارتفاع أسعار البيض خلال الفترة الأخيرة جاء نتيجة ضعف الرقابة وعمليات تهريب المنتج بعد وقف الاستيراد”.
وأكد أن “الدواجن المحلية قادرة على سد حاجة السوق بشرط إغلاق منافذ التهريب”، محذراً من أن “إصابة واحدة بإنفلونزا الطيور قد تدمّر قطاعاً كاملاً، وأن الحل يكمن في الرقابة المستمرة ومنع التهريب لضمان استقرار الأسعار”.
وختم القيسي حديثه بالإشارة إلى أن “شح المياه يحد من التوسع في زراعة الحنطة والذرة والشلب”، داعياً إلى تطوير الصناعات الغذائية وتعزيز التسويق الزراعي، مؤكداً أن “ضعف السيطرة على التهريب يحد من فعالية قرارات منع الاستيراد”.
*********************************
حول تطوير الإنتاج الحيواني
د. علي السالم
شهدت أبحاث الإنتاج الحيواني تطورًا سريعًا في السنوات الأخيرة، تزامنًا مع الحاجة المتزايدة للغذاء من جهة، وارتفاع الطلب على اللحوم والمنتجات الحيوانية الغنية بالقيمة الغذائية، والمُنتَجة من دون سموم أو مواد كيميائية ضارة بالصحة العامة والبيئة من جهة أخرى.
ففي سريلانكا، كشفت دراسة تحليلية واسعة أن موجات الحرّ الرطبة قد تخفّض إنتاج الحليب في الأبقار والماشية بنحو 10 في المائة، وأن تأثيرها السلبي قد يستمر أكثر من عشرة أيام، مع قدرة محدودة على التكيّف بالتبريد التقليدي. كما أظهرت الدراسة الدور الكبير للضغوط المناخية مثل الحرارة والجفاف وتغيّر أنماط الأمطار في إضعاف تغذية الماشية وارتفاع معدلات الأمراض وضعف نظم الوقاية، إلى جانب الحاجة إلى مزيد من التوعية لدى المربين. وتوصّلت الدراسة إلى عدد من الاستراتيجيات المهمة، أبرزها: استخدام سلالات أكثر مقاومة للحرّ والجفاف عبر تحسينها وراثيًا لتتكيف مع الظروف المناخية، وتوفير أعلاف بديلة (بروتينات غير تقليدية، أعلاف محلية، أو مكملات أقل كلفة) مع تخطيط تغذوي مناسب، وبناء إسطبلات بيئية مقاومة للحرّ تتوافر فيها تهوية جيدة وإدارة سليمة للمياه والتعامل مع النفايات، إضافة إلى تعزيز الأمن الحيواني من خلال تحسين الممارسات الصحية مثل التلقيح والمراقبة البيطرية وبرامج الوقاية والسلامة الحيوانية. كما أوصت الدراسة بدعم صغار المربين عبر التدريب والتوعية واعتماد سياسات حكومية تُسهّل الحصول على الأعلاف والخدمات البيطرية والقروض.
وفي الولايات المتحدة، حدّد الباحثون شبكات جينية ومسارات أيضية مرتبطة بأنماط تراكم العضلات والدهون في أبقار اللحم، بما مكّنهم من زيادة إنتاج اللحوم وتحسين جودتها. وركّزت الدراسة على وزن البقرة وسمك الدهن وعمق العضلات، مؤكدة أنها عوامل مترابطة إيجابيًا. وقد وفّرت هذه النتائج خريطة جزيئية أولية للجينات والمسارات البيولوجية المرتبطة بإنتاج اللحم، خصوصًا فيما يتعلق بتراكم الدهون ونمو العضلات.
وتوصّل الباحثون إلى أن زيادة إنتاج لحم الأبقار تعتمد على اختيار سلالات جيدة متأقلمة مع مناخ المنطقة، وتحسين الإدارة (تغذية مناسبة، رعاية صحية، رفاه الحيوان، ظروف رعي وإيواء سليمة)، إضافة إلى استخدام التقنيات الحديثة مثل المراقبة الذكية والاستشعار عن بُعد في تحديد الوقت المناسب لتدخّل المرّبي وطبيعة هذا التدخل.
*********************************************
تجفيف أكثر من ألف بحيرة أسماك في الإسحاقي وشمال بغداد
بغداد ـ طريق الشعب
أعلنت وزارة الموارد المائية، استمرار حملاتها الواسعة لإزالة التجاوزات على المنظومة المائية وبحيرات الأسماك ضمن قاطع ناحية الإسحاقي، مبينة أنها تمكنت من تجفيف 1,026 بحيرة بالتعاون مع تشكيلات الوزارة وبدعم من القوات الأمنية.
وقال مدير الموارد المائية في الإسحاقي أحمد دنان عباس، إن الحملة شملت تجفيف 680 بحيرة بشكل كامل، إلى جانب أكثر من 340 بحيرة ما تزال قيد التجفيف، مؤكداً أن الأعمال تُنفذ بوتيرة متسارعة باستخدام الآليات التخصصية الحكومية العاملة في المحافظة.
وأضاف عباس أن هذه الحملة تأتي ضمن خطة وزارية مدروسة تهدف إلى استدامة الموارد المائية وحمايتها من الهدر، وضمان التوزيع العادل للحصص المائية بين المستفيدين، خصوصاً في ظل الشحة المائية والتغيرات المناخية والتحديات الراهنة.
وشدد على أهمية التحول إلى إنشاء أحواض مغلقة لتربية الأسماك بدلاً من الأحواض المفتوحة، بما ينسجم مع توجهات الوزارة في حماية الموارد وتقليل الهدر لضمان توفير المياه للاستخدامات الضرورية.
وفي سياق متصل، أعلنت لجنة رفع التجاوزات في فرع بغداد التابعة للهيئة العامة للمياه الجوفية، إطلاق حملة كبرى شمالي العاصمة لإزالة التجاوزات على المياه.
وذكرت الهيأة في بيان أن الحملة أسفرت عن إزالة وغلق 28 بحيرة أسماك متجاوزة، إضافة إلى غلق بئرين مغذيين في منطقة المشاهدة، مشيرة إلى أن هذه الإجراءات تأتي في إطار خطة الوزارة للحد من الاستنزاف غير القانوني للموارد المائية وضمان استدامتها بما يخدم المصلحة العامة.
*********************************************
التصدير.. الطريق الأنجع لإنقاذ التمور العراقية وحماية بساتين النخيل
كاظم عبد حسين*
يمتلك العراق واحداً من أعرق وأغنى إرث النخيل في العالم، غير أن القيمة الاقتصادية للتمور تراجعت خلال العقود الماضية إلى حدّ أصبحت معه سلعة محلية رخيصة لا تعكس مكانتها ولا جهود الفلاح في إنتاجها. وعندما يتراجع سعر التمر ويضعف الطلب الخارجي، يفقد الفلاح دافعه للعناية ببستانه، فتنتشر الآفات والأمراض، وعلى رأسها سوسة النخيل الحمراء التي تعدّ اليوم أخطر تهديد يواجه النخلة العراقية.
غير أن فتح أبواب التسويق والتصدير أمام التمور العراقية يمكن أن يغيّر المشهد كله. فحين يتحول التمر إلى منتج تصديري عالي القيمة – "الذهب الأسمر" كما يجب أن يكون – تتحول نظرة الفلاح من مجرد جني محصول إلى إدارة استثمار ثمين يستحق الحماية والمتابعة.
التصدير يمول المكافحة
مكافحة سوسة النخيل الحمراء عملية معقدة ومكلفة بطبيعتها. فهي تحتاج إلى تقنيات حديثة مثل الحقن المباشر والمصائد الفرمونية وأجهزة الكشف الصوتي المبكر عن اليرقات، إضافة إلى عمالة مدربة تتولى التكريب والفحص الدوري، فضلاً عن مبيدات متخصصة ذات أثر متبقٍ منخفض لتتوافق مع معايير التصدير العالمية.
وفي ظل الأسعار المحلية المتواضعة للتمور، لا يجد الفلاح سبباً يدفعه لتحمل هذه الكلف العالية، فيترك كثيرون نخيلهم تحت رحمة المرض. لكنّ الأمر يختلف تماماً عندما يدخل الفلاح سوق التصدير؛ فبمجرد أن يُربط إنتاجه بعقد تصدير مجزٍ، تتحول النخلة إلى رأس مال فعلي، ويصبح الدفاع عنها ومحاربة الآفات خياراً اقتصادياً قبل أن يكون زراعياً.
المعايير العالمية
الأسواق العالمية، خصوصاً الأوروبية والآسيوية، تفرض شروطاً صارمة مثل شهادات Global GAP ومتطلبات الإنتاج العضوي وخلو التمور من المتبقيات الكيميائية. وهذه المعايير لا تقتصر على الجودة فحسب، بل تخلق نظاماً رقابياً فعالاً يمتد إلى داخل البستان العراقي نفسه.
فمن أجل دخول هذه الأسواق، يصبح الفلاح مضطراً لاعتماد ممارسات زراعية صحيحة، من الرش المنضبط إلى الري المنتظم والتكريب الدوري وضبط عمليات الحصاد. كما تفرض هذه المعايير نوعاً من الانضباط الجماعي؛ لأن إصابة بستان واحد يمكن أن تحرم منطقة كاملة من التصدير، مما يدفع الفلاحين إلى التعاون في مكافحة الآفات لحماية مصالحهم المشتركة.
من التمر الخام إلى الصناعة
أحد أبرز التحديات التي واجهت التمور العراقية تاريخياً هو تصديرها كـ "خام" بأسعار بخسة، ثم إعادة تصنيعها أو تغليفها في دول أخرى وإعادة بيعها بأسعار مضاعفة. ولتغيير هذا الواقع، لا بد من بناء صناعة تحويلية متكاملة تشمل إنتاج الدبس والخل والكحول الطبي وعجينة التمر، إضافة إلى إطلاق خطوط تعبئة حديثة ذات هوية بصرية تنافس العلامات العالمية.
ويرتبط التسويق الناجح أيضاً ببيع قصة التمر العراقي وتاريخه وتراثه، وليس مجرد بيع الثمرة. وعندما يشعر الفلاح بأن قيمة منتجه ترتفع بفضل هذه الصناعات والدعاية، سيجد دافعاً أكبر للعناية ببستانه وحماية نخيله من أي خطر.
سوسة النخيل الحمراء
تعدّ سوسة النخيل الحمراء من أخطر الآفات لأنها تهاجم النخلة من الداخل دون علامات واضحة، لتسقط فجأة بعد أن تكون الإصابة بلغت مرحلة لا عودة منها. ومكافحتها تحتاج إلى فحص دوري وتدخلات مبكرة ومتابعة دقيقة، وكلها إجراءات مكلفة.
لكن الفلاح لن يتحمل هذه النفقات إلا إذا كانت النخلة ذات عائد اقتصادي مجزٍ. فإذا كان التمر يباع بسعر زهيد، فلن يجد جدوى من فحصها أو علاجها. أما إذا كانت ثمارها متجهة إلى التصدير بعقود مربحة، فإنه سيحرص على حماية كل نخلة وكأنها ثروة مستقلة بذاتها.
دورة اقتصادية تحمي النخلة
الحل لا يكمن فقط في توزيع المبيدات مجاناً من قبل الدولة، فهذا حل مؤقت ومحدود التأثير.
الحل الحقيقي يقوم على خلق دورة اقتصادية مستدامة تجعل من "سعر التمر" المحفز الأول والأقوى للفلاح ليصبح هو الحارس الحقيقي لبستانه، والمدافع الأول عن نخيله، والضامن لاستمرار هذه الثروة الوطنية.
ــــــــــــــــــــــــــــ
* مهندس زراعي استشاري
*****************************************
الصفحة التاسعة
مانو كوني ينتقد الفار بعد خسارة روما أمام نابولي
روما ـ وكالات
أبدى الفرنسي مانو كوني، نجم وسط فريق روما، استياءه من عدم تدخل تقنية الفيديو المساعد “فار” لتقييم اللقطة التي أدت إلى هدف فوز نابولي، خلال المباراة التي جمعتهما على ملعب الأولمبيكو، وانتهت بفوز الضيوف 1-0، مساء الأحد. سُجل هدف نابولي الوحيد عن طريق ديفيد نيريس من هجمة مرتدة سريعة، بدأت بحالة تحكيمية مثيرة للجدل، عندما تعرض كوني لعرقلة من لاعب نابولي أمير رحماني، أشار الحكم حينها باستمرار اللعب، ولم تُوصِ تقنية الفار بمراجعة اللقطة داخل الملعب. وقال كوني لشبكة “دازن إيطاليا”: "شعرت بالتلامس، لقد تأثرت بالتأكيد، لكن الحكم اتخذ هذا القرار، على الأقل كان من المناسب أن يشاهد اللقطة مرة أخرى". من جهته، حلل خبير التحكيم لوكا ماريلي، مشيرا إلى أن رحماني لمس الكرة بأصابع قدمه قبل أن تلمس حذاء كوني، مما جعل الكرة تغير اتجاهها، واعتبر التدخل سليما ولم يستدعِ الفار مراجعة اللقطة. وعن مجريات المباراة، أقر كوني بصعوبة فريقه في خلق فرص للتسجيل، مؤكدا أن الفرصة الوحيدة جاءت قرب نهاية المباراة، وقال: "كان بيليغريني وسولي أكثر اللاعبين كفاءة في الخط الهجومي، لكننا لم نتمكن من تقديم الخدمة اللازمة لهم".
*****************************************
كأس العرب العراق يواصل تحضيراته ويستعد لمواجهة البحرين
متابعة ـ طريق الشعب
انطلقت يوم الاثنين فعاليات بطولة كأس العرب قطر 2025 بمباريات افتتاحية جمعت بين تونس وسوريا وقطر وفلسطين، فيما يواصل المنتخب العراقي لكرة القدم تدريباته المكثفة في العاصمة الدوحة استعداداً لمواجهة البحرين يوم الأربعاء المقبل ضمن مباريات المجموعة الرابعة التي تضم أيضاً منتخبي الجزائر والسودان.
وستقام المباراة على ستاد 974 عند الساعة الخامسة والنصف مساء بتوقيت الدوحة وبغداد، وسط اكتمال صفوف المنتخب العراقي التي تضم اللاعبين: جلال حسن، أحمد باسل، فهد طالب، ميثم جبار، مناف يونس، أكام هاشم، سعد ناطق، مصطفى سعدون، أحمد مكنزي، أحمد يحيى، شيركو كريم، أمجد عطوان، كرار نبيل، زيد إسماعيل، سجاد جاسم، حسن عبد الكريم "قوقية"، علي جاسم، أيمن حسين، مهند علي "ميمي"، محمد جواد، عمار محسن، وماركو فرج من السويد والنرويج.
وتشير المعطيات إلى أن المدرب الأسترالي غراهام أرنولد سيمنح اللاعبين الجدد الفرصة الكاملة خلال مباريات دور المجموعات الثلاث، بهدف تعزيز صفوف الفريق واكتشاف لاعبين جاهزين لمواجهة أي غياب أو إصابة قبل مباراة الملحق العالمي المؤهلة إلى كأس العالم 2026 المقررة في الأول من أبريل المقبل ضد الفائز من مباراة بوليفيا وسورينام.
من جهته، أكد المدرب العراقي خلف كريم أن مشاركة المنتخب في البطولة تحمل إيجابيات عدة رغم الغيابات الكبيرة، مشيراً إلى اعتماد الفريق على اللاعبين المحترفين في أوروبا إلى جانب مجموعة مميزة من اللاعبين المحليين، ما ساهم في نجاح التوليفة الحالية بقيادة أرنولد، مستمراً في خط العمل الذي بدأه المدرب الإسباني خيسوس كاساس.
وأضاف كريم أن البطولة توفر هدوء نسبياً وقلة الضغط الإعلامي على الفريق مقارنة بتجربة كأس الخليج السابقة، كما تمنح الفرصة لاكتشاف نجوم جدد من اللاعبين الشباب، لا سيما مع وجود أسماء مفاجئة في القائمة مثل لاعب الطلبة زيد إسماعيل. وأوضح أن التوليفة الحالية، المزيج بين اللاعبين الجدد والمحترفين، قد تفتقد للانسجام الكامل لكنها تمثل فرصة لتجربة وجوه جديدة وتعزيز قدرات الفريق قبل البطولات المقبلة.
ويأمل العراق في استثمار هذه الفرصة لإظهار قدرات اللاعبين المحليين واكتشاف عناصر شابة جديدة، مع التركيز على التحضير لمباراته الحاسمة في الملحق العالمي المؤهل لمونديال 2026.
*******************************************
العراق يشارك في ثلاث بطولات نسوية لرفع الأثقال
متابعة ـ طريق الشعب
يشارك العراق في ثلاث بطولات متداخلة لرفع الأثقال للسيدات، تستضيفها العاصمة القطرية الدوحة خلال الشهر الحالي، وتشمل بطولة غرب آسيا، البطولة العربية، وبطولة قطر الدولية.
وقال رئيس الاتحاد العراقي لرفع الأثقال، محمد كاظم مزعل، إن العراق سيخوض المنافسات بأربع رباعات، ثلاث منهن من أربيل وواحدة من بغداد.
وأضاف مزعل أن البطولات ستنطلق في 19 كانون الأول الجاري بمشاركة واسعة من المنتخبات العربية والدولية، مبيناً أن المنتخب النسوي يواصل استعداداته من خلال معسكر تدريبي في مدينة أربيل تحت إشراف المدرب خضير باشا.
************************************
حسام فارس رئيساً للاتحاد العراقي المركزي للرماية
متابعة ـ طريق الشعب
انتخبت الهيئة العامة للاتحاد العراقي المركزي للرماية، أمس الاثنين، حسام فارس رحيم رئيساً للاتحاد، خلال المؤتمر الانتخابي الذي انعقد بحضور 26 عضواً، مكتملين النصاب القانوني وفق قانون الاتحادات الرياضية.
ووفق بيان صادر عن الاتحاد، تألفت لجنة الانتخابات من أمجد طارق حسن رئيساً، وعبد الله سلمان إبراهيم نائباً للرئيس، وعماد مؤيد خضير عضواً، وأشرفت على سير العملية الانتخابية.
أسفرت النتائج عن فوز ضرغام باسم قاسم نائباً للرئيس، فيما انتخب الأعضاء التالية أسماؤهم في الهيئة الإدارية: أحمد محمد محسن (23 صوتاً)، محمد علاء (22 صوتاً)، أسامة طالب أحمد (20 صوتاً)، شروق أرزوقي وهاب (18 صوتاً)، وناظم عمر نجم (18 صوتاً) في الجولة الثانية من الانتخابات.
*************************************
هورنتس يكسر سلسلة رابتورز.. وأنتيتوكونمبو وإدواردز يتألقان في NBA
واشنطن ـ وكالات
أنهى فريق شارلوت هورنتس سلسلة انتصارات تورونتو رابتورز التي امتدت إلى تسع مباريات، بفوز مثير 118-111 بعد التمديد، محققًا انتصاره السادس هذا الموسم.
قاد مايلز بريدجز الانتفاضة بتسجيل 35 نقطة، منها 16 نقطة في الربع الأخير والوقت الإضافي، بعد أن قلب هورنتس تأخره بفارق 17 نقطة. كما ساهم الصاعد كون كنوبل بـ 20 نقطة، وسجل ثلاثية التعادل قبل 10.1 ثانية من نهاية المباراة.
وفي الوقت الإضافي، افتتح سكوتي بارنز التسجيل، ثم عادل بريدجز قبل أن يمنح فريقه أول تقدم بثلاثية حاسمة، لتختتم هورنتس الفترة الإضافية بنتيجة 14-7. وأكد بريدجز أن الفريق قدم "الإيقاع المناسب" وطاقة مختلفة، فيما أشار المدرب تشارلز لي إلى أن السر يكمن في "الإيمان ببعضنا".
وفي مباريات أخرى، أنهى ديترويت بيستونز سلسلة انتصارات ميامي هيت التي بلغت ست مباريات، بفوز مثير 138-135 خارج الديار، بفضل 29 نقطة من كايد كانينجهام. ورغم تألق أندرو ويجينز (31 نقطة)، نورمان باول (28 نقطة)، وتايلر هيرو (24 نقطة)، فشل ميامي في العودة.
وأوقف ميلووكي باكس سلسلة هزائمه السبع، بفوز مهم على بروكلين نتس 116-99، مستفيدًا من تألق يانيس أنتيتوكونمبو الذي سجل 29 نقطة، وتجاوز حاجز 21 ألف نقطة، ليصبح اللاعب رقم 42 والسادس الأصغر سنًا الذي يحقق هذا الإنجاز. خلال 19 دقيقة فقط، أضاف أنتيتوكونمبو 12 نقطة من 15 محاولة، إلى جانب 8 متابعات وتمريرتين وسرقتين.
وفي إنديانابوليس، منح باسكال سياكام فريقه بيسرز فوزًا دراميًا على شيكاغو بولز 103-101 عبر رمية مع صافرة النهاية، ليحقق الفريق انتصاره الثاني تواليًا رغم الإصابات المستمرة منذ نهائي الموسم الماضي.
وفي مينيسوتا، واصل أنتوني إدواردز تألقه بتسجيل 39 نقطة، منها 14 في الربع الأخير، ليقود تمبروولفز للفوز على بوسطن سلتيكس 119-115 بعد مباراة متقلبة، مسددًا رميات حاسمة في اللحظات الأخيرة، فيما تصدر جايلن براون سلتيكس بـ 41 نقطة.
كما فاز غولدن ستايت ووريرز على نيو أورليانز بيليكانز 104-96 بقيادة جيمي باتلر الذي سجل 24 نقطة رغم سقوطه العنيف في الربع الثاني.
وفي مباراة مثيرة أخرى، قدم كوبر فلاج (18 عامًا) أفضل مبارياته، مسجلاً 35 نقطة و8 متابعات، ليقود دالاس مافريكس للفوز 114-110 على لوس أنجليس كليبرز، ليصبح ثاني أصغر لاعب يتجاوز حاجز 30 نقطة في المباراة بعد ليبرون جيمس، فيما تراجع رصيد كليبرز إلى 5 انتصارات مقابل 15 هزيمة، محتلاً المركز الثالث عشر في القسم الغربي.
*************************************
وقفة رياضية.. لا بد من بناء ثقافة اللاعب العراقي
منعم جابر
للثقافة أهمية كبيرة لدى الرياضي، لا سيما اطلاعهم الدائم على قوانين ألعابهم، لأن المعرفة والثقافة في الاختصاص هي الأساس المطلوب من جميع الرياضيين. إضافة إلى ذلك، فإن التعرف على المعلومات الحياتية في شتى المجالات يُعد سلاحاً قوياً يتمتع به الرياضي داخل الميدان. فلا مكان للجهل وعدم المعرفة، وخاصة في مجال الاختصاص الرياضي.
لذا، نؤكد على أبطال الرياضة أن يكونوا متسلحين بقوانين لعبتهم. أما أن يبقى الرياضي جاهلاً بقوانين اللعبة التي يمارسها، فهذا واقع بائس قد يعرضه للعقوبات والمواقف المحرجة نتيجة جهله بالقوانين. وقد شهدنا ذلك بالفعل مع العديد من لاعبينا.
نتذكر، على سبيل المثال، بكل ألم وحسرة، لاعب المنتخب الوطني أيمن حسين الذي تسبب تصرف بسيط له في حرمان منتخبنا في مباراته أمام المنتخب الأردني، مما أدى إلى خروج فريقنا من البطولة. كما تعرض اللاعب علي الحمادي في مباراة المنتخب العراقي أمام كوريا الجنوبية لحالة طرد، الأمر الذي تسبب في مشاكل أمام الفريق الكوري وخسارة المباراة، رغم أن مجريات اللقاء كانت لصالحنا حتى حصول حالة الطرد. كذلك، تعرض اللاعب مهند علي للطرد بسبب تصرف غير مدروس وغير مبرر أمام المنتخب التايلندي.
هذه الحالات تعكس بشكل واضح ضعف البناء الثقافي لدى اللاعب العراقي، وعدم استيعابه للقوانين والأنظمة الصادرة عن الاتحاد الدولي لكرة القدم والاتحاد الآسيوي. ومن هنا، يقع على عاتق الاتحاد العراقي لكرة القدم مسؤولية تزويد اللاعبين بأحدث التعليمات والتوجيهات الدولية من خلال الحكام المتخصصين، وإقامة محاضرات تثقيفية لهم حول قوانين اللعبة وآخر مستجداتها.
لذلك، أقول للاعبين: عليكم أن تمنحوا اهتماماً استثنائياً للحكام، وأن تستعدوا لمواجهتهم بتصرفات مدروسة وسلوكيات منضبطة. فالبناء الثقافي والمعرفي في قانون لعبتكم هو الطريق الأمثل نحو تحقيق الإنجازات. وأطالب أيضاً لجنة الحكام بأن تساهم بفاعلية في بناء ثقافة اللاعبين، والارتقاء بمستواهم، من أجل منحهم الحصانة الكافية ضد حالات الطرد أو الإنذار، والتي قد تتسبب في خسارة فرقهم.
************************************
سلسلة سلبية تفقد ريال مدريد صدارة الليغا
مدريد ـ وكالات
سقط ريال مدريد في فخ التعادل الإيجابي 1-1 أمام غيرونا، مساء اليوم الأحد، ضمن منافسات الجولة 14 من الدوري الإسباني، على ملعب "مونتيليفي" معقل الفريق الكتالوني.
وبحسب شبكة "أوبتا" للإحصائيات، سدد ريال مدريد 25 تسديدة خلال المباراة، ولم يتفوق عليه سوى ريال بيتيس ضد ليفانتي (28 تسديدة) في عدد التسديدات في مباراة بالدوري هذا الموسم دون أن يضمن الفوز.
وجاء الهدف الأول للمباراة عن طريق المغربي عز الدين أوناحي في الدقيقة 45 لصالح جيرونا، قبل أن يعادل كيليان مبابي النتيجة لريال مدريد عبر ركلة جزاء في الدقيقة 67.
وبهذا التعادل، رفع ريال مدريد رصيده إلى 33 نقطة في وصافة جدول ترتيب الليجا، بفارق نقطة واحدة خلف برشلونة المتصدر، بينما رفع غيرونا رصيده إلى 12 نقطة في المركز الثامن عشر.
وأشار التقرير إلى أن ريال مدريد تعادل في آخر ثلاث مباريات له بالدوري الإسباني، وهي المرة الأولى التي يسجل فيها ثلاثة تعادلات متتالية في موسم واحد منذ ديسمبر 2019، تحت قيادة زين الدين زيدان.
********************************************
الصفحة العاشرة
بمناسبة الذكرى السنوية الاولى لوفاته في رحاب الشاعر الراحل كاظم لاله
عبد السادة العلي
تفتخر حركة الشعر وخاصة الشعبي منها بأنها تضم رموزا وأهرامات تبقى شامخة في فضاء هذه الحركة وديمومة سموها في مجال الأدب الشعبي الذي يمثل اللغة التي تنساب كلماتها عبر مسالك الروح انسيابية تمتزج بتلاقح سريع مع شعور وعاطفة الإنسان المتلقي المستمع المتذوق لهذا اللون.
فهي تنساب كالماء في عروق الضامي وكضوء الشمس عند الشروق وطوفان الفرحة عند لقاء الحبيب بعد الغياب، علما بأن الشعر شيء أخر غير اللغة. انه الانحراف عن الكلام المتداول، إي الكلام العادي، الانحراف الذي يتجاوز فيه الكلمات ويضغط بعضها على الأخر في تركيب غير مألوف، فهو الاتصال والتلاقح بين ما يمكن إدراكه وما لا يمكن إدراكه.,
ولكن المتتبع لحركة الشعر الشعبي خاصة يلاحظ انه عانى الكثير من عدم القدرة على امتلاك الحرية الكافية والمجال المطلوب في تحركه، مما قاده إلى التنازل عن جانب ثمين ومقدس من ذاته إلى مؤسسات الإنسان، وعلى اختلاف الصعد كالدين والسياسة والأخلاق وغيرها من الأمور، التي كان مرغما أو متزلفا لها. فمن طبيعته الدفاع عن صفاته وذاته كما يدافع الإنسان عن حريته، حيث كان الشعر يوظف حسب الطلب، لان الوضع لا يسمح له إلا إذا كان في الموضوع الفلاني أو المناسبة الفلانية، أي كان يدفع إلى الخضوع لتسويات خاصة مما يدفع بعجلته إلى الانزلاق خارج مسارها الصحيح، الذي هو مزيج من الحلم والفكر والعالم المحيط.
فالشاعر ميزة مزدوجة عالق بالتاريخ وملتصق به حد الانصهار، حيث يستمد الشعر وكناياته ومجاراته واستعاراته. فالشعر اكتشاف للأشياء والنظائر بين الإنسان وصفاته، فهو موطن لجمال الأرض وليس موطن قسوة لها. فهو مرآة الروح، وهو السفر إلى أقاصي كيان الإنسان، وهو "موجة لا شاطئ لها وهو خلق عالم أخر يبني بيوتا أخرى ويسلك دروبا ثانية" كما قال الشاعر أودنيس، الذي يعرّف الشعر بأنه "لغة نهائية يمكن إن تصدر عن تجارب متنوعة".
لقد أردت من هذه المقدمة التأكيد على الشعر واللاشعر، على الأصالة والتطفل , على الإبداع والزيف، الحقيقة والادعاء، على الشاعر الذي يمتلك المواصفات أنفة الذكر والزائف الذي لا يجوز تسميته شاعراً، حيث ضمت مسيرة الحركة الشعرية (للشعر الشعبي) كثيرا من هؤلاء، فسقط الذي سقط وذاب كقطعة ثلج في قدر ماء مغلي، وامتطى الباقي صهوة البقاء والديمومة والمجد رغم تعاقب السنين وتطور الزمن.
فشاعرنا المرحوم كاظم لإله من أعمدة الشعر وتراث الأدب الشعبي الذي تعانق مفرداته نجوم سماء هذا النوع من الفنون.
عاش ورحل وهو يفيض بعطائه الصادق والملتصق بالحياة الاجتماعية التصاق الظل بالجسم، شاعر ابتعد عن الصنعة وعن الانزلاق خارج المسار الصحيح للغته، فجاءت عطاءاته متوهجة كمصباح في شارع مظلم. كلماته مثقلة بالمعاني التي تجعل القارئ يقف عندها بدهشة متناهية، وشعور ممزوج بالحلم والحنين والتعجب.
كتب الفقيد كاظم لاله بجميع أوزان الشعر الشعبي وأنواعه واغرضه، وكان فارسا يصول في هذا الميدان، وهو كما قال الشاعر العظيم أبو الطيب المتنبي:
أنام ملىء جفوني عن شواردها ... وتسهر الخلق جرّاها وتختصم ُ)
*************************************
حلم صاحي
حسين جهيد الحافظ
بيك احلمت خيال
أصيله مهرتك بيضه
امسرجه ابهالة فخر
حناهه الوفه ابفيضه
شايل أبچفك أمل
امطرز الشته گيضه
علبتك فوگ النجم
چلماتك الترفه زلم
وعيونك اعله الوطن
مشراگه صبحية برد
ابشوگ الدفو
اتروح او ترد
تنثر على الدنيه أمل
ابيض مثل غيرتك
يخسه الوكت
ما دنسه ابحيضه
طبعك طبع چمار النخل
لو ذبل بالنخل
كلف كلش كلف تعويضه
الدنيه الجسم
وانته الگلب
الكل خطوه اسمك درب
طبعك حبيب او محب
بيك المفرط دعي
ما يعني تفريطه
غناوه ابحلگ المحب
ابحلگ العدو ليطه
بلبل تغرد وفه
او غيرك طبع زيطه
خفگة اجناحه غدر
ما نصح طول العمر
ما بيه كل فائده
وسط النخل عيطه
منخوره من البرص
منهه الجذع خاوي
وانته تتمايل غنج
بالفخر متغاوي
احبيب يريحة هلي
يا شامه ابخد الوطن
يا شوگ حلاوي
ليل البنفسج ريحتك
الطعم خستاوي
چفك عراقي شيمته
من يگدر ايلاوي
من غيرة علي غيرتك
او من ابو فاضل شيمتك
أشيوعي او نيتك
تمطر صدگ نيتك
نية وفه بيضه
امسرجه ابكل الفخر
حنانه الوفه ابفيضه
*****************************
أنا العادل رسنها
كامل العتابي
انا المن كل كتر توجعني روحي هواي
وأنا الندمان چي ما تممت نوحي
أكابر والجرح عزّب هواي هموم
ولو عدت شماته أكظمهن جروحي
أهجس بالأخوه شكثر مر الحيف
وأگطع كل جدم ظل عابث بسوحي
أما يزهن سنيني... بيا وكت حطيت
حد للمستحى!!! وأتجاهر إبوحي
بيَّ الآه كلفه إتمايِل الميزان
وعلى العكاز أمشي وأزرع بلوحي
خلها الدنيا غثه وما وفت وياي
تشد عضد اليودها وجزّرت موحي
أنا مغني الحمام الحطلي منه جناح
ومواله الزهالي بچلمتي ودوحي
دهاك إقره الذخاير طيح بالمضمون
أنا العادل رسنها وما گلت روحي
أنا العادل رسنها وما گلت روحي
************************************
الطارش..
د. حامد الشطري
ارد اعض حلمة الشفه..
بطرف شفتي لحد عسلها اينگط
ويروي عطش روحي بلابل..
وارد اضم شفتي على شفتك ناي
وينگط سوالف تنبع بروحي غنه
ويمطر هلاهل..
ياگمر نعسان ،
غافي اسنين متوسد الغيمه..
يلله شگ زيج الحزن..
شالت چراغدنه خضارك تركوازي
بگصة اليلمظ تميمه..
ولك روحي اخلاف گمرية اخيالك.
شيله ضايع من تراچيها شذر حدر الزلف..
مزروع بچتاف الدروب..
اسنين مامراها جدمك
ساكته وسكتتها هيمه..
العيد ماينشاف بچفوف الدفوف
بلون حنه..
العيد بيبان السمه تشيلك اهلال
تشوفك الوادم صبح..
وتهلل بروحي الهلاهل عيد..عيد
وانت يل مالك بريد..
ولا خطف ع الديره طارش..
ريحته البارود..وچماغك صهيل
يفزز الوادم غناك..
بلون داخل ايا يويلي..
ياكل اخيالك سراب..
****************************************
ولك يفلان
جاسم الساعدي
ولك يفلان
مو مر الوكت والريل
لسمعنا دگ أگهوة
وماكو مسچ لا هيل
شو فرنا هذا الدهر
وطفيرة حيل وحيل
وناس اللفو تغتني
وابن الوطن بس ويل
اخذوا سلال العنب
والبسمة والضحكات
واحلام ابني الكبر
ما يعرف الچلمات
رادوا يموت الورد
بس الورد ما مات
وغصبن عله كل ظلم
تبقه شمسنا الامل
مره باغاني الصبح
ومره بسكون الليل
***************************************
شراع الضمير
سفاح ابو وليد
الشمس يتعثر ضواها ابزحمة الغيم النذر روحه ابدربها
اتغربّت واشموعها الما تنطفي ابارٍح لگت تابوتها ابچف المتيٍٍه
والغريب..!
وهلهل الطين ابگلبها وفرح صوته
چ دفن كل الربيع اوودعّ الگمره أعله أيده ابحلگ حوته
اوصلّت الدنيه ونسٌت بيبانها امقفله أعله ربها..!
اوفزّت ابيوم القيامه
ردّت أعله الشمس تبچي
ردت اعله البچي تبچي
،ياهو سولف الدمع عمرين واتلاوه اويه جفنه!؟
وياهو خلٌه الشط عمر مستاحش وحزنه جزيره !؟
وشالت الدنيّه دمعها وعبرّت اتسولف حچي الوادم على سمٍع الضمير..
،اوغسلٌت الذنوب الحوتهاّ ابدم جرح..
ابدم جرح غسلت اذنوب الحوتها
والشمس تگدر تفوت ابكل عزمها..
،..،بسٌ تريد اتشوف ياريح اليطشر الغيم ويعبٍرٍ جدمها!.؟
وبين ما تطلع ضوه عثرّت ابوادمها موته
اوماتت وهلموته موته
وحلمت ابجرف المغيب وطبّگ ارموشه الجفٍن
وخيٌل السيف أعله رگبتها ومشت تحچي دفٍن
الشمس عدلهّ على إحبال المشانق..!
..،تضحك اشما وچدٌ الصايود چيلاته أعله طيره
وتوگف شراع ومهب ريح ابوجٍه سفانه الينزف ضميره
..،الما عشگ غير السنابل والحچي ابعيونها المتروس غيرٌه
اغتاضت أعله الخضّرت بدروبه ضويات ونهار
اغتاضت أعله العشگ درب الطين والعاف الدفوف
اكفرت آنه..لا
بسٌ على يامود تهجرني الشمس وتگلي لا..!
وبين حلگ الموت ودعني زماني ..
والعطش لسّه عطش
چاليش يا عثگ النخل تحمل عطش والماي فوگ أمن السعف
،ضحىّ ابرخص حيلهّ واجه ايدوٍر على اخيال الشمس
عاشرٌ عزيزه وطلبّ بعيونه عمر ثاني يبيعه ويشري بيه هدّوة شمس
احاه ياحرگة نهاري الصادّگ التابوت وحچاية أمس
طبع الشواطئ التحلم ابفيض النبع حيل انچفه اتراب الملح بيها
وبقت تحلم نبعها ايصير عريٍس ويطگ الها ابضلع
هاكثر وچه الطيف بس مامش نفع !
ما ادري ليش الطيف مامر أعله شمسي
وسولف أخباره أعله امسي وانتحر يم الضوه
الناس بالديره ضوه
..ايه ادري بالوادم ضوه
لاكن ولك يا ضوه..!؟
**************************************
الأسامي
جواد الدراجي
ادور ما لگیت اسمك
واسافر .. بلكي لو صدفه
يخضر أسمك أبالي
وأعرفنها .. الملامح
كل حرف .. لونه ..
اله بروحي كتر خالي
غير ذنوبنا .. التمت
ضباب .. وليلنه منادس
لگط بثیاب .. موالي
بهذاك الحال ...
ونشوف السمه جامه
انكسر ناموسها الغالي
واتبره الضوه المهيوب
غاب بساعة العازه
نكرنه .. ولا رضه يلالي
وندور ادوارة العميان
نتهمس .. فراغ الكون
والظلمه ستر عالي
اعله غفله ولنه ..
دسنا الصوت
ونثلمت مناره ..
وصحنا مبحوحه
ولگینه الجامع .. مسرد
یخیط .. مستحه .. جروحه
ويلم .. من الدرابین
القديمه .. مراد
يستر كل عري بروحه
ولگينه الناس ..
لايحها نزيز العيب
ومگشر طعمها
وما الها ... ملوحه
وردت یل مدري شسمك
والاسامي شراع
بيد الريح مرجوحه
اورجنك ردت .. بالعيب
چفه لحدر سابع طین
نزّل سوم .. اليلوحه
وصبغنه ارواحنه شجم لون
بس بيهن حزن مطبوع
يركض دوم .. ما ..ريٌض
صحنا .. هنا .. يل تشوفون
اما بعيونکم شي لاح ..
لونه .. ابيض ؟
أما بينت هلهوله ؟
لمن تخطي اعله راگ البال
كون بلا تعب .. تنکض
ولا صورة عرس مرت؟
مطر بيها الفرح عمره
لحد ما كل ... گلب فيض
وانه براسي النشد يفتر
ينام براسي طاري النوم
بس النشد .. ما غمض
ولا منهم جواب .. يبوح
يتعنه وصداه بزود
من يفوت .. يتلمض
شكبر بينه السؤال هواي ..
ما گده .. اعله لچمتنا
ويجيس شبينه من أغماگ
من گد .. ما نفتنا الناس
دورنه وطن .. ینلاح
بین عیونه وینضاگ
دورنه الیلمنه بشوگ
مو نبقى .. درب للروج
يطوينه رمل .. عالراگ
حتى انوب
أفصّلك اسم .. مهيوب
وي عنبر غلاتك لاگ
وافرغ من سطو اوهامي ..
وأشد أحلامي لعيوني
و لا یمك .. تجي وتنباگ
وارجع لأسمك بحیلي
انا وذیچ الجروح سباگ
ردنه نشوف اسامينه
ضوه يلوگ بجناسي الروح
من أتغیم وتشتاگ ؟
************************************
الصفحة الحادية عشر
جديد جاسم عاصي وقاسم حسين صالح وجابر خليفة
- العائد من غفوته/ رواية، متوالية الناصري/ ما آلت اليه المخطوطة على يد الناسخ/ رواية، العمارة المفهوم والرؤى/ قراءة في عمارة زها حديد. ثلاثة كتب هي آخر ما صدر للقاص والناقد الاستاذ جاسم عاصي، والذي كان قد تحدث عن تجربته الفكرية والابداعية في "بيتنا الثقافي" في بغداد مؤخراً.
- وثلاثة كتب اخرى هي آخر ما اصدره د. قاسم حسين صالح وهي: "حكايات شيوعية واخرى عن الناس والوطن/ اصدقاء كبار فقدناهم/ الثقافة والمثقفون في العراق من منظور سيكولوجي. د. قاسم، تحدث مؤخراً عن تجربته والرؤى السايكولوجية في احدى الفضائيات العراقية.
- كما صدرت رواية "طريدون" للروائي جابر خليفة جابر في جزأين، الاول "كتاب اللوحة" والثاني "كتاب الباخرة" عن دار غاف الاماراتية.
************************************************
عن الفلسفة .. الطيران في قفص !
جمال جاسم أمين*
قبل أيام انشغل بعض المثقفين بمناسبة تدعى "يوم الفلسفة" وهناك ايام أُخر مثل "يوم الاب" و "يوم المرأة" الخ لكن لعنوان الفلسفة إغراء خاص و ليومها مذاق اخر ربما يُقصد أو يراد من يومها تذكيرنا بأهميتها و جدواها ، أو السؤال عن جدواها ، هل ما زالت لها جدوى في عالم مشاغب و زئبقي كالذي نعيشه ؟
حضرت ندوة بهذا الصدد و دارت نقاشات قريبة من هذا المحور لكنني الان احب ان ابعث السؤال مجددا و بطريقة أخرى : ماذا نريد من الفلسفة؟ هل ما زالت درسا أكاديميا عفى عليه الزمن ام هي حاجة فعلية في راهن حياتنا ؟
قبل قرون هوجمت و أحرقت كتب الفلاسفة بل دخلت في تعارض تاريخي مع اللاهوت حتى وصفت ب (التهافت) حسب تعبير الغزالي و ها نحن اليوم نعود لدراستها في جامعاتنا .. ترى كيف ستكون هذه الدراسة في ظل هذا المناخ المتخم برفضها وعدم قبولها بالمرة و إلى درجة القول "من تمنطق تزندق"!
يبدأ التعليم في مراحله الأولى بتلقين التلميذ مباديء يصعب محوها مستقبلا أو حتى مراجعتها من باب أن "العقل يحتله الأسبق" حسب تعبير الكاتب السعودي ابراهيم البليهي و بعدئذ نطلب من طالب الفلسفة أن يتعلم التفكير النقدي و ثقافة الفحص و السؤال و المراجعة و كيف يضع الأمور كلها موضع شك وصولا إلى يقين معرفي قائم على الاستدلال لا على الغيبيات و استدعاء الخبر ..
ترى كيف ينسجم هذا الأداء ؟ كأننا هنا نتعلم الطيران في قفص !
أليس من الواجب أن لا ننسج القفص أصلا كي يبقى خيار الطيران متاحا ؟
المفارقة هنا كبيرة لكننا نعبرها بهذيانات أكاديمية و هلوسات لا تعير اهتماما للأسئلة الجادة و المعوقات الحقيقية التي ينبغي مداولتها بوضوح .. هل يمكن الاستغناء عن الفلسفة فعلا ؟ أليس كل مرافق الحياة يحتاج الى مغزى و هدف هو المعادل الخفي لفكرة الفلسفة ؟ .. التعليم يحتاج إلى فلسفة و الاقتصاد و التربية و الاعلام و سائر المرافق الأخرى التي نمارسها غالبا دون الإنتباه إلى اين نحن ماضون !
هل هذه المزاولات ذات جدوى ، هل أدركنا مقاصدها العامة و الخاصة على السواء ؟
في الغالب تشغلنا العادة عن التفكر و نسبح في بركة من الرتابة بل البلادة و التنميط بدلا عن السؤال وللاسف صار كره السؤال واحدا من عاداتنا المعرفية ! و ذلك بسبب تخمة الأجوبة التي نحقنها في (جثة ) الكائن منذ ولادته الاولى !
إذن اين نضع الفلسفة ؟
اين نضع السؤال ؟
هل ثمة فيلسوف ! .. احيانا نتحدث عن مفكر و ربما نقصد الفيلسوف ، هذه مداورة متعبة لكنها ضرورية لتجنب الوقوع تحت طائلة ،، تهافت ،، الغزالي و كل الفكر الأحادي الذي جاء بعده ، الفكر صانع الأسئلة حتما و الذي يضع البديهيات كلها موضع سؤال ،، لا شيء بديهي أو ثابت بل التغيير هو السمة و هو الحياة الأكثر قربا الحياة .
لهذه المناسبة .. كيف ننعش الفلسفة ، ننعش السؤال ؟ نحتاج إلى طاولة حوار طويل و مكاشفات جادة يتصدى لها مثقفو المعنى لا المزاولة العابرة .. نأمل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*ناقد، رئيس تحرير مجلة "البديل" العراقية.
***************************************
الموسيقى والغناء: الهوية الثقافية للمجتمع
فلاح المشعل
يتواصل الجدل الثقافي والجمالي بين تيارين اجتماعيين، أحدهما ماضوي والآخر حداثوي، حول أهمية الموسيقى والغناء وموقعهما بين الحِلّ والتحريم. هذا الجدل يعكس ارتداداً في الوعي المجتمعي، ناجماً عن تجاوز دعاة التحريم لمعنى حضاري وجمالي راسخ، مفاده أنّ الموسيقى والغناء جزءٌ أصيل من هوية المجتمع وثقافته. فمعيار الجمال ليس ثابتاً أو نهائياً؛ الثابت الوحيد هو المتذوّق للجمال ودرجة إحساسه به. فهناك من يرى جمال الشرق المتخم بروحه وتنوعه أعمقَ وأجمل من جمال الغرب وتقنياته الحديثة. ولا وجود لثوابت مطلقة في الذائقة الجمالية، فالجمال يتبدل بتغير البيئة والمعارف، وتبقى قيمته قائمة على علاقة المتلقي به، وعلى وعيه الجمالي وما يحمله من رهافة إحساس. الثقافة أيضاً وجهٌ من وجوه الجمال.
فهذه الشجرة، مثلاً، يراها الإنسان العادي مظلّة تقي سيارته من شمس الصيف الحارقة؛ وهي نظرة نفعية محضة. لكن الفنان التشكيلي يراها تحدياً جمالياً في اللون والضوء، يحاول محاكاته وإعادة إنتاجه. أما الشاعر فيتخذ منها مسكناً لمخياله ومحطة هروب معلّقة فوق الأرض، فيما يراها الخبير الزراعي منظومة حياة كاملة: تُنتج الأوكسجين، وتُرطب الهواء، وتُثمر. وللشجرة مظاهر عديدة، تتبدل بتبدل الفصول، وتتغير تأثيراتها من موسم لآخر، دون أن تعير اهتماماً لنظرات الآخرين؛ فهذه طبيعتها.
وترتقي قيمة الشجرة الجمالية بقدر من ينظر إليها، مثلما ترتقي قيمة الجمال الأنثوي الذي خلقته الطبيعة بتنوع يفوق تنوع الأشجار نفسها.
الثقافة الجمالية تُكتسب بالمراس وتدريب الحواس، وأعتبر ــ من خلال تجربتي ــ أن الموسيقى هي القاعدة الأولى لهذا التدريب، بخلاف ما ذهب إليه كبار الفلاسفة، وفي مقدمتهم هيغل في موسوعته الجمالية، حين جعلوا الرسم أسبق من الموسيقى لأن الإنسان القديم رسم قبل أن يعزف ويغني.
أمّا أنا فأرى أن الموسيقى والغناء ــ بكل طبقاتها ــ يشكّلان هوية المجتمع، تماماً كما تشكل اللغة جزءاً من هويته. ومن السهل أن تميّز الموسيقى الغربية الكلاسيكية من الموسيقى الشرقية والعربية، مثلما يسهل تمييز الموسيقى الأفريقية من موسيقى المتوسط الأوروبية، والهندية من الروسية. ذلك لأن الموسيقى تحمل معها بصمة البيئة والموروث، وتبثّ روح المكان في نغمها وإيقاعها.
على العكس من الفنون التشكيلية التي تخضع لمدارس فنية عالمية، تجعل لوحات الانطباعيين أو التكعيبيين أو السرياليين متشابهة مهما اختلفت أوطان رسّاميها.
الموسيقى تتفاعل مع المتلقي عبر موروثه البيئي، ولذلك يمكنك بسهولة أن تميز موسيقى الفرس عن الهنود والعرب والكرد.
فالإيقاع الأفريقي، على سبيل المثال، له بناؤه الخاص وأوزانه وسرعاته المختلفة عن الإيقاع الآسيوي، بينما تعتمد الموسيقى الغربية على قوة الإحساس، وكثافة التعبير اللوني، والبناء النغمي المتحرك الذي يعكس طبيعة الحياة هناك. ولهذا يستطيع المستمع المتخصص أن يميّز هوية الموسيقى وانتماءها دون عناء.
***************************************
فرانكشتاين والوجه الآخر للتكنولوجيا
نجاة تميم
من إخراج Guillermo del Toro ، تعرض، ابتداءࣧ من 23 أكتوبر 2025، على شاشات السينما نسخة جديدة من الرواية الموسومة "فرانكشتاين"، للكاتبة الإنجليزية ماري شيلي Mary Shelley(1797- 1851).
يبدو أن هذه الرواية، التي تعد أول رواية خيال علمي في العالم، بعيدة النظر؛ فالمنتجات البشرية والتكنولوجيا ليست دائما في خدمة الإنسان.
ففي صيف عام 1816، كان الطقس سيئا. ومكان العمل هو الفيلا السويسرية ديوداتي للورد بايرون. هذا الأخير دعا ضيوفه لإقامة منافسة من أجل كتابة أفضل قصة رعب أو ما شابه. يبدأ الضيوف بالعمل على الفور، باستثناء ماري شيلي، التي لم يكن لديها أي إلهام. فبعد تفكيرها لأيام، حلِمت شيلي بأن عالِمًا خلق كائنا حيًّا، أي شخصية عملاقة مثيرة للاشمئزاز، ثم ارتعب من تبعات ابتكاره. تطور هذا الحلم ليصبح في وقت لاحق قصة روايتها، قصة رعب؛ "فرانكشتاين" التي اصبحت الأكثر شهرة على الإطلاق. نشرتها يوم 1 يناير 1818، وهي تبلغ من العمر العشرين ربيعا.
ومع ذلك ، فإن هذه الرواية هي أكثر بكثير من مجرد قصة رعب. إنها أيضا انعكاس مقنع للعلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا، حيث اعتمدت شيلي على العديد من المصادر الفلسفية. كانت تدرك ذلك جيدا بفضل خلفيتها الثقافية والبيئة التي ترعرعت فيها. كان والدها الفيلسوف ويليام جودوين ليبرتاريا، كما أنه كان ينظر إلى العلم على أنه القوة التي جلبت التقدم والخلاص. أما والدة شيلي فهي ماري ولستونكرافت، التي قدمت ترجمة نَسَوية لمُثل الثورة الفرنسية في كتابها الموسوم "الدفاع عن حقوق المرأة "(1792). وبهذا، فماري الشابة تلقت الفلسفة منذ نعومة أظافرها- وخاصة فلسفة التنوير الأكثر راديكالية.
التقدم العلمي
إن هذا الإرث الفكري لشيلي تم الكشف عنه في العنوان الفرعي لكتابها. ففي كثير من الأحيان، كان يتم حذفه. وهذا ليس انتهاكا للقاعدة القائلة بأن النصوص يتم تسليمها كما أراد المؤلف، بل قد يؤثر، هذا العنوان الفرعي، في طريقة تأويل الشخصية الرئيسة، فكتور فرانكشتاين. كانت رؤية شيلي لبطل الرواية مجسدة في العنوان الفرعي: "العالم الشاب فيكتور فرانكشتاين، بروميثيوس العصرالحديث". وهذا التوصيف يعود إلى إيمانويل كانط، الذي كان يعني به الأمريكي بنجامين فرانكلين (1705- 1790)، الذي، بالإضافة إلى كونه أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، كان عالما طبيعيا، ناشرا ومخترعا.
اشتهر المشهد الذي أطلق فيه فرانكلين طائرة ورقية متصلة بجرة لَيْدن خلال عاصفة رعدية عنيفة. وتعود تسمية جرة ليدن إلى جامعة لايْدن الهولندية العريقة، التي استخدمتها لأول مرة (1745) وذلك للقيام بتجارب على الكهرباء. وبهذه التجربة، كان هدف فرانكلين إثبات أن البرق مشحون كهربائيًا. لقد حاكى ما كان في السابق وحده بروميثيوس الأسطوري قادرًا على تحقيقه؛ جلب النار من السماء إلى الأرض. وبهذا، استطاعت البشرية التحكم في مصيرها.
بروميثيوس ألهم، أيضا، فرانكشتاين، الذي يقضي الليالي في مختبره، لخلق مخلوق يشبهه - بل ويتخيل نوعا جديدا. جاءت هذه الخطة الجريئة أثناء دراسته في جامعة إنغولشتات في بافاريا. يقدم له أساتذته مزيجا من النصوص الفلسفية والعلمية. هذه هي الطريقة التي يتواصل بها فرانكشتاين مع "الفلاسفة الطبيعيين"، الذين، وفقا لمعلمه، اكتسبوا قوة جديدة غير محدودة تقريبا؛ يرتفعون إلى السماء، ويمكنهم محاكاة الزلازل وما إلى ذلك.
كانت الفلسفة الطبيعية بمثابة مقدمة لما نسميه الآن العلوم، والتي استخدمت التجارب لفهم طبيعة الطبيعة. اليوم، تُعتبر الفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء تخصصات منفصلة، ولكن في ذلك الوقت، كانت دراسة الطبيعة لا تزال حكرًا على علماء الطبيعة البشرية homines universales (الكونيون)، أمثال فرانسيس بيكون وروبرت بويل. ورغم تأثير هؤلاء العلماء، لم تُصبح رواية فرانكشتاين حجةً مُشجعةً حول التأثير المفيد للعلم؛ وهو ما يجعل شيلي تنأى بنفسها عن والدها، الذي يتبنى موقفاً أكثر تعصباً في هذا الشأن.
سحر
بالإضافة إلى الفلاسفة الطبيعيين، يقرأ فيكتور فرانكشتاين، في أيام دراسته، أيضا فلاسفة من أواخر العصور الوسطى وأوائل عصر النهضة، مثل ألبرت ماغنوس وكورنيليوس أغريبا وباراسيلسوس. شارك ماغنوس في الكيمياء والسحر وعلم التنجيم. كان أغريبا مؤلفا لكتاب عن السحر والتنجيم في الفلسفة. لم يكن باراسيلسوس مخترع الأبجدية لوصف التعويذات فحسب، بل كان طبيبا وادعى أنه من الممكن خلق حياة بشرية وأعطى تعليمات لها.
يقبل فرانكنشتاين تحدي باراسيلسوس. ولهذا الغرض، يجمع عظامًا من مقابر الموتى ومواد أخرى من غرفة التشريح والمسلخ. ففي فقرات تُعدّ من أكثر الروايات القوطية تأثيرًا، تصف شيلي كيف ينغمس بطلها ببطء ولكن بثبات في مشروعه. بالكاد ينام، ويُصاب بالحمى، ويعاني من توتر مرضي. مع أن فرانكنشتاين كان يحلم بتحسين البشرية، إلا أنه في الواقع خلق "شيئًا لم يكن ليتخيله". خلق وحش – "الوحش".
نظرا لأن فصول وسط الرواية مكتوبة من منظور الوحش، نعلم أنه، في بدايته، مخلوق جيد، وذو مشاعر وإحساس. ولكن بمجرد أن يحاول التواصل مع الناس، فإنه يصطدم بجدار من الاشمئزاز بسبب مظهره. إثر ذلك، أصيب بخيبة أمل، ثم غضب لاحقا وانتقم من فرانكشتاين بقتل أحبائه. هكذا، يشرح انحطاطه الأخلاقي: "كنت خيِّرا وصالحا، لقد جعل البؤس مني شيطانا".
يبدو أن شيلي قرأت كتاب جان جاك روسو "إيميل" (1762)، في نفس العام، الذي فُرضت رؤية فرانكشتاين عليها؛ فنعلم أن الوحش كان يومًا ما متوحشًا نبيلًا، لكن المجتمع أفسده. ولكي يغير سلوكه، طلب من خالقه أن يخلق له شريكة. وإلا، فسيستمر في القتل. يرفض فرانكشتاين خلق شريكة له، فينفجر الوحش غضبًا ويذكِّره بديناميكيات السلطة. "أنت خالقي، وأنا سيدك؛ أطِعني!"
اعتبرت رواية "فرانكشتاين" انعكاسًا للمخاوف الثقافية والعلمية في ذلك الوقت، حيث أثارت الثورة الصناعية والتقدم العلمي تساؤلات حول الحدود الأخلاقية للاستكشاف العلمي. ولا تزال الرواية ذات صلة اليوم، مما أثار نقاشات حول عواقب الطموح الجامح والرفض المجتمعي "للآخر".
كما أن التعديلات المهمة لرواية فرانكشتاين تشمل العديد من النسخ السينمائية، منها النسخة الشهيرة لعام 1931 التي أخرجها جيمس ويل، والتي جسد فيها بوريس كارلوف دورَ الوحش، بالإضافة إلى تفسيرات حديثة مختلفة في الأدب والسينما ووسائل الإعلام الأخرى التي تواصل استكشاف موضوعات شيلي في سياقات جديدة.
تبقى رواية "فرانكشتاين" عملا أدبيا يستحق التقييم بناءً على مزاياه. هذا لا يغير من حقيقة أن شيلي، عشية الثورة الصناعية، رأت سمة جوهرية في التكنولوجيا، التي كرّس لها ثيودور أدورنو وماكس هوركهايمر أعمالهما الرئيسية النقدية، بعد أكثر من قرن.
**********************************
الباب
ميروسلاف هولوب*
ترجمة/ سهيل نجم
اذهب وافتح الباب.
ربما ترى في الخارج
شجرة، أو غابة،
حديقة،
أو مدينة سحرية.
اذهب وافتح الباب.
ربما ترى كلبًا يبحث في الأمكنة عن كثب.
ربما ترى وجهًا،
أو عينًا،
أو صورة
لصورة.
اذهب وافتح الباب.
إذا كان هناك ضباب،
فسينجلي.
اذهب وافتح الباب.
حتى لو لم يكن هناك
سوى الظلام يدق،
حتى لو لم تكن هناك
سوى الريح الفارغة،
حتى لو لم يكن
هناك شيء،
اذهب وافتح الباب.
ستتنفس
على الأقل
تيار هواء
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* شاعر تشيكي شهير
**************************************
الصفحة الثانية عشر
في {بيتنا الثقافي} عن {العقل العام وسلطة المجتمع}
بغداد – طريق الشعب
ضيّف منتدى "بيتنا الثقافي" في بغداد السبت الماضي، د. طه آل يس، الذي ألقى محاضرة بعنوان "العقل العام وسلطة المجتمع: إرث التنوير الكانتي"، وذلك بحضور سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الرفيق رائد فهمي، وجمع من المثقفين والمهتمين في القضايا الثقافية والفكرية.
المحاضرة التي احتضنتها قاعة المنتدى في ساحة الأندلس، أدارها السيد سعدون هليل، واستبقها بتقديم سيرة الضيف، وبالحديث عن أهمية هذه المحاضرة في ظل التحولات الفكرية والاجتماعية الراهنة.
وفي محاضرته، تناول د. آل يس محاور فكرية عدة، أبرزها مفهوم العقل العام كما صاغه فلاسفة التنوير، ودوره في تشكيل النقاشات العامة وصنع المواقف الأخلاقية في المجتمع.
ثم ألقى الضوء على إرث الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت (1724 – 1804) في الفكر التنويري، خاصة مفهوم الاستقلال العقلي وجرأة استخدام العقل في المجال العام.
وعرّج المحاضر على موضوع سلطة المجتمع على الفرد، وكيفية نشأة هذه السلطة عبر الثقافة والأعراف، مشيرا إلى تأثيرها على حرية التفكير والتعبير.
كما تطرق إلى التوتر بين حرية العقل العام ومتطلبات النظام الاجتماعي، وإلى كيفية خلق توازن يمنع الاستبداد الفكري أو الانغلاق الاجتماعي.
فيما تحدث عن الفرد كمواطن عاقل، وفق "الرؤية الكانتية"، وتطبيقات تلك الرؤية في الواقع المعاصر على مستوى الدولة والمجتمع، مشيرا أيضا إلى آفاق العقل النقدي ودوره في مواجهة خطاب العنف، والتعصب، والامتثال غير الواعي، عبر نشر ثقافة التنوير.
وشهدت المحاضرة نقاشًا ثريًا، طرح فيه عديد من الحاضرين أسئلة ومداخلات أثرت الموضوع، وعقّب عليها المحاضر بصورة معمقة.
وفي الختام، قام الرفيق رائد فهمي شهادة تقدير باسم المنتدى إلى د. طه آل يس، تثمينا لجهوده العلمية ومساهماته في تنشيط الحوار الفكري.
*******************************************
{حين تُغنّي عشتار} في ستوكهولم
ستوكهولم - محمـد الكحـط
شهدت العاصمة السويدية ستوكهولم، الأسبوع الماضي، حفلاً غنائيا موسيقيا عراقيا، أحيته "فرقة بين النهرين" تحت عنوان "حين تُغنّي عشتار".
الحفل الذي أقيم على قاعة "هالّوندا فولكيتس هوس"، حضره جمهور واسع من أبناء الجاليتين العراقية والعربية، وممثلون عن السلك الدبلوماسي في السفارة العراقية.
وقدمت الفرقة، بقيادة المايسترو محمد عدنان، وبأصوات كورالها النسائي ونغمات عازفيها، أغنيات عراقية وعربية وكردية متنوعة، فضلا عن وصلة "جوبي"، وغناء منفرد إضافة إلى الجماعي.
وكان الوطن حاضرا في الحفل. حيث كان مسك الختام مع أغنية "كلنا العراق"، التي تفاعل معها الحاضرون وصفقوا لها طويلا. فيما قدم بعضهم باقات ورد إلى أعضاء الفرقة والمايسترو، تعبيرا عن الامتنان.
*************************************
{مرايا الشعر} في اتحاد الأدباء
متابعة – طريق الشعب
وسط جمع من الأدباء والمثقفين، عقد نادي الشعر في الاتحاد العام للأدباء والكتّاب، السبت الماضي، جلسة بعنوان "مرايا الشعر"، شارك فيها الشعراء د. رعد البصري وأحمد حسن مكطوف وعدي السراي ووليد البغدادي.
الجلسة التي التأمت على قاعة الجواهري في مقر الاتحاد، أدارها الشاعر حماد الشايع. واستبقها بالإشارة إلى أن هذا النشاط يأتي لكشف تحوّلات القصيدة العراقية المعاصرة، ولإيجاد مساحة يرى فيها الشعر العراقي نفسه من خلال مرايا أربعة شعراء يمثلون اتجاهات مختلفة في الكتابة.
الشاعر البصري استهل القراءات الشعرية بقصيدة ارتكزت على ثنائية الوجود والبحث عن المعنى، معبرا عن قلق الإنسان الحديث ومحاولاته الدائبة لإعادة تعريف نفسه وسط عالم مضطرب.
أما مكطوف، فقد قدّم نصوصاً تميل إلى التجربة الحياتية المفعمة بالإحساس، وتقارب تفاصيل الإنسان اليومية وتحوّلاته الداخلية.
وفيما جاءت قصائد السراي مركزة على كسر الإيقاع التقليدي وبناء صور حداثية نابضة بالحركة والتمرد، قدم البغدادي نصوصاً اشتغل فيها على الرمز والسرد الشعري، مستحضراً المكان العراقي بوصفه ذاكرة جمعية تجسد علاقة الإنسان بأرضه وتاريخه.
وفي إضاءة نقدية، تناول د. اياد الحمداني جوانب متعددة من النصوص التي قُدمت في الجلسة، مبينا أن "عددا من تلك النصوص اتسم بطابع الأصالة ورسوخ البنية الشعرية. بينما برز في نصوص أخرى استخدام واضح للتدوير والضرورة الشعرية بوصفهما أدوات بنائية تستحضر تقاليد الشعر العربي وتعيد توظيفها في سياق حداثي".
وأشار إلى أن "القصائد قدّمت مزيجاً متنوعاً من الصور الشعرية، بعضها مبتكر يتكئ على الحس التجريبي والانزياح اللغوي، وآخر تقليدي وكلاسيكي يستدعي الإرث الشعري بوصفه مرجعية جمالية لا تزال فاعلة في تجربة الكثير من الشعراء".
وخلص الحمداني إلى أن "القصيدة العربية، كما تجلت في هذه القراءات، أصبحت صدى لقصيدة النثر من حيث اعتمادها على السردية والتمثيل البصري واللقطات السينمائية التي تمنح النص حركة داخلية، وتشكيلًا جديداً للمشهد الشعري".
***************************************
معاً لبناء بيت الحزب.. بيت الشعب
دعماً للحملة الوطنية لبناء مقر الحزب الشيوعي العراقي، تبرع الرفاق والأصدقاء:
• حسين الخزاعي (للمرة الثالثة) 100 دولار
• مثنى حميد 100 دولار
الشكر والتقدير للرفاق والأصدقاء على دعمهم واسنادهم حملة الحزب لبناء مقره المركزي في بغداد.
معاً حتى يكتمل بناء بيت الشيوعيين.. بيت العراقيين.
***************************************
ليس مجرّد كلام.. ياويلكم.. لقد سرقتم فرحَنا..!
عبدالسادة البصري
قبل أيام وأنا أستقلّ سيارة أجرة، كان السائق متذمّراً يلعن الساعة التي وُلِدَ فيها في العراق. سألته: لماذا ؟! أجابني: منذ مجيئنا لهذه الحياة ولحد اللحظة هذه، ماذا جنيناه حتى نعاقب في كل شيء ؟! وأكمل : لم نرَ لحظة سعادة واحدة في هذا البلد، كلها حروب وخوف واعتقالات وحصار وما جرى علينا في ظل حكم الطاغية، الى خراب ومن سيّءٍ الى أسوء في ظل الفاسدين !!
كنّا نمنّي النفس بأن تنزاح الغمّة، وتشرق شمس الحرية والسعادة، لكنّنا أصبنا بالإحباط واليأس بعد ذلك، وتبددت الفرحة في دهاليز أكثر ظلاما، فما أن سقط النظام الفاشي غير مأسوف عليه حتى طلعت علينا ثعابين الأرض وعقاربها وثعالبها ودودها، لتنخر كل جزيئة في بلدنا، بالفساد والطائفية والمحاصصة وشراء الذمم، وكأنهم جاءوا "متحلّفين" بنا، حاملين نذراً في أعناقهم أن يذيقونا الذلّ والهوان، ويهدموا كل شيء، بل ويحرمونا من أبسط حقوق العيش في بلد يمتلك من الخيرات ما لا تمتلكه بلدان اخرى أبداً، من النفط إلى الماء، ومن الزراعة الى الصناعة، ومن التاريخ الى السياحة بكل أشكالها، والتي ينظر إليها الناس في كل بقاع الأرض بإعجاب !!
لم يتركوا شيئاً إلاّ ونهبوه، أوقفوا الزراعة، وجعلونا نستورد حتى الفجل والكرفس، وعطّلوا الصناعة فصرنا نستورد حتى علب الماء العذب، وهدّموا كل مَعْلَم يسكن ذاكرة الناس بحجّة التعمير، ولكن لا بناء ولا هم يعمّرون، وجرّفوا الأرض الزراعية فحوّلوها الى قطع اراضٍ سكنية، كذلك بدأ الاقتصاد بالتنازل، من موازنات انفجارية كل واحدة منها تبني عشرة بلدان متطورة في كل شيء، إلى اقتراض وديون من هنا وهناك لسد العجز المالي، وسرقات مالية وصلت الى أعلى نسبها لتوصف بسرقات القرن، حتى وصلت الى رواتب الموظفين والرعاية الاجتماعية أو تأخير دفعها شهرا بعد آخر، ليصبح مجموع ما يستلمه الموظف خلال السنة عشرة رواتب فقط، وما الى ذلك من أمور غريبة عجيبة !!
أيعقل هذا ؟! الموظف المتقاعد وكذلك الفقير المعتمد على راتب الرعاية وعائلته ينتظرون على أحرٍّ من الجمر استلام الراتب ليقسّموه على عدة مفاصل تدفع بمعيشتهم أياماً، وهم ــ أقصد المتسيّدين بالصدفة على رقابنا ــ نائمون في العسل، رواتبهم الخيالية تصلهم أول بأول !! ولا يتأخر دينار واحد منها ابدا !! أو بالأحرى غير محتاجين لها، لأن هناك طرقاً وأساليب اخرى تأتي لهم بالمال من كل جانب، وما خفي أعظم !!
أي ساسة هؤلاء ؟! وأي حكّام ابتلينا بهم ؟! لا يراعون حرمة الإنسان، ومَنْ يتظاهر مطالباً بحقّه أمّا أن يُقتل أو يُعتقل أو يُختطف غدراً أو تقام ضده دعوى كيدية! ولا أريد الإطالة لأن أحلامنا انفرطت كحبّات المسبحة بسبب فسادهم!
ونقولها بملء الفم: انتبهوا لحالكم أيها الجالسون على الكراسي وفكّروا بالناس والوطن، وتذكّروا أنكم ذاهبون طال الزمن أو قصر، مهما لعبتم وكيفما تلاعبتم، واقرأوا التاريخ جيداً، فحينها لات ساعة مندم!
************************************
قف.. السلطة والذباب
عبد المنعم الأعسم
حينما ينعم الحاكم في أي دولة بالترف والنعمة، تلك الأمور تستقطب إليه ثلة من المرتزقين والوصوليين الذين يحجبونه عن الشعب، ويحجبون الشعب عنه.. هذا الكلام ليس من كاتب السطور.. بل هو مُجتزأ من "مقدمة" ابن خلدون ذائعة الصيت، ولعل الذين يكتفون بهذا المُجتزأ، ولم يقرأوا تلك المقدمة كاملة يبرئون صاحب السلطة من ظنة استقطاب "المرتزقين والوصوليين" فان الاخيرين يحتشدون على بابه، أو يتزلفون له، او يحاصرونه بالشفاعات والتوسطات، لكن المؤرخ وعالم الاجتماع الرائد يفتح قوسا خطيرا في مداخلته بحيث يقترب من تحميل السلطويين مسؤولية تكريس ثقافة الاستخذاء وتشجيع الاستزلام بقوله ان المقربين بعد ذلك "يصلون له الاخبار أكذبها، ويصدون عنه الأخبار الصادقة التي يعاني منها الشعب" وترجمة ذلك ان الحاكم اصبح عرضة للسقوط في فخ التضليل، وصار على مرمى من هاوية الحكم الاستبدادي، عن رغبةٍ مصممةٍ، او عن غفلةٍ بريئة.. ثم .. كما يقرر ابن خلدون بالنص قائلاً: "يقلِب (الحاكم) توجسه وغيرته على شعبه إلى خوف على مُلكه، فيأخذهم بالقتل والإهانة".
الى ذلك، وحتى الان، نحن نتحدث عن الحاكم الذي جاء الى سلطة القرار بنيّة أنْ ينآى بنفسه عن مفاسد الحُكم واغواء الطغيان، ثم يجد نفسه داخل حاشية مدرّبة، أحالها ابن خلدون، في موقع آخر، الى حال الذباب مع الدبق.
:قالوا*
"إذا لم تخشَ عاقبةَ الليالي ...
ولم تستحِ فافعلْ ما تشاءُ"
ابو تمام
*************************************
يوميات
دعا منتدى {بيتنا الثقافي} الى جلسة استذكار للفنان الكبير الفقيد سامي كمال، يشارك فيها الفنان حسن بريسم والناقد سامر المشعل، ويديرها الفنان ستار الناصر.
تبدأ الجلسة في الساعة 11 من قبل ظهر السبت القادم 6/12/2025 على قاعة {بيتنا الثقافي} في ساحة الاندلس ببغداد.
******************************************
عدد جديد
من النصير الشيوعي
عن رابطة الأنصار الشيوعيين العراقيين، صدر أخيرا العدد (41) كانون الأول 2025 من جريدة "النصير الشيوعي".
ضم العدد أخبارا وتقارير عن نشاطات الرابطة في العراق والخارج، وكتابات عن مسيرة الحركة الانصارية وشهدائها، غطت جميعها 12 صفحة ملوّنة.
****************************************
طاولة {طريق الشعب} في قضاء الحي
الحي – طريق الشعب
بادر الرفيق علي عبد ياسين (أبو تحسين)، إلى تنظيم طاولة إعلامية في إحدى زوايا كافيتيريا "ما شاء الله" في "شارع التأميم" وسط قضاء الحي جنوبي واسط، وذلك خلال مراسيم افتتاح الكافيتيريا.
ووضع الرفيق على الطاولة أعدادا من "طريق الشعب" وبعض المجلات والكتب الثقافية من أدبيات الحزب، ليوزعها على الزبائن.