الصفحة الأولى
العجز الحكومي يعزز الفساد ويضعف ثقة المواطن جباية تتصاعد وخدمات تتراجع أين تذهب أموال الضرائب والرسوم في العراق؟
بغداد – تبارك عبد المجيد
رغم الأعباء المالية المتزايدة التي يتحملها المواطن، نتيجة ارتفاع الضرائب والرسوم المباشرة وغير المباشرة المفروضة على مختلف الخدمات والمعاملات الرسمية، لا تزال البنى التحتية لمختلف القطاعات الخدمية في وضع مترد، والخدمات الحكومية الاساسية شبه غائبة.
ضرائب بلا خدمات حقيقية
يقول عضو اللجنة القانونية النيابية، عبد الكريم عبطان، أن "من غير المنطقي أن تستمر الدولة بفرض رسوم دون توفير الحد الأدنى من البنى التحتية أو الخدمات الأساسية"، مؤكداً أن "الضرائب كلها يتوجب أن تفرض وفق مستند قانوني".
وأضاف أن "الإطار القانوني لفرض الضرائب والرسوم موجود ضمن القوانين النافذة، لكن الإشكالية تكمن في سوء تطبيق هذه القوانين، أو في عدم توجيه هذه الإيرادات بالشكل الصحيح الذي يضمن عودة النفع للمواطن".
وأشار إلى أن "المواطن يدفع مبالغ مالية لقاء خدمات – كمولدات الكهرباء مثلاً – لكنها لا تعمل بالكفاءة المطلوبة، ما يزيد من معاناته ويثير تساؤلات حول جدوى هذه المدفوعات"، مؤكدا أن "الضرائب يجب أن تقابل بخدمة فعلية، كالماء، والكهرباء، والنظافة، والتأمين الصحي والتعليم، وغيرها من الخدمات الأساسية".
وأوضح أن "بعض الدول تستثمر أموال الضرائب في خلق فرص عمل، وتحقيق تنمية اقتصادية، وتحسين البنية التحتية، بينما نجد في العراق ضعفا في هذا الجانب، الأمر الذي يُكرس فقدان الثقة بين المواطن والدولة".
وختم عبطان بالقول "نحن مع دعم استمرارية مؤسسات الدولة، ولكن من الضروري وضع نظام محاسبي شفاف يحكم جباية وإنفاق الأموال العامة خاصة مع وجود تهرب وظيفي، وإيجاد رقابة حقيقية تضمن وصول العائدات إلى مكانها الصحيح، بما يخدم المواطن ويعزز من سيادة القانون".
النظام الضريبي يغذي التهرب!
ويؤكد الباحث الاقتصادي أحمد عيد، أن جباية الضرائب في العراق تعاني من ضعف هيكلي، يعود أساسا إلى الفساد الإداري والتعقيد البيروقراطي، ما يؤدي إلى عرقلة تحصيل الإيرادات ويحد من فاعلية النظام الضريبي.
وأضاف عيد في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "غياب الثقة بين المواطن والدولة يُفاقم من ظاهرة التهرب الضريبي، فحين لا يلمس المواطن أثرا ملموسا للضرائب في تحسين الخدمات، يتراجع التزامه الطوعي بسدادها".
ورأى عيد أن النظام الضريبي الحالي لا يعكس العدالة الاجتماعية، إذ تستغل الشركات الكبرى والأفراد النافذون الثغرات القانونية للتهرب من الضرائب، بينما يقع العبء الأكبر على الطبقات الفقيرة التي لا تتلقى مقابلاً عادلاً، مشيرا الى أن “المواطن لا يشعر بجدوى دفع الضرائب، خاصة في ظل تدني مستوى الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه والصرف الصحي، فضلا عن غياب الشفافية في الإنفاق العام".
وشدد على أن الإصلاح يبدأ بتحديث النظام الرقمي للجباية، ما يساهم في محاربة الفساد وتحسين الكفاءة، إلى جانب ربط الإيرادات بتحسين الخدمات الحيوية، ونشر الميزانيات بشكل دوري وتفعيل آليات المحاسبة، بما يعيد بناء الثقة ويعزز الالتزام الضريبي لدى المواطنين.
المواطن يشعر بالظلم
من جهته، حذر الباحث الاقتصادي عبد الله محمد من اتساع الفجوة بين ما تجبيه الدولة من ضرائب ورسوم سنوياً، وبين ما تقدمه من خدمات عامة، معتبراً أن هذا التناقض ساهم بشكل مباشر في تآكل ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة، وأدى إلى عزوف الكثيرين عن دفع فواتير الكهرباء والماء.
وقال محمد لـ"طريق الشعب"، إن "الحكومة تستوفي تريليونات الدنانير من الضرائب والرسوم سنوياً، لكنها لا تقدم خدمات تتناسب مع هذه المبالغ، لا في قطاع الكهرباء، ولا الصحة، ولا البنية التحتية"، مضيفاً أن "هذا الواقع يدفع المواطن للشعور بالظلم والتهميش، ويُضعف من ثقته بالمنظومة المالية للدولة".
وأضاف أن "الضرائب والرسوم تُحول إلى خزينة الدولة وفق خطط مالية محددة، لكن توزيعها لا يجري بشكل مدروس أو عادل، ولا يُراعي الفروقات والاحتياجات الفعلية للمدن والمناطق العراقية"، مشيراً إلى أن "العديد من الشوارع الرئيسية لا تزال تعاني من الحفر، رغم استيفاء رسوم سنوية من أصحاب المركبات تحت عنوان صيانة الطرق".
وانتقد محمد الزيادات الأخيرة في الضرائب والرسوم الجمركية على المواد المستوردة، واصفاً إياها بـ"غير المدروسة"، وقال: إن "ما حصل مؤخراً من رفع للضرائب تم دون سابق إنذار، مما أضر بالتجار وأربك السوق المحلي، في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية".
وأشار إلى أن ضعف السيطرة على بعض المنافذ الحدودية ساهم في زيادة عمليات التهريب، خاصة مع ارتفاع التعرفة الجمركية، ما أدى إلى خلق سوق مزدوجة تُضر بالاقتصاد الرسمي وتُضعف المنافسة العادلة.
وفيما يتعلق بالإصلاح، دعا محمد إلى ربط الضرائب بتحسين الخدمات، مؤكداً أن "أي نظام ضريبي عادل يجب أن يشعر المواطن بثماره مباشرة، سواء في شكل طرق أفضل أو مستشفيات وكهرباء مستقرة".
كما طالب بتعديل قانون ضريبة الدخل رقم 113 لسنة 1982، واصفاً إياه بأنه "قديم، وغير متناسب مع واقع، ولا يحقق العدالة الاجتماعية".
*****************************************
بيان صادر عن المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي.. بشأن فاجعة حريق {هايبر ماركت الكورنيش} في مدينة الكوت
يعرب الحزب الشيوعي العراقي عن بالغ حزنه وألمه تجاه فاجعة الحريق المروعة الذي اندلع في "هايبر ماركت الكورنيش" بمدينة الكوت، وراح ضحيته أكثر من ستين مواطنًا، بينهم نساء وأطفال، لتُضاف إلى سجل طويل من الكوارث الناتجة عن الإهمال، والفساد، وغياب الرقابة.
إن هذه الكارثة ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من التقصير وغياب إجراءات السلامة العامة، وهي نتيجة مباشرة لتقاعس الجهات الرقابية والتنفيذية عن أداء واجباتها، في ظل منظومة حاكمة لا تعير حياة المواطنين اهتمامًا، وتعتمد الزبائنية والمحسوبية على حساب الكفاءة والمهنية.
ما حدث ليس حادثًا معزولًا، بل هو انعكاس لتقصير حكومي واضح، ونتيجة مباشرة لنهج سلطوي يستهين بحياة الناس، ويهمل أبسط شروط السلامة العامة في المنشآت، في ظل تخادم فاسد بين مسؤولين وأصحاب مشاريع، يكون ثمنه أرواح الأبرياء!
إن غياب الرقابة الصارمة، والتراخي في تطبيق المعايير الهندسية وشروط الأمن والسلامة، يجسد طبيعة السلطات التي حوّلت الإهمال والفساد إلى سلوك ممنهج، وجعلت من حياة العراقيين ثمناً يومياً يُدفع نتيجة استهتار المسؤولين وتواطئهم مع أصحاب النفوذ.
إن الكارثة التي وقعت في الكوت تمثل تعبيرًا صارخًا عن غياب المحاسبة، واستمرار الإفلات من العقاب، وهو ما طالما حذرنا من تبعاته، ونبّهنا إلى مخاطره.
وإذ نحمل في الحزب الشيوعي العراقي السلطات المحلية والاتحادية المسؤولية الكاملة عمّا جرى، فإننا نؤكد ما يلي:
- ضرورة إجراء مراجعة شاملة وفورية لأنظمة وإجراءات السلامة في جميع المنشآت العامة والخاصة، والعمل على تطبيقها بصرامة ودون استثناءات.
- محاسبة جميع المقصرين والمتورطين في هذه الفاجعة، مهما كانت مواقعهم أو انتماءاتهم، ووضع حد لسياسة الإفلات من العقاب.
- تعزيز قدرات الدولة في إدارة الكوارث والحد من تداعياتها، عبر خطط طوارئ فعّالة واستعدادات مسبقة تحمي أرواح المواطنين وممتلكاتهم.
ختامًا، يتقدم الحزب الشيوعي العراقي بأحرّ التعازي إلى عائلات الضحايا، متمنّيًا الشفاء العاجل للمصابين، ويجدد دعوته إلى بناء دولة مؤسسات حقيقية، قائمة على العدالة والمساءلة، تصون كرامة الإنسان وحقه في الحياة الآمنة.
المكتب السياسي
للحزب الشيوعي العراقي
17 تموز 2025
**************************************
راصد الطريق.. الفاجعة لها مقدماتها وأسبابها
في 26 أيار الماضي، أعلنت مديرية الدفاع المدني عبر الوكالة الرسمية عن خطط شاملة للوقاية والسلامة، شملت الكشف المستمر على المشاريع التجارية والصناعية. ثم عادت في 24 حزيران لتطلق حملة موسعة غطّت الأبنية الحكومية، والأسواق، والمجمعات السكنية، مؤكدة إحالة المخالفين إلى جلسات الفصل.
وفي العاشر من تموز الجاري، أي قبل أيام من كارثة حريق "هايبر ماركت الكورنيش" في الكوت، أعلنت المديرية اتخاذ إجراءات استباقية للحد من مسببات الحوادث، شملت استكمال الكشوفات الميدانية، وتجهيز الفرق ورفع جاهزيتها، مع التأكيد على صيانة آليات الإطفاء، وامتلاك المهارات الفنية والعلمية اللازمة للتعامل مع حالات الطوارئ.
لكن، كما في كل مرة، لم تصمد هذه الإجراءات أمام مع أول اختبار حقيقي، فمثلا لجأت فرق الإطفاء خلال الحريق إلى استخدام سيارة ضخ الخرسانة "بُم" بدلًا من آليات الاطفاء! في مشهد يكشف بوضوح حقيقة الاستعدادات ويعيد إلى الواجهة أسئلة قديمة عن جدية خطط الطوارئ، وفعالية الرقابة، والمسؤول عن "الإهمال والقتل العمد" كما اسماه رئيس مجلس الوزراء.
للفواجع الكارثية مقدماتها واسبابها المعروفة، وحتى معروف مسبقا ماذا ستقول لجان التحقيق!
فمتى نقلل من التصريحات ونكثر من العمل الحقيقي؟
********************************************
تردي الخدمات يُلهب الشارع الاحتجاجي
بغدادـ طريق الشعب
تصاعدت وتيرة الغضب الشعبي في محافظة واسط، بعد إقدام متظاهرين غاضبين على إغلاق مبنى ديوان المحافظة، احتجاجاً على ما وصفوه بـ"فشل الإدارة المحلية" في حماية أرواح المواطنين، في أعقاب "فاجعة الكوت" التي خلفت حالة من الصدمة في الشارع الواسطي.
**********************************************
الصفحة الثانية
أزمة دوائية تهدد المستشفيات الصحة النيابية تكشف عن إلغاء عقود بسبب نقص التمويل
متابعة ـ طريق الشعب
كشف عضو لجنة الصحة والبيئة في مجلس النواب، باسم الغرابي، عن وجود أزمة حادة في توفر الأدوية والمستلزمات الطبية لدى وزارة الصحة، عازياً ذلك إلى عدم صرف مستحقاتها المالية من قبل وزارة المالية، ما اضطر الوزارة إلى إلغاء عدد كبير من العقود الخاصة بتوريد الأدوية.
وقال الغرابي، إن "وزارة الصحة ألغت الكثير من عقود شراء الأدوية والمستلزمات الطبية بسبب نقص السيولة المالية"، مشيراً إلى أن "الوزارة بحاجة ماسة إلى الأموال اللازمة لتجديد التعاقدات مع الشركات الصحية لتأمين احتياجات المستشفيات والمراكز الصحية".
وأضاف أن وزارة المالية لم تصرف سوى 25% فقط من التخصيصات المالية السنوية المخصصة لوزارة الصحة، وهو مبلغ غير كافٍ لتغطية النفقات التشغيلية والدوائية، ما انعكس سلباً على توفر الأدوية في المؤسسات الصحية الحكومية.
وحذر الغرابي من تداعيات هذا النقص، لاسيما على شريحة مرضى السرطان الذين يعتمدون بشكل أساسي على الأدوية التي توفرها الدولة.
وطالب باسم الغرابي الحكومة، ممثلة برئيس مجلس الوزراء ووزيرة المالية، بالتدخل العاجل لتوفير الأموال الكافية لوزارة الصحة، وضمان استمرار العقود الطبية وعدم المساس بحياة المرضى نتيجة العجز المالي الحاصل.
********************************************
محلية واسط للشيوعي العراقي: نعزي عوائل ضحايا فاجعة الحريق ونطالب بكشف أوجه القصور
تعرب اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في واسط عن بالغ حزنها ومواساتها بالفاجعة الكبيرة التي ألمت بأبناء وبنات وعوائل محافظة واسط نتيجة اندلاع الحريق في مبنى هايبر ماركت الكوت التجاري والذي راح ضحيته عشرات الوفيات والإصابات والجرحى وتعرض عدد كبير من المواطنين الأبرياء لحالة الاختناق نتيجة تصاعد كثيف للدخان ، وهناك عدد من الجثث المتفحمة غير المعروفة . هؤلاء جميعا ضحايا حادث مؤلم هزّ الوجدان والضمير . أن ما تعرض له أبناء محافظة واسط من حادث مأساوي يشير بوضح تام الى ان هكذا مبان لا تتوفر فيها أبسط شروط الصحة والسلامة المهنية لحماية العاملين والمواطنين ، ويؤكد على فشل الجهات المعنية في توفير مستلزمات الحوادث الطارئة في الأماكن العامة والتجارية . حيث نُحمل الجهات المعنية مسؤولية ما حصل ، نطالب بإتخاذ الإجراءات القانونية والتحقيق الفوري في الأسباب والظروف المحيطة لكشف أوجه التقصير، واتخاذ كل ما يلزم من إجراءات صارمة لمنع تكرار مثل هذه الحوادث.
نتقدم بأحر التعازي والمواساة للضحايا من أبناء وبنات محافظتنا العزيزة ولعوائلهم الكريمة الصبر والسلوان، متمنين الشفاء العاجل للمصابين والجرحى .
اللجنة المحلية للحزب
الشيوعي العراقي في واسط
١٧-٧-٢٠٢٥
*****************************************
محلية المثنى للشيوعي العراقي: الحصول على الكهرباء لا مكرمة ولا هبة من أحد
في كل صيف تتجدد مشكلة الكهرباء وبدون ايجاد اية حلول جدية تعالج هذه المعضلة المزمنة. ومحافظتنا تكتوي بلهيب الصيف مثلها مثل المحافظات الاخرى، لكن الذي يجري ان مدن الاطراف في محافظتنا تتحمل الوزر الأكبر من هذه المشكلة ومنها قضاء الخضر حيث يتم التلاعب بساعات القطع وقضم حصة القضاء مما فاقم المآساة في هذه الأيام اللاهبة. إننا في محلية المثنى للحزب الشيوعي العراقي نعلن تضامننا الكامل مع المعتصمين من أبناء شعبنا امام قائم مقامية القضاء ونطالب بتحسين وتوفير الكهرباء والحصول على حصة القضاء العادلة وعدم الاستقطاع منها لأي سبب كان وتطبيق العدالة في التوزيع في المحافظة وبين المحافظات. لقد عانى القضاء ويعاني منذ سنين طويلة من الاهمال في الخدمات عامة وخصوصا التيار الكهربائي.
أننا نرفض التجاهل للقضاء،كما نرفض المحسوبية والتلاعب في الحصص سواء ما يخص المحافظة او ما يخص القضاء.
كفى اهمالا وتسويفا وفسادا.
محافظتنا ومدنها تستحق الأفضل
محلية المثنى
للحزب الشيوعي العراقي
18/7/2025
********************************************
ومضه.. هل الكهرباء مشكلة عصية على الحل؟!
صبحي الجميلي
قال احد المسؤولين وهو يتحدث عن ازمة الكهرباء التي غدت دائمة مثل شعلة بابا كرر، بأن "المشكلة لدينا ليست مالية او فنية، بل هي الفساد والبيروقراطية والتخبط في الخطط والمافيات في الدولة وخارجها والتجاوزات". وفي وقتها كان هو الشخص الأول في الجهاز التنفيذي. وغطى الغبار هذا التشخيص السليم في وقته، وذهب هذا المسؤول وأتى اخرون وما زالت الناس تعاني. فيما تركت المشكلة المتفاقمة اثارها على المجالات كافة، وظلت تستنزف أموال الدولة والمواطنين.
وما زالت الحكومات المتعاقبة تغدق الوعود؛ ألم يقل احدهم باننا سوف نصدر الكهرباء، في حين بلدنا يستورد الان الكهرباء مع الغاز الذي صارت له ابعاد جيوسياسية، حيث تعلن وزارة الكهرباء بين حين واخر فقدان الآلاف من الميغاواطا وخصوصا في الصيف اللاهب.
وبعيدا عن التأويلات، نستعين، هنا، بالأرقام لنقارن ما صرف عندنا على الكهرباء منذ ٢٠٠٣ ولم تحل مشكلتها، بينما هناك دول أخرى حلتها باقتدار. والغريب قامت بذلك الشركات ذاتها التي تعاقد معها العراق!
تقول تقديرات بان العراق استثمر ما يزيد على ١٤٠ مليار دولار، ولم يتجاوز ازمة الكهرباء. والخبراء يقولون بان هذه المبالغ كانت كافية لحل الازمة؛ حيث بحسب دراسات البنك الدولي فان بناء نظام كهربائي متكامل (انتاج + نقل + توزيع) وبطاقة ٣٠ الف ميغاواط وهو ما يسد حاجة العراق الحالية، يمكن ان ينجز بكلفة تتراوح بين ٤٠-٦٠ مليار دولار.
وعلى سبيل المثال والمقارنة فان المملكة العربية السعودية قد بنت شبكة كهرباء متطورة تغطي كل المناطق بكلفة تقديرية اقل من ١٠٠ مليار دولار خلال عقدين، وتنتج اكثر من ٦٠ الف ميغاواط. ومصر (عدد سكانها ١٠٦ مليون نسمة) هي الأخرى شيدت محطات كهربائية بقدرة ١٤ ميغاواط مع شركة سيمنز الألمانية بكلفة ٨ مليارات دولار فقط وبوقت قياسي (٢٠١٥-٢٠١٩).
علما انه في العراق نسبة الفقد في الشبكة ـ لاسباب مختلفة ـ تتراوح بين ٣٠ في المائة الى اكثر من ٥٠ في المائة، فيما لا تتجاوز النسبة عشرة في المائة بمصر.
فشركة سيمنز تحل مشكلة الكهرباء في مصر وبزيادة، في حين لم يتحقق ذلك في العراق حتى الان. أليست هذه المفارقة تدعو للتوقف مليا عندها؟
والامر الاخر الغريب ان الحكومات المتعاقبة تنسى او تتناسى موضوع الكهرباء عندما يعتدل الجو، فيما تأخذ بالهرولة عند اقتراب الصيف وتستنفر قواها، لتعود الى السبات في الفصول الأخرى!
لأي أسباب يعود هذا العجز عن ملاقاة هذه المسالة وحلها، فهذا ليس فقط غير مقبول، بل انه مدعاة للضحك عندما يبرر ذلك بعدم توريد الكميات المتعاقد عليها من الغاز من إيران، او ان المشكلة متراكمة وتحتاج الى سنوات للحل، وكل حكومة تأتي تلقي باللوم على من سبقها، وهكذا تدور الازمة؛ مصر حلت مشكلة الكهرباء في اربع سنوات، وفي بلدنا هناك نكوص وتراجع. لم يعد الامر يقبل التأويلات والاجتهادات، فالأسباب واضحة: فساد، وغياب خطط متكاملة وسوء تخطيط، وليس ادل على ذلك من شراء توربينات غازية لا يتوفر الغاز لها ونقوم باستيراده، او نتعاقد مع تركمنستان ونودع الغاز في انابيب إيرانية، لم ينتظم تجهيزها للعراق بالكميات المتعاقد عليها.
ولعل من سوء التخطيط، أن نواصل على مدى ٢٢ عاما حرق الغاز بيد، فيما نحن نستورده بيد أخرى، او هناك حقول غازية واعدة لم تستثمر وربما لدواع سياسية وحسابات طائفية مقيتة!
يتوجب، هنا، ان نشير الى الجانب السياسي في الموضوع، والتجاوزات على الشبكة ولوبي أصحاب المولدات، مع غياب إرادة الحل، كل هذا وغيره، يقف وراء استمرار الازمة، وحال دون ان يتمتع المواطن العراقي بتجهيز دائم للكهرباء، والذي هو الاخر عليه ان يدعم ذلك بالترشيد وتسديد الفاتورة، فيما يتوجب على الدولة تنظيم نظام فاعل للاعفاءات والدعم للفئات الهشة والفقيرة.
كما أننا لا ينبغي أن نكفي بالتظاهر والاحتجاج صيفا، ونعود الى سكون في أيام أُخَر، بل اصبح ملحا التوجه الى أس وأصل المشكلة برمتها، فهذا هو المدخل السليم لمعالجة مشكلة الكهرباء وغيرها من القضايا والمشاكل التي عجزت وتعجز منظومة المحاصصة والمتماهية مع الفساد عن إيجاد الحلول لها، وليس سياسة الاحتواء واطفاء الحرائق و"طأطأة الرأس حتى تمر العاصفة".
*********************************************
الشيوعي العراقي.. يستقبل وفد شبكة النساء العراقيات
بغداد – طريق الشعب
استقبل سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، الرفيق رائد فهمي، اليوم السبت، في مقر الحزب بمنطقة الأندلس في بغداد، وفدًا من شبكة النساء العراقيات، في لقاء تناول سبل التعاون بين الطرفين لترسيخ مفاهيم المساواة والعدالة بين الجنسين ضمن العمل الحزبي.
وضم الوفد الزائر كلًا من السيدة هناء أدور، رئيسة شبكة النساء العراقيات، والسيدة أمل كباشي، المديرة التنفيذية للشبكة، والسيدة سهيلة الأعسم، نائبة رئيسة الشبكة.
وجرى خلال اللقاء استعراض الجهود التي تبذلها الشبكة من أجل التعاون مع الأحزاب المدنية والديمقراطية، وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي، لتعزيز إدماج منظور النوع الاجتماعي ضمن الهيكليات الحزبية وآليات اتخاذ القرار.
وقدمت الشبكة خلال اللقاء مجموعة من آليات العمل المقترحة، ومن بينها "دليل سياسي" أصدرته مؤخرًا كمصدر مرجعي لمأسسة مفاهيم المساواة في برامج الأحزاب.
وأكد الجانبان إمكانية توسيع الشراكة عبر برامج تدريب وتأهيل تستهدف الكوادر الحزبية من الجنسين، بهدف تعميم ثقافة العدالة الجندرية وضمان بيئة تنظيمية حاضنة للمساواة.
وناقش الطرفان أيضًا قضايا متعددة تمس واقع المرأة العراقية والأسرة والطفولة، وعلى رأسها التعديلات الأخيرة على قانون الأحوال الشخصية، والتي وصفها الحضور بأنها تنطوي على ثغرات خطيرة، في ظل غياب المدونة القانونية الكاملة، مما يمثل سابقة في العمل التشريعي ويُعد مخالفًا للدستور.
من جهته، شدد الرفيق رائد فهمي على أن الحزب الشيوعي العراقي، ووفق تاريخه النضالي، لطالما وقف إلى جانب قضايا النساء، واعتبر أن تمكين المرأة من المشاركة الكاملة في الحياة العامة هو عنصر جوهري في تطور المجتمع، ولا يخص المرأة فقط، بل هو مسؤولية وطنية ومجتمعية مشتركة.
واشار الى أن عدم صدور نص متكامل للتعديل القانوني يفتح الباب أمام قرارات قضائية متباينة، ويهدد وحدة المرجعية القانونية للمجتمع العراقي.
فيما أكد وفد الشبكة، في ختام اللقاء، أن تحقيق العدالة الجندرية في العمل السياسي والحزبي يتطلب تبني الأحزاب المدنية لاستراتيجيات واضحة ومستدامة، تعكس التزامًا حقيقيًا بقضايا المرأة، وتدعم بيئة تنظيمية مساندة للحركة النسوية في العراق.
وحضر اللقاء إلى جانب الرفيق فهمي، كل من الرفيق عزت أبو التمن والرفيقة بشرى أبو العيس، عضوا قيادة الحزب.
جباية تتصاعد وخدمات تتراجع
وشدد على أهمية اعتماد نظام ضريبي تصاعدي يراعي ذوي الدخل المحدود، ويركز على النشاطات التجارية والمالية الكبرى، بدلاً من الضغط على الطبقات المتوسطة والفقيرة، مشيراً إلى أن "الضرائب يجب أن تُستخدم أداة لتحقيق العدالة، لا وسيلة لتكديس العبء على الفئات الأضعف".
واختتم حديثه بالتأكيد على ضرورة تعزيز الشفافية عبر نشر بيانات مالية دورية تُبين حجم الإيرادات الضريبية وسبل إنفاقها، إلى جانب تحفيز الإنتاج المحلي قبل فرض ضرائب جديدة على المستوردات، لتفادي ارتفاع الأسعار دون وجود بدائل وطنية.
إيرادات الضرائب بحاجة لتوزيع عادل
وكان عضو اللجنة العليا للإصلاح الضريبي، خالد الجابري، قد ذكر في حديث سابق ان "الرسوم، هي من صلاحيات الوزارات. أما الضرائب فتُفرض بقانون وليس تعليمات وزارية"، مشيراً الى "المادة 28 من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 نص على أنه لا تفرض الضرائب والرسوم، ولا تعدل، ولا تجبى، ولا يعفى منها إلا بقانون".
وبين، أن "الرسم يختلف عن الضريبة لأنه عبارة عن مبالغ تدفع للدوائر والمؤسسات مقابل الخدمات التي تقدمها دوائر الدولة للمواطنين"، لافتاً إلى أن "الضرائب تجبى من الدخل المتحقق باستمرار، بينما الرسم يؤخذ مرة واحدة فقط".
واضاف أن "الضرائب تذهب إلى الخزينة العامة، لكن التصرف بها من قبل الجهات المعنية لا يتم وفق دراسة جادة لتوزيع المبالغ بين المحافظات حسب حاجتها"، مبيناً أن "بعض المدن العراقية ما تزال تعاني من انعدام أو ضعف البنى التحتية الأساسية".
إن موارد الدولة من رسوم وضرائب تحتاج إلى المزيد من الشفافية والسيطرة وأن تكون أداة لإعادة توزيع الدخل وإنصاف المهمشين والفقراء وذوي الدخل المحدود. وأصبحت الحاجة ماسة إلى إصلاح النظام الضريبي وجعله تصاعدياً وتطبيق القانون على الجميع وجباية الضرائب بعيداً عن المحاباة والاستثناءات.
***********************************
الصفحة الثالثة
تظاهرات غاضبة في واسط وميسان والبصرة وبغداد تردي الخدمات يُلهب الشارع الاحتجاجي
بغدادـ طريق الشعب
تصاعدت وتيرة الغضب الشعبي في محافظة واسط، بعد إقدام متظاهرين غاضبين على إغلاق مبنى ديوان المحافظة، احتجاجاً على ما وصفوه بـ"فشل الإدارة المحلية" في حماية أرواح المواطنين، في أعقاب "فاجعة الكوت" التي خلفت حالة من الصدمة في الشارع الواسطي.
وتجمع عشرات المحتجين أمام مبنى المحافظة، مرددين هتافات تطالب بمحاسبة المسؤولين المحليين وتحميلهم مسؤولية الحريق الذي اندلع مؤخراً في مبنى "الهايبر ماركت"، وسط اتهامات بالتقصير والإهمال.
وأثار مقطع فيديو متداول للمحافظ محمد المياحي وهو يراقب الحريق من بعيد استياءً واسعاً، لاسيما أنه يشغل منصب رئيس اللجنة العليا للدفاع المدني والمسؤول التنفيذي الأول في المحافظة، وهو ما اعتبره ناشطون دليلاً على غياب الاستجابة الفاعلة في اللحظات الحرجة.
الصويرة تنتفض ضد الكهرباء
في سياق متصل، شهد قضاء الصويرة شمالي المحافظة احتجاجات ليلية نظمها العشرات من شباب المدينة، رفضاً لتردي واقع الكهرباء بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض ساعات التجهيز.
وانطلقت المسيرة الاحتجاجية من شارع 50 ومرّت بأحياء الزيتون وصولاً إلى شارع النجمة، وسط مطالبات بحلول عاجلة لأزمة الكهرباء.
وقال الناشط المدني أحمد فتح الله: "خرجنا نتيجة هذا الابتلاء الذي تعيشه الصويرة، ونعبر أيضاً عن استنكارنا لما جرى في فاجعة الكوت، ونطالب بفتح تحقيقات جادة ومحاسبة المقصرين".
أما المتظاهر عمر محمد، فأكد أن "واقع الكهرباء يزداد سوءاً"، داعياً مدير الكهرباء إلى "تحقيق عدالة في التوزيع وزيادة ساعات التجهيز بين الأحياء".
وقفة احتجاجية في ميسان
وفي محافظة ميسان، شهدت مدينة العمارة وقفة احتجاجية شارك فيها العشرات من النشطاء ورؤساء الفرق التطوعية، أمام جدار الشهداء، تنديداً بالاستخفاف بحياة المواطنين نتيجة غياب معايير السلامة، على خلفية الفاجعة التي شهدتها محافظة واسط مؤخراً، إثر الحريق الذي اندلع في مطعم "هايبر" بمدينة الكوت.
وطالب المحتجون خلال الوقفة بمحاسبة المسؤولين عن الفاجعة ومحاسبة المتسببين، داعين إلى تطبيق القصاص العادل بحق كل من أهمل قواعد السلامة، كما وجهوا نداءً عاجلاً إلى الحكومة المحلية في ميسان لاتخاذ إجراءات وقائية صارمة لضمان سلامة المواطنين.
وشدد المحتجون على ضرورة مراقبة الأبنية التجارية والخدمية في المحافظة، ومراجعة مدى التزامها بمعايير السلامة والأمان، داعين إلى غلق كل منشأة أو مبنى يخالف تلك الضوابط لتفادي تكرار الكارثة في ميسان.
وفي تطور آخر، أقدم العشرات من سكان منطقتي الطبر والإدارة المحلية جنوب مدينة العمارة، على قطع طريق "عمارة-المجر" الحيوي، مستخدمين الإطارات المشتعلة، احتجاجاً على انعدام الخدمات الأساسية في مناطقهم.
ووجّه المحتجون انتقادات لاذعة للمسؤولين المحليين، مؤكدين أن وعودهم المتكررة بشأن تحسين الواقع الخدمي لم ترَ النور. وقال عدد منهم إن مناطقهم تعاني من التهميش والإهمال منذ سنوات، رغم المناشدات المتكررة.
وأضرم المتظاهرون النيران في إطارات السيارات وألقوها على الطريق، ما أدى إلى قطع حركة المرور في الاتجاهين، قبل أن تتدخل القوات الأمنية لتفريق التظاهرة وإعادة فتح الطريق.
البصرة.. استنكار الوعود الورقية
وشهد قضاء أبو الخصيب جنوبي محافظة البصرة، تظاهرات حاشدة شارك فيها المئات من المواطنين، احتجاجاً على ما وصفوه بفشل الحكومة المحلية في معالجة الأزمات الخدمية، وفي مقدمتها أزمة المياه، محملين وزارة المالية أيضاً مسؤولية تفاقم الوضع بسبب عدم تخصيص الأموال الكافية لحلول حقيقية.
وطالب المتظاهرون بإقالة المسؤولين المحليين المشرفين على إعداد وتنفيذ المشاريع الخدمية، مؤكدين أن تلك المشاريع لم تراعِ أولويات سكان القضاء، وعلى رأسها ملف المياه، رغم توفر تخصيصات مالية ضخمة قُدرت بنحو 13 تريليون دينار.
وأعرب المشاركون في الاحتجاج عن استغرابهم من غياب الحلول العملية لأزمة المياه المتفاقمة، مؤكدين أن استمرار هذه الأزمة لن يقتصر على البصرة فقط، بل قد يمتد تأثيرها إلى محافظات أخرى وصولاً إلى العاصمة بغداد، في حال استمرار الإهمال والاعتماد على الوعود الورقية فقط.
ودعا المتظاهرون إلى فتح تحقيق جاد حول مصير الأموال المخصصة لمشاريع البنى التحتية، وخاصة المشاريع المتعثرة التي لم تحقق أي تحسن ملموس في حياة السكان، مؤكدين أن احتجاجاتهم ستستمر حتى تحقيق المطالب.
من جانبه، قال الشيخ حسين المالكي، ممثل الحراك المدني في القضاء، إن "التظاهرة جاءت بعد عام كامل من المناشدات التي لم تلقَ آذاناً صاغية من الجهات الرسمية، رغم المعاناة المستمرة لسكان أبو الخصيب من تلوث المياه وغياب أبسط مقومات الحياة".
وأضاف المالكي أن المطالب شملت أيضاً معالجة البطالة، وتوفير فرص عمل لشباب القضاء، فضلاً عن الإسراع في إنجاز مشروع طريق الفاو المعروف شعبياً بـ"طريق الموت"، نظراً لارتفاع عدد الحوادث المرورية عليه وغياب الصيانة رغم خطورته.
وفي ختام التظاهرة، منح المتظاهرون مجلس محافظة البصرة مهلة 15 يوماً للاستجابة لمطالبهم، ملوحين بخطوات تصعيدية سلمية في حال استمرار التجاهل.
أهالي الشرش يصعّدون
وفي السياق ذاته، صعّد أهالي حي الشرش في قضاء القرنة شمالي البصرة من احتجاجاتهم ضد شركة "الجدار الساند" المنفذة لمشروع البنى التحتية في المنطقة، بعد انقضاء المهلة التي أعلنوها سابقاً دون أي استجابة.
وأكد المحتجون تمسكهم بمطالبهم بمحاسبة الشركة المتلكئة منذ خمس سنوات، حيث أغلقوا بوابة الشركة ومنعوا آلياتها من العمل، في اعتصام مستمر منذ مساء أمس، وسط تهديدات بالتصعيد في حال عدم معالجة المشكلة بشكل عاجل.
الزوراء والزهور
الى ذلك، نظّم العشرات من أهالي منطقة سوق العقيلي في قضاء الزوراء (المعامل) شرق العاصمة بغداد، تظاهرة سلمية احتجاجًا على أزمة شحّة المياه المستمرة، والتي تفاقمت خلال الأيام الماضية دون أي استجابة فعلية من الجهات المعنية.
وقال المتظاهرون إن هذه الوقفة جاءت بعد أن "بحت أصواتهم" بالمناشدات المتكررة إلى مسؤولي قضاء الزوراء، دون تلقي أي حلول عملية أو تحرك جاد، ما اضطرهم إلى النزول إلى الشارع تعبيرًا عن استيائهم من تردي الواقع الخدمي في المنطقة.
وأكد المتظاهرون أنهم حصلوا، عقب التظاهرة، على وعود من الجهات المختصة بحل الأزمة خلال مهلة لا تتجاوز يومين، مطالبين بعودة ضخ المياه إلى سابق عهده. وهددوا في حال عدم الإيفاء بهذا التعهد، بإعادة التظاهرات السلمية وتصعيدها حتى تحقيق المطالب بشكل كامل.
وأضاف الأهالي أن منطقة سوق العقيلي تعاني منذ فترة طويلة من الإهمال الخدمي، نتيجة ما وصفوه بـ"الفساد الإداري والسياسي" في إدارة قضاء الزوراء، محمّلين السياسيين والنواب المحليين مسؤولية التدهور المستمر في الخدمات الأساسية، وعلى رأسها ملف المياه.
وشدد المتظاهرون على أن تحركهم سيبقى ضمن الإطار السلمي، لكنه سيستمر ويتوسع إذا لم تلتزم الجهات المعنية بحل الأزمة التي أثرت بشكل كبير على حياتهم اليومية.
.. وفي منطقتي الحرس والنفط
ونظم العشرات من أهالي منطقة النفط والحرس، في قضاء الزهور (الحسينية) شمال شرق بغداد، وقفة احتجاجية للتنديد بسوء الخدمات وغياب أبسط مقومات الحياة في منطقتهم، التي وصفوها بـ"المنكوبة"، رغم الوعود الحكومية السابقة بتنفيذ مشاريع خدمية فيها.
ورفع المحتجون لافتات تطالب بالكشف عن مصير المبالغ التي خُصصت للمنطقة، مؤكدين أن مبلغًا قدره 65 مليار دينار صُرف من موازنة العام الماضي، دون أن تظهر له أي نتائج ملموسة على الأرض.
وأكد الأهالي أن منطقتهم لا تزال تعاني من غياب الخدمات الأساسية كشبكات الصرف الصحي والماء والكهرباء والطرق، في وقت تستمر فيه الجهات المعنية بتجاهل معاناتهم، ما دفعهم إلى التصعيد والمطالبة بإجابات واضحة حول أسباب تأخير تنفيذ المشاريع.
وطالب المحتجون الحكومة المحلية والرقابية بالتحرك الفوري لمحاسبة المقصرين والكشف عن مصير الأموال المخصصة، مشددين على أن صبرهم بدأ ينفد وأنهم لن يتراجعوا عن مطالبهم حتى تحقيق العدالة وتحسين واقعهم الخدمي.
*************************************
العراق في الصحافة الدولية
ترجمة وإعداد: طريق الشعب
السلام في كردستان تركيا وتأثيراته الإقليمية
نشرت مجلة الدبلوماسية المعاصرة مقالاً لسييد رايان آمير حول أوضاع المنطقة في ظل قرار حزب العمال الكردستاني التخلي عن سلاحه وحل منظماته، ذكر فيه بأنه وبعد أكثر من أربعين عامًا من الكفاح المسلح، بدأت هذه الجماعة بنزع سلاحها، في بادرة دراماتيكية تُشير إلى تحول جذري نحو المشاركة السياسية بعيدًا عن العنف، متسائلاً عما إذا كانت هذه الخطوة ذات أهمية في تمهيد الطريق لمصالحة حقيقية، تحقق مكاسب ملموسة للأكراد في جميع أنحاء المنطقة.
خطوة رمزية هامة
ووجد الكاتب في حفل نزع السلاح، الذي جرى في منطقة جبلية قرب الحدود التركية العراقية، أمراً بالغ الأهمية، لما رمز اليه من نهاية للمقاومة المسلحة وبداية لإعادة الاندماج السياسي، بغض النظر عن اختلاف المحللين في تقييمه، بين من وصفه "أفضل نتيجة ممكنة تفضي لإنهاء إراقة الدماء" ومن شكك فيه جراء خيبات عقود من الصراع ومحادثات السلام وخرق الاتفاقيات.
أنقرة والحل القانوني
ونقل المقال عن عدد من الخبراء قولهم بأن تركيا بحاجة لتشكيل لجنة برلمانية، تضع إطار عمل يُمكّن المقاتلين من إعادة الاندماج في الحياة المدنية، وإجراء إصلاحات قانونية موازية تُعالج حقوق المواطنة، والحريات اللغوية، وصلاحيات الحكم المحلي، كي يتحول نزع السلاح إلى عملية ذات آثار قانونية وسياسية وثقافية عميقة. وأكد الكاتب على أن التجارب في أيرلندا الشمالية وكولومبيا وسريلانكا وإسبانيا تؤكد لنا بأن إعادة الإدماج هي دائمًا الجزء الأصعب لأنها تتضمن إعادة بناء الحياة والمجتمعات والثقة وتتطلب فرصًا اقتصادية وقبولًا اجتماعيًا ورعاية نفسية وعدالة انتقالية وضمان المساواة.
تأثيرات على الساحة العراقية
وأوضح المقال بأن خطوة حزب العمال الكردستاني قد لقيت ترحيباً كبيراً من جميع القوى والأحزاب الكردية، بما فيها التي تعّد نظيرة للحزب، في العراق وسوريا وإيران، الاّ إنها جميعاً قد أكدت على أنها لن تحذو حذوها، وهو أمر قد يُضعف من التأثير الإيجابي للخطوة، الاّ إذا ما عمدت أنقرة إلى أكثر من الحكم الذاتي الكامل، بمعنى توسيع نهجها نحو اللامركزية وتقاسم السلطة وضمان جميع الحقوق الثقافية والإدارية.
وخلص المقال للإشارة إلى أن فشل الحكومة التركية في الاستفادة من هذه الخطوة الهامة واستخدامها فقط في حملات انتخابية شعبوية، يولّد مزيداً من انعدام الثقة وعودة للعنف، ليس في تركيا وحدها، بل وقد يتعدى ذلك إلى خارج الحدود الوطنية، ليشمل سوريا والعراق وإيران، ممهداً لفصل سياسي مختلف في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
أبعاد دولية
ولصحيفة ( The Conversation) البريطانية كتبت الأستاذة في جامعة لوند السويدية، بينار دينك، مقالاً وصفت فيه حفل نزع السلاح التاريخي باللحظةً المحوريةً في صراعٍ دام لأربعة عقود وراح ضحيته 40 ألف شخص، لحظة قد تُشير إلى بداية عهدٍ جديد. ورأت الباحثة في اعترافات الرئيس التركي بالفضائع التي أرتكبتها دولته ضد الكرد والتي دفع الجميع ثمنها على حد وصفه، مؤشراً على رغبة أنقرة بطيّ "صفحة طويلة ومؤلمة ومليئة بالدموع" وإنتهاج خط مؤسسي وشفاف.
واتفقت الباحثة مع أردوغان على أن القضية لا تقتصر على الكرد في تركيا فحسب، بل سيسري تأثيرها على العراق وسوريا، في ظل علاقات وثيقة وذات أفق واعد بين أنقرة وأربيل، وتجاذب أقرب للعداوة بين الأتراك وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تسعى إلى الحفاظ على استقلالها العسكري ونظامها السياسي المستقل، وهو ما ترفضه دمشق وبالتالي راعيتها الإقليمية تركيا والدولية الولايات المتحدة.
وأشارت الكاتبة إلى أن أنقرة لا تصّر على نزع سلاح الفصائل الكردية في سوريا إضافة إلى سلاح مقاتلي حزب العمال الكردستاني، بل وتصرح أيضاً وعلناً على ضرورة توقف اتحاد مجتمعات كردستان (KCK)، عن النشاط في العراق. وأكدت على أن ما تحصل عليه تركيا من دعم أمريكي مباشر يأتي مقابل ما تلعبه من دور في التغييرات الجيوسياسية المتفاقمة في المنطقة لصالح واشنطن. وعلى الرغم من عدم ارتياح تل أبيب لهذا الدور، فإن تخلي واشنطن عن حليفتها قسد، يمثل درساً للعراقيين من العرب والكرد على حد سواء.
****************************************
عين على الأحداث
حين يسرقون لقمة الفقراء
أكد أحد النواب على قيام وزارة المالية بإيقاف العلاوات والترفيعات لموظفي الدولة لحين إقرار جداول قانون الموازنة، في مخالفة قانونية صارخة تزامنت مع مخالفة أخرى تتمثل في تأخير إرسال جداول الموازنة. هذا وفي الوقت الذي تُضاعف فيه هذه الإجراءات العبثية من صعوبة الظروف الحياتية للناس، في ظل ارتفاع مستمر بتكاليف المعيشة ومعاناة ثلث سكان بلادنا النفطية من الفقر والبطالة، طالبت الاتحادات والنقابات العمالية، الحكومة بضرورة إصلاح الإجراءات البيروقراطية المعقدة في دوائر الدولة، واعتماد نظام رقمي لتحديث درجات الموظفين تلقائيا، بما يضمن تسريع صرف العلاوات في مواعيدها المحددة.
ما يفيد النفي!
أظهر تقرير وحدة أبحاث الطاقة بواشنطن، ارتفاع قائمة انبعاثات الكربون في العراق لمستوى وضعه في المرتبة الثالثة عالمياً وبكمية انبعاث بلغت 342.8 مليون طن. وتنجم الانبعاثات الكربونية عن أنشطة حرق الوقود الأحفوري في توليد الطاقة والنقل والصناعة، وعمليات استخراج النفط وحرق النفايات بطرق غير صحيحة. هذا وفيما نفت وزارة البيئة ما ورد في هذا التقرير، أكد المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان على إن انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون قد بلغ 177.8 مليون طن في عام 2021 ثم سجل زيادة كبيرة في السنوات الثلاثة الماضية، فيما يتوقع أن تكون نسبة الزيادة السنوية حوالي 5 في المائة مستقبلاً.
تصرف شخصي!
أنكرت الحكومة قيام الدفاع المدني بالموافقة على بناء السوق التجاري المنكوب في مدينة الكوت، وإنه شُيّد بتصرف شخصي وبلا موافقات، رغم تغريم المالك على مخالفاته، معلنة الحداد لمدة 3 أيام ومنح ذوي الشهداء تعويضاً قدرة عشرة ملايين دينار. هذا وفي الوقت الذي ينصح الناس فيه "أولي الأمر" بعدم اللجوء إلى مهزلة تعويض ضحايا أخطائهم، لما تثيره من تداعيات ليست في صالحهم وتذكرنا بعقد الثمانينيات، يتساءلون عما إذا كانت الرشى التي يقبضها بعض المسؤولين، سبباً في عدم رؤيتهم لبناء سوق بخمسة طوابق، أم أن المسؤول عن الفاجعة كان من عتاة متنفذيّ الدولة العميقة؟.
لا تكول سمسم!
أكد مختصون على أن العجز السكني تجاوز الثلاثة ملايين وحدة سكنية في نهاية 2024، وأن بلوغ معدل النمو السكاني 2.6 في المائة يستلزم توفير 250 ألف وحدة سكنية إضافية كل عام. هذا وتواجه تصريحات الحكومة حول اتخاذها حل مشكلة السكن كأولوية قصوى في توجهاتها وخططها، دهشة وسخرية الناس حيث يشير الواقع إلى الارتفاع الجنوني بأسعار الأراضي وتكاليف البناء في ظل صعوبة الحصول على قروض ميسرة أو مساكن شعبية، وهو ما أسفر عن معيشة 7 ملايين عراقي في العشوائيات وتلكؤ 65 في المائة من المشاريع الحكومية واقتصار قسم مهم من قطاع التشييد على غسيل الأموال.
اجه يكحلها!
استخدمت القوات الأمنية القوة لتفريق المتظاهرين المحتجين على انقطاع الكهرباء لساعات طويلة عن مناطق مختلفة من بغداد كالأمين والمستنصرية والعامرية وغيرها، رغم تجاوز درجات الحرارة الخمسين درجة مئوية، مما أدى إلى اصابة عدد منهم. هذا ورغم أن وزارة الكهرباء قد أعلنت في 12 آيار عن نجاحها في حل جميع الإخفاقات التي رافقت الصيف الماضي، بإدخال 117 محطة جديدة للعمل، و2014 مغذيا جديدا و16 ألف محولة للطاقة، وقرار مجلس الوزراء بتجهيز المولدات الأهلية بوقود “الكاز” بشكل مجّاني، مازال التجهيز محدوداً وأسعار المولدات الأهلية مرتفعة، فيما اختفى الكاز من السوق وتشكلت “شبكات مشبوهة” لاستثمار الأزمة.
*******************************************
الصفحة الرابعة
الحادثة عززت عدم ثقة المواطن بالمنظومة الحاكمة فاجعة الكوت.. ألسنة النار كشفت أوجه الإهمال والفساد
بغداد - طريق الشعب
في مشهد مأساوي لا يختلف كثيراً عن كوارث سبقته، استيقظت مدينة الكوت على فاجعة جديدة، حين التهمت ألسنة النيران مجمعاً تجارياً (الهايبر ماركت) وسط المدينة، مخلّفة عشرات الضحايا. وبين الدخان المتصاعد والصرخات المكتومة، عادت الأسئلة القديمة إلى الواجهة: من المسؤول؟ ولماذا تتكرر هذه الحرائق مع كل موسم؟ وما الذي يجعل الموت سهلاً بهذا الشكل في بلد يفترض أنه تعلّم من مآسيه؟
في الوقت الذي تتسابق فيه الجهات الرسمية لإلقاء المسؤولية على أطراف أخرى، وتبدأ لجان التحقيق أعمالها المعهودة، وتوزيع التعويضات المالية، ينشغل الشارع بالحقيقة التي لا يمكن إنكارها: غياب منظومة سلامة فاعلة، ووجود تراخيص مشبوهة، وإهمال واضح في تجهيزات الإطفاء والإنقاذ، وسط تكرار لمشهد مألوف من التبرير والتقصير.
تعيد هذه الفاجعة الاخيرة إلى الأذهان حريق عرس الحمدانية الذي هزّ البلاد، حينها وعدت السلطات بتشديد إجراءات السلامة ومراقبة استخدام المواد الإنشائية المخالفة. إلا أن تكرار الحوادث الناجمة عن الإهمال يكشف عن فجوة خطرة في منظومة الرقابة والتنفيذ.
يشار إلى ان "طريق الشعب"، كانت قد غطت ملف الحرائق، مطلع الصيف الجاري، وحذرت في تقريرها من تداعيات عياب إجراءات السلامة المهنية.
مسؤولية من؟
وفي خضم التحقيقات الجارية بشأن الحريق المأساوي بالكوت، أوضح مدير الصحة والسلامة المهنية في وزارة العمل، مشرق عبد الخالق، أن "لجنة تحقيق شكلت من قبل دولة رئيس الوزراء، وهي تباشر عملها حاليا ولم تصدر أي نتائج حتى الآن".
وقال عبد الخالق في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "مسؤولية سلامة المباني، خصوصا في ما يتعلق بالحرائق، تقع ضمن اختصاص مديرية الدفاع المدني، بينما تقتصر مهام وزارة العمل على توفير بيئة عمل آمنة وخالية من الإصابات والمخاطر المهنية".
وأضاف أنه "في حال وجود تقصير من صاحب العمل فيما يخص أساليب التخزين، أو وجود مواد كيميائية غير مأمونة، أو تهوية غير جيدة، تقوم الفرق التفتيشية بقيادة مفتش العمل وعضوية مفتش الصحة بتسجيل المخالفة ضمن التقرير التفتيشي، وتتخذ بحق المنشأة الإجراءات القانونية اللازمة، سواء بالغلق أو الإنذار أو الإحالة إلى محاكم العمل، ولا تُزال المخالفة إلا بعد التأكد من معالجتها بالكامل".
وفيما يتعلق بمتابعة ملف السلامة المهنية في المحافظات، بينّ عبد الخالق أن "قانون فك الارتباط أدى إلى تحويل الأقسام التابعة لوزارة العمل إلى إدارات المحافظات، حيث أصبحت تابعة لها مالياً وإدارياً وفنياً، ما حد من قدرة الوزارة المركزية على التدخل المباشر في هذه الملفات".
من يحدد الأسباب؟
اما مديرية الدفاع المدني فذكرت ان نتائج أسباب اندلاع الحريق يقع ضمن اختصاص مديرية الأدلة الجنائية، وليس من مهام الدفاع المدني.
وأشار مسؤول اعلام المديرية نؤاس صباح، الى وجود عدد من التخصصات التي تعمل حاليا من اجل تحديد ملابسات الحادث، مؤكدا أن "الدفاع المدني لم يتراجع يوما عن تشديد متطلبات السلامة والكشوفات الوقائية، وهناك حملات مستمرة للمشاريع في القطاعين الحكومي والخاص".
ويعتزم الدفاع المدني، طبقا لصباح، نحو غلق المشاريع المخالفة بشكل كامل.
وأضاف، أن "الدفاع المدني العراقي يمتلك أسطولًا من الآليات الحديثة تم توزيعها على مديريات المحافظات كافة خلال الشهر الماضي، فيما توجد معدات أخرى قيد التصنيع في ألمانيا من المؤمل وصولها قريبًا".
وتابع، أن "شدة النيران والانبعاثات الغازية الكثيفة وارتفاع ألسنة اللهب في بداية الحريق جعلت من المستحيل على أي طائرة التحليق فوق الموقع أو تنفيذ عمليات إنقاذ، بسبب الظروف الحرارية الخطيرة"، موضحا ان "المبنى المتعدد الطوابق الذي اندلع فيه الحريق شهد تصاعداً هائلًا في الحرارة والدخان، ما حد من قدرة الفرق على استخدام الطائرات".
تقصير حكومي
واتهم الناشط المدني من محافظة الكوت، مشرق علي، جميع الأطراف الحكومية "بالتقصير" في الفاجعة التي شهدتها المدينة، حين اسفر الحريق عن عشرات الضحايا والخسائر.
وقال علي لـ "طريق الشعب"، إن "قانون الدفاع المدني لعام 2013 ينص بوضوح على ضرورة أخذ موافقة الدفاع المدني قبل إنشاء أي مجمع تجاري، بما يشمل فحص المواد والمتطلبات المستعملة"، متسائلًا: "أين كان دور الدفاع المدني في منح هذه الموافقات وفق الشروط الضرورية؟".
ولم يتوقف علي عند غياب الرقابة المسبقة، بل أشار إلى مسؤولية المتابعة المستمرة بعد الإنشاء، مضيفا أن "المراقبة يجب أن تتم من قبل الدفاع المدني ومجلس المحافظة، وعلى رأسهم محافظ واسط، بصفته رئيس لجنة الدفاع المدني بحسب نص القانون"، معتبرا ان هناك تقصيرا جماعيا في متابعة شروط السلامة في المباني التجارية والسياحية داخل المحافظة.
كما تطرق إلى الإخفاق في استجابة الطوارئ، قائلاً إن "عدد سيارات الإسعاف لا يتناسب مع حجم الكارثة، وحين سألنا عنها قيل لنا إن أغلبها أُرسلت إلى سوريا، فيما بقيت في المدينة سيارتان فقط، ولا يوجد سلم إطفاء يصل إلى الطابق الخامس".
وأضاف، أن القاعدة الجوية في النعمانية التابعة لمحافظة واسط لم تُرسل طائرة هليكوبتر للمشاركة في عمليات الإخلاء أو الإطفاء، على الرغم من أن "الطائرة تُستخدم في أوقات أخرى لمتابعة الزائرين، بل يستقلها المحافظ وقائد الشرطة للتصوير الإعلامي"، حسب تعبيره.
وتساءل مشرق علي: "لماذا لم تُستخدم هذه الطائرة رغم أن موقع القاعدة لا يبعد سوى خمس دقائق عن مكان الحريق؟".
قصة افتتاح الهايبر
وتحدث محافظ واسط، محمد المياحي للإعلام عن كيفية افتتاح "الهايبر ماركت". وقال ان "المشروع قطاع خاص، ومجاز من غرفة التجارة لممارسة المهنة، وليس مشروعاً استثمارياً أو مساطحة، هو أرض ملك صرف قام صاحبها ببناء مطعم في بادئ الأمر، ولكن فشل المطعم فقام بتحويله إلى مول".
وأضاف، أن "مديرية الدفاع المدني قامت بإنذاره لمعالجة بعض ملاحظات السلامة عندما كان مطعماً، وقاموا بتغريمه وأعطوه إنذاراً لمدة 60 يوماً للمعالجة، وبعد هذه المدة، قام بإغلاق المطعم وافتتح (مول) بشكل خفي دون علم الجهات الحكومية".
وردا على المحافظ ذكر مدير البناية، أن " كل المسؤولين في المحافظة لديهم علم بالافتتاح ولدي رسائل بالواتساب لمباركة الافتتاح".
وأضاف ان "الحادث غير مقصود وقضاء وقدر وابني وزوجتي من ضمن الضحايا"، مؤكدا ان "كل الجهات الامنية والبلدية منحتني رخصة عمل في هايبر ماركت. ومن المعيب ان يقولوا لا علم لنا بالافتتاح".
مشاكل المبنى
هذا وكشف مصدر مطلع في محافظة واسط، أن المبنى التجاري الذي شهد الحريق الكبير كان قد افتُتح أول مرة في أواخر كانون الأول عام 2023، حيث بدأ نشاطه كمطعم "زرزور".
وبحسب المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه، ظهرت منذ البداية مشكلات إنشائية واضحة في البناية، الأمر الذي دفع مدير القسم البلدي حينها إلى إصدار قرارات بغلقها خمس مرات. لكن كل مرة كان يُعاد فتحها بفعل الوساطات والعلاقات الشخصية، ما أدى لاحقاً إلى نقل مدير القسم من منصبه بسبب ذلك.
وأضاف المصدر لـ"طريق الشعب"، أن البناية أُغلقت مجددا خلال العام الجاري لمدة أربعة أشهر، قبل أن تُعاد إليها الحياة كمركز تجاري متكامل. وأوضح أن مالك البناية يقيم خارج البلاد، وكان قد أوكل إدارتها إلى ابنه، الذي لقي حتفه في الحريق، حيث كان مسؤولاً عن تشغيل الطابقين الأول والثاني اللذين تحوّلا إلى "هايبر ماركت"، فيما شغلت الطوابق العليا مطعم وكوزمتك.
وأشار المصدر إلى أن الهايبر ماركت افتُتح قبل أسبوع واحد فقط من اندلاع الحريق، في حين كان المطعم والكوزمتك يعملان منذ فترة طويلة.
وأكّد أن المبنى لم يكن مجهولا للسلطات، بل كان يحظى بحضور مستمر من مسؤولين حكوميين، بمن فيهم المحافظ وأعضاء مجلس المحافظة، نظرا لاحتوائه على قاعة مؤتمرات وندوات.
كما لفت إلى أن افتتاح الهايبر ماركت كان حدثا معروفا على نطاق واسع في المدينة، اذ رافقه إعلان ترويجي ممول بشكل كبير، أثار ضجة محلية كبيرة.
وعن مسألة الموافقات الرسمية الغامضة، ذكر المصدر أن المبنى مخالف للتصميم الأساسي. كما أن إجازة البناء الأصلية لم تُعرض أو تُعلن حتى الآن.
لا تغيير يذكر
فيم قال حيدر نوري، مدرب دولي في الصحة والسلامة المهنية، إن "المشهد الحرائق بالعراق يتكرر مع كل كارثة دون تغيير يُذكر، وإن الحديث عن أسباب الحرائق وتداعياتها أصبح بلا جدوى ما لم تقع فاجعة كبرى تحرك الرأي العام، ثم سرعان ما يخفت هذا الاهتمام بعد أيام قليلة، ليُطوى الملف وتُفتح أبواب كارثة جديدة"، مشيراً إلى أن "الواقع المؤلم يكشف عن غياب حقيقي للحلول، إذ أن كل حادثة جديدة يعاد فيها نفس الحديث وتُطرح ذات التساؤلات من دون نتائج ملموسة".
وأضاف نوري، أن "الحريق الأخير، بحسب التحقيقات الأولية، اندلع في الطابق الخامس من البناية، وتحديدا في قسم بيع مستحضرات التجميل، الذي يحتوي على مواد شديدة القابلية للاشتعال مثل العطور". هذه المواد، كما وصف، تمثل خرقا صريحا لقواعد السلامة والبناء، حيث أن وجودها داخل مبانٍ تجارية متعددة الطوابق يشكل خطورة كبيرة؛ فالنار البسيطة تتحول بسببها إلى كارثة لا تُحتوى.
وتابع أن "خطأً بسيطا مثل عطل في طفاية الحريق يمكن أن يؤدي إلى فقدان السيطرة بالكامل، وهو ما حصل بالفعل، حيث امتد الحريق إلى طوابق أخرى، وسرعان ما تحولت البناية إلى كتلة مشتعلة".
وأشار إلى أن "السبب الرئيس لارتفاع عدد الضحايا كان فقدان الناس لوسيلة خروج آمن؛ إذ أن المبنى لم يكن مزودا بأي ممرات طوارئ واضحة أو علامات إرشادية، وحتى الممرات المفترضة كانت مغلقة أو غير صالحة للاستخدام".
وبيّن أن بعض الضحايا لجأوا إلى المصاعد في محاولة للهرب، لكنهم حوصروا داخلها وقضوا اختناقا أو احتراقا. والبعض الآخر فرّ إلى الحمامات، وهناك قضى نحبه بفعل كثافة الدخان والاختناق.
وأضاف، أن كل هذه التفاصيل تكشف مدى الفساد في منظومة البناء والسلامة، حيث تُمنح التراخيص مقابل رشاوى وتغض الأجهزة الرقابية الطرف عن المخالفات مقابل عمولات، في حين تُبنى الأبنية من دون أي التزام بمعايير السلامة.
وانتقد نوري أداء فرق الدفاع المدني، معتبرا أن ضعف تجهيزاتها وتدريبها ساهم في تفاقم الكارثة، حيث لا تمتلك سيارات حديثة أو فرقا متخصصة بالتعامل مع حرائق كبيرة داخل بنايات متعددة الطوابق.
ولفت إلى أن عمليات الإنقاذ تمت بعشوائية، فيما كانت بعض السيارات التي شاركت غير مخصصة لهذا النوع من المهام، ما أضاع وقتا مهما، وأسهم في سقوط مزيد من الضحايا.
وأشر نوري غيابا واضحا للاستعدادات الطبية، حيث كانت سيارات الإسعاف تفتقر للمعدات الأساسية ولم تكن مجهزة بمسعفين مؤهلين، ما أدى إلى نقل الجرحى والمصابين بطريقة عشوائية غير مبنية على أولوية الحالة، مشيرا إلى أن بعض المصابين الذين كان من الممكن إنقاذهم فارقوا الحياة بسبب سوء التعامل مع حالاتهم.
ووصف الوضع في المستشفيات التي استقبلت الضحايا بأنه كارثي، حيث كان الطاقم الطبي غير مكتمل، في ظل غياب أطباء اختصاصيين، وتأخر بعض الكوادر الطبية في الوصول، بينما تصدى للأزمة من تبقى من الأطباء المقيمين.
واختتم نوري حديثه بأن ما حدث يجب ألا يمر كسابقاته، محذراً من أن استمرار هذا النهج سيؤدي إلى المزيد من الكوارث والضحايا، مطالبا بإصلاح جذري لمنظومة السلامة العامة، وتفعيل الرقابة، ومحاسبة المتورطين، ووقف الفساد الذي أصبح متجذرًا في كل مؤسسة مسؤولة عن أمن الناس وسلامتهم.
*******************************
مكافحة انتقائية وخطوط حُمُر تُحصّن الكبار مراقبون: مكافحة الفساد استعراض إعلامي وشعارات مكررة
بغداد - محمد التميمي
برغم التصريحات الرسمية المتكررة والوعود عن مضي الحكومة العراقية قدماً في تنفيذ خطط مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة، وكذلك نشاط هيئة النزاهة وإبرامها اتفاقات مع مختلف مؤسسات الدولة في اطار مكافحة الفساد، ما تزال الشكوك تتعاظم لدى المتابعين والخبراء بشأن جدية هذه المساعي، وسط غياب واضح للنتائج على مستوى “رؤوس الفساد الكبرى”، واستمرار الانتهاكات التي تطال المال العام دون رادع حقيقي.
ويجمع مختصون على أن مكافحة الفساد في العراق تفتقر إلى الإرادة السياسية، وتقتصر غالباً على استهداف الدرجات الوظيفية المتوسطة والدنيا، بينما يُستثنى المتورطون الفعليون في “شبكات الفساد المحمية سياسياً”.
توزيع واضح للأدوار!
المتخصص في مكافحة الفساد سعيد ياسين، يقول إن جهود هيئة النزاهة تنقسم إلى جانبين رئيسيين: تعزيز النزاهة من خلال الإجراءات الوقائية، والردع عبر التحقيق والمساءلة القانونية.
ويضيف ياسين في حديث مع "طريق الشعب"، أن الجانب الوقائي يرتكز على توزيع وتكامل الأدوار بين الهيئة والمؤسسات العامة، إلى جانب تفعيل التعاون الدولي مع المنظمات والدول التي يرتبط العراق معها باتفاقيات، أبرزها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، واتفاقية منظمة التعاون الإسلامي.
ويتابع أن هذه الإجراءات تهدف إلى نقل الخبرات، وتأسيس بيئة عمل قائمة على النزاهة، وذلك من خلال إدراج البرامج الوقائية ضمن فقرات البرنامج الحكومي، وتطبيقها بحسب القطاعات (التعليم، الدفاع، الصناعة، النفط، إلخ).
وعن العقود والمشتريات الحكومية، يوضح ياسين أن لكل مؤسسة خصوصيتها، مما يتطلب أدوات وقائية مناسبة لكل حالة. لكنه يؤشر وجود خلل في الجانب الردعي، فأكد أن التحقيق والتدقيق والإحالة إلى القضاء هي أدوات لاحقة، تُفعّل غالباً بعد وقوع الفساد.
ويشدد في ختام حديثه على أن أول خطوة في الوقاية هي اختيار القيادات الإدارية وفق معايير الكفاءة والنزاهة والخبرة، إلى جانب التدريب المستمر وتعزيز الالتزام بقواعد السلوك الوظيفي، لبناء منظومة فعالة لا تسمح بتكرار الانتهاكات.
ماذا عن كبار الفاسدين؟
من جهته، يقلّل المراقب للشأن السياسي داوود سلمان من فاعلية الاتفاقيات والتصريحات الحكومية المتعلقة بمكافحة الفساد، واصفاً إياها بأنها مجرد أدوات للتسويق الإعلامي لا أكثر.
يقول سلمان في حديث مع "طريق الشعب"، ان "هيئة النزاهة أعلنت عن أكثر من 11 ألف ملف فساد، لكنها بقيت مركونة على الرفوف، لأنها تتعلق بكبار الفاسدين من سياسيين وقادة أحزاب، الذين يُعدّون خطوطاً حمراء لا يسمح القانون ولا الإرادة السياسية بالاقتراب منهم"، بحسب حديثه.
ويضيف أن ما يجري في الواقع هو استهداف للموظفين الصغار كـ”كبش فداء”، يُضحّى بهم لتقديم صورة زائفة عن وجود إجراءات لمكافحة الفساد، في حين أن الرؤوس الحقيقية للشبكات الفاسدة لا تُمسّ.
ويشير سلمان إلى أن الفساد "يبدأ من القمة وليس من القاعدة. السياسيون والأحزاب يشرفون على عقود الوزارات، والمنافذ، والموانئ، والصفقات الكبرى، كما حدث في قضية نور زهير، وصفقات بيع ميناء الفاو، وغيرها من الأدلة الكثيرة والموثّقة التي لم تُتخذ فيها أي إجراءات رادعة".
وفي معرض تعليقه على الخلل في المنظومة العقابية، يشدد سلمان على أن "غياب العقاب يُشجع الفاسدين"، مستشهداً بـ"الكثير من البراهين والمعلومات المُعلنة والمعروفة والمتداولة في الاعلام عن تورط مسؤولين عراقيين في صفقات فساد بمبالغ تصل إلى مليارات الدنانير، دون أن تتحرك الدولة للتحقيق".
واختتم حديثه بالقول: "ما لم تكن هناك إرادة سياسية حقيقية، وتشريعات قوية تُطبّق بلا تردد أو مجاملة، فإن مكافحة الفساد ستبقى مجرد شعارات مكررة لا تقنع الشارع ولا تغير الواقع".
*************************************
الصفحة الخامسة
المواطنون يشكون عدم انتظام التيار أزمة الكهرباء تتفاقم في الأنبار
متابعة – طريق الشعب
تشهد محافظة الأنبار تفاقما في أزمة الكهرباء مع استمرار الانقطاعات الطويلة المتكررة، بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة.
وواجهت محافظات البلاد، معظمها، هذا الصيف، أزمة كهرباء حادة جدا، بفعل انقطاع توريد الغاز الإيراني الذي كان يُعتمد عليه في تشغيل محطات التوليد. وانخفضت ساعات تجهيز الكهرباء بشكل كبير، حتى وصلت إلى 6 ساعات يوميا وأقل في بعض المدن، الأمر الذي سبب معاناة كبيرة للمواطنين، لا سيما في ظل ارتفاع درجات الحرارة.
ويُعاني أهالي الأنبار انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي، ما يؤثر سلباً على حياتهم اليومية ونشاطاتهم المختلفة. وعبر وسائل إعلام وصفحات على مواقع التواصل، يشتكي المواطنون من عدم انتظام التيار وتذبذبه، مشيرين إلى ان الوضع في محافظتهم صعب للغاية، مقارنة بمناطق أخرى من البلاد.
في حديث صحفي، يقول المواطن جمال حسين، وهو من سكان الرمادي، أن "التجهيز لا يتعدى 6 ساعات في اليوم، وفي بعض الأيام يكون أقل من ذلك. نحن نعيش صيفاً قاسياً. حيث تجاوزت الحرارة 50 درجة مئوية، بينما الحكومة لم تضع أي حلول للأزمة".
ويضيف أن "المولدات الأهلية أصبحت عبئاً على دخل العائلات البسيطة. إذ ان متطلبات الطاقة تزداد والتكاليف تزداد معها"، لافتا إلى انه "مع قرب الانتخابات، تنهال الوعود من جميع الأطراف، لكن بعد انتهاء التصويت لا أحد يعود ليسأل عن الكهرباء أو الماء أو الصحة. المواطن البسيط هو من يتحمل هذه الفوضى وسوء التخطيط".
الإدارة المركزية تُعرقل!
أما الناشط المدني علي الفهد، فهو ينتقد ما وصفه بـ"الإدارة المركزية التي تعرقل المشاريع المحلية".
ويقول في حديث صحفي أن "الأنبار بحاجة إلى استقلالية في ملف الكهرباء، من خلال السماح بإنشاء محطات توليد غازية أو شمسية على مستوى الأقضية، وتوفير تمويل من تنمية الأقاليم بدل انتظار الحصة القادمة من بغداد".
ويتابع أن "الحلول متوفرة، لكن ما ينقص هو الإرادة السياسية. إذ لا يعقل أن تبقى محافظة بهذا الاتساع وبهذه الكثافة السكانية، تحت رحمة قرارات بيروقراطية لا تراعي خصوصية المناخ والضغط السكاني".
نقص الحصة المقررة
من جانبه، يذكر عضو مجلس محافظة الأنبار عدنان الكبيسي، أن "المشكلة الأساسية تكمن في قلة التجهيز من بغداد. إذ إن الحصة المقررة للمحافظة تبلغ 5.6 ميغاواط، لكنها لا تصل كاملة، ما يؤدي إلى خلل كبير في التوزيع داخل المناطق".
ويضيف أنه "خلال ساعات التجهيز القليلة، والتي أصبحت ساعتين فقط مقابل أربع ساعات انقطاع، تحدث أحياناً أعطال من المصدر القادم من بغداد، ما يزيد من معاناة المواطنين".
ويلفت الكبيسي إلى ان "المحافظة تعمل على ضمان عدالة التوزيع قدر الإمكان، لكنها بحاجة إلى رفع الحصة المقررة من بغداد، وهو ما تتواصل المطالبات به خلال الاجتماعات مع الجهات المعنية".
**************************************
مراجعو تربية البصرة يزدحمون تحت 50 درجة مئوية!
متابعة – طريق الشعب
وجّه عدد من مراجعي قسم التسجيل في مديرية تربية البصرة، نداء عاجلا إلى الجهات المعنية، لوضع حل لمعاناتهم المريرة في ساحة الانتظار أمام مبنى القسم.
وأوضحوا في حديث صحفي أنهم يقفون طوابير طويلة تحت الشمس ووسط حرارة عالية تتجاوز 50 درجة مئوية "دون أدنى اعتبار لسلامتنا وكرامتنا"، لافتين إلى ان "المأساة لا تكمن في الشمس الحارقة وحدها، بل في تصرف غير إنساني متمثل في توجيه قطعة المكيف الخارجية نحو وجوه المراجعين، لتنفث عليهم هواء ساخنا، ما يزيد من معاناتهم بدلا من التخفيف منها".
ووصف المراجعون هذا المشهد بـ"الاحتقار العلني لكرامة الإنسان"، مبينين أنه "في الوقت الذي ينعم فيه الموظف داخل المبنى بالبرودة والراحة، يقف المواطن في الخارج يلهث من شدة الحر، محاصرا بحرارة الجو وهواء المكيف الساخن".
وتساءلوا: "هل أصبح المواطن بلا قيمة؟ هل وصل الإهمال إلى هذا الحد من التجاهل والإذلال؟".
وطالب المراجعون بإجراءات عاجلة لإصلاح هذه "التفاصيل الصغيرة" التي تعبّر عن فشل كبير في احترام المواطن، مؤكدين أن "كرامة المواطن ليست ترفاً، ومن لا يحترم الناس لا يستحق موقع المسؤولية"!
وكثيرا ما يشكو مواطنون من عدم توفر أماكن مخصصة للانتظار في بعض الدوائر الحكومية. إذ لا قاعات مكيفة ولا مقاعد للجلوس، الأمر الذي يُرغمهم على انتظار إنجاز معاملاتهم في الهواء الطلق، تحت الشمس الحارقة في الصيف وفي أجواء باردة خلال الشتاء، في الوقت الذي يُطيل فيه الروتين الإداري فترة إنجاز المعاملات بين ساعات وأيام أحيانا!
**************************************
ألف هجوم خلال 2025 قلق شعبي من الكلاب السائبة في ديالى
متابعة – طريق الشعب
أبدى مواطنون في محافظة ديالى قلقا شديدا على أطفالهم من هجمات الكلاب السائبة، مشيرين في أحاديث صحفية إلى أن الكلاب تنتشر في الأحياء السكنية والشوارع الرئيسة، وتهاجم الصغار والكبار.
يأتي ذلك بعد وفاة طفلين خلال شهر واحد، متأثرين بهجمات كلاب سائبة.
ويُطالب المواطنون الجهات المعنية، بالإسراع في اتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحة هذه الحيوانات، التي باتت تهدد حياة أطفالهم، لا سيما أن أعدادا كبيرة منها شرسة.
وكانت مفوضية حقوق الإنسان في ديالى قد أعلنت يوم الأحد 13 تموز الجاري، عن وفاة طفل ثانٍ خلال شهر واحد، بعد مهاجمته من قبل كلاب سائبة، محذرة من تفاقم هذه الظاهرة التي باتت تهدد حياة الأطفال والنساء في عموم المحافظة.
وقال مدير مكتب المفوضية صلاح مهدي، في حديث صحفي، أن "طفلاً صغيرًا توفي في إحدى مستشفيات بعقوبة، متأثرًا بمضاعفات إصابة تعرض لها قبل أيام إثر هجوم كلاب سائبة".
وأضاف أن "هذه هي الضحية الثانية خلال شهر بسبب هجمات الكلاب، بحسب ما وثقناه في المفوضية"، منوّها إلى أن "تقارير دائرة صحة ديالى تشير إلى تسجيل أكثر من ألف حالة هجوم من الكلاب السائبة خلال عام 2025، وهو رقم مقلق للغاية".
ولفت مهدي إلى أن "معظم الضحايا هم من النساء والأطفال، في وقت تزايدت فيه المناشدات من الأهالي وضع حد لهذه الهجمات المتكررة".
وتابع قائلا أن "الكلاب السائبة لا تقتصر خطورتها على الهجمات، بل تمثل أيضًا مصدرًا لنقل الأمراض والأوبئة"، داعيًا حكومة ديالى إلى "وضع خطة شاملة وعاجلة لمكافحة هذه الظاهرة، حفاظًا على حياة المواطنين".
***********************************************
قلعة صالح ممرضون يُقدمون خدمات صحية مجانية
متابعة – طريق الشعب
أعاد 3 ممرضين من أبناء قضاء قلعة صالح في ميسان، إطلاق مشروعهم الصحي الميداني تحت اسم "عيادة القلعة النموذجية". وهي عيادة متنقلة تقدم خدمات تمريضية داخل منازل المرضى، بأسعار رمزية أو مجاناً للعائلات المتعففة.
وتعود بدايات تجربة هؤلاء الممرضين، وهم كرار ومحمد وصادق، إلى فترة جائحة كورونا. حيث بادروا بشكل طارئ إلى توفير الإسعافات والخدمات التمريضية دون مقابل. واليوم أعادوا التجربة بصورة منظمة، معتمدين على دراسة ميدانية للاحتياجات الصحية في القضاء.
يقول مسؤول الفريق كرار فرحان، أنهم يقدمون خدمات صحية مجانية للعائلات المتعففة، ومقابل مبالغ رمزية للعائلات الأخرى، مبينا في حديث صحفي أنهم وجدوا ان هناك عائلات تعاني صعوبة نقل مرضاها إلى المستشفيات والعيادات، لذلك أخذوا على عاتقهم تقديم الرعاية لتلك العائلات داخل منازلها، مستخدمين سيارتهم الشخصية.
أما عضو الفريق الممرض محمد قاسم، فيقول أنه بإمكان المرضى الاتصال بهم عبر ارقام هواتف مخصصة، ليقوموا من جانبهم بالتوجه إليهم، مشيرا إلى ان من أهم الخدمات التي يقدمونها، قياس ضغط الدم، تركيب الكانيولا، التداوي، رفع خيوط العمليات الجراحية وغيرها.
*************************************
اكول.. منصة أور وسن التقاعد
أسامة عبد الكريم
في الوقت الذي تُعلن فيه الجهات الحكومية نيتها توسيع مظلة الحماية الاجتماعية، تظهر مبادرات مثل إدخال الأطفال الجدد إلى البطاقة التموينية عبر "منصة أور" كأمثلة على التحديث الإداري والرقمنة. لكن خلف هذا الوجه الرقمي المضيء، تطفو على السطح أسئلة جوهرية تتعلق بالشفافية، الرقابة، والمصلحة الحقيقية للمواطن. المنصة، التي أُطلقت بتعاون بين وزارتي التجارة والاتصالات، تسوّق كأداة للحد من التزوير ولتبسيط الإجراءات، لكنها تثير شكوكاً مشروعة حول أمن البيانات، وسلامة الوصول إلى المعلومات الشخصية، وسط غياب واضح لأي ضمانات رقابية مستقلة. من الذي يتحكم فعلياً في هذه المنصات؟ وهل ان استخدام الرقم الوطني ورقم الهاتف الخلوي يوفّر حماية للمواطن، أم أنه يشكّل مدخلاً محتملاً للابتزاز وسوء الاستغلال؟!
في موازاة هذا، تأتي المقترحات الحكومية لرفع سن التقاعد إلى ما بعد الخامسة والستين، لتضيف طبقة جديدة من القلق العام. لم يعد التقاعد استحقاقاً طبيعياً بعد عقود من العمل، بل بات وهماً مؤجلاً. إنه قرار لا يمس فقط الحياة العملية، بل يعبث بمصير آلاف المواطنين الذين ينتظرون استراحة الكفّ بعد طول عناء. الأسوأ من ذلك، أن النقاش حول رفع سن التقاعد لم يُطرح ضمن رؤية شاملة أو حوار اجتماعي حقيقي، بل قُدّم كخطوة إدارية مرتبكة، وسط عزل نقابي يشي بخوف عميق من فقدان التأثير. النقابة ليست مجرد منصة احتجاج، بل هي صوت المتقاعدين في وجه السياسات الجائرة. دورها اليوم حاسم في الدفاع عن الحقوق، والتفاوض من أجل ضمان تقاعد كريم وعدالة اجتماعية. التشكيك - من قبل جهات حكومية - بها يضعف موقعها التفاوضي ويخدم من يسعون لتهميش صوت الناس. دعم النقابة هو دعم للعدالة وكرامة العمل.
أما الطامة الكبرى، والتي تمرّ تحت الطاولة، فهي زيادة الاستقطاع الشهري من رواتب الموظفين، بهدف تقليص العجز المالي لصناديق التقاعد. هذه الخطوة تعني، ببساطة، تخفيض الدخل الصافي للأجراء دون أي مقابل ملموس لتحسين أو ضمان معاش كريم. في ظل الغلاء وجمود الأجور، يُعد هذا عبئاً غير عادل. النقابات تدرك أن تمرير القرار بهذا الشكل يُهدد ما تبقى من ثقة قواعدها، ويضعها في موضع المتفرج بدل المفاوض.
المفارقة المؤلمة، أن تأجيل التقاعد لا يعني فقط إرهاق الموظف جسدياً ونفسياً، بل أيضاً سدّ الأفق أمام جيل كامل من الشباب الباحثين عن فرصة عمل. إنها وصفة للتجميد الإداري، ولخلق كتلة بشرية متعبة، عالقة في منتصف الطريق بين الأمل والتقاعد المؤجل. المواطن، الذي تحمّل آثار التضخم، وتراجع فرص العيش الكريم، يُطلب منه الصبر مجدداً، دون أن يرى إصلاحاً حقيقياً أو رؤية اقتصادية تستحق ثقته.
من هذا المنبر، أكَول: إذا كانت هناك نية للإصلاح، فلتُؤجل مقترحات رفع سن التقاعد خمس سنوات على الأقل، تُستثمر خلالها الحكومة في بناء مؤسسات رقمية شفافة، وتحسين جودة الخدمة العامة، وضمان مستقبل آمن للمتقاعدين. الإصلاح يجب أن يكون من أجل الإنسان، لا على حسابه. وكل مشروع لا يراعي كرامة المتقاعد، هو مشروع فاشل.. بل خطر على الاستقرار الاجتماعي ذاته.
****************************************
مواساة
تتقدم اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في واسط، بخالص التعازي والمواساة إلى عائلات ضحايا الحريق المؤلم الذي وقع ليل الخميس في عمارة "هايبر ماركت" التجارية بمركز مدينة الكوت.
الذكر الطيب دوما لجميع الضحايا، والصبر والسلوان لعائلاتهم وذويهم.
***********************************************
الصفحة السادسة
تزامناً مع وقف إطلاق النار في السويداء.. ورفض النزعة الانفصالية في سوريا ولبنان
حزب الإرادة الشعبية يدعو لعقد مؤتمر وطني عاجل وتشكيل حكومة وطنية وإجراء انتخابات حرة
دمشق - وكالات
أعلنت الرئاسة السورية، أمس السبت، وقفاً فورياً وشاملاً لإطلاق النار في محافظة السويداء، ذات الأغلبية الدرزية جنوب البلاد بعد أحداث دامية خلفت أكثر من 700 قتيل بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان.
وحثت الرئاسة السورية في بيانها كافة الأطراف على الالتزام بوقف إطلاق النار وإنهاء الأعمال العدائية في جميع المناطق فورا.
وقال رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع، في كلمة، إن "الدولة السورية تمكنت من تهدئة الأوضاع رغم صعوبة الوضع لكن التدخل الإسرائيلي دفع البلاد إلى مرحلة خطيرة تهدد استقرارها نتيجة القصف السافر للجنوب ولمؤسسات الحكومة في دمشق، وعلى إثر هذه الأحداث تدخلت الوساطات الأمريكية والعربية بمحاولة للوصول إلى تهدئة الأوضاع."
مواجهة المخاطر تتم بوحدة داخلية حقيقية
في الاثناء، قال حزب الإرادة الشعبية السوري، ان "الإسرائيلي يؤكد باعتدائه الذي شنه ضد قيادة الأركان في دمشق، وهي أحد رموز السيادة السورية بغض النظر عمن يجلس فيها، وبتدخلاته التخريبية والتحريضية في السويداء وغيرها من المناطق السورية، أنه -وداعمه الأمريكي- عدو لكل أبناء الشعب السوري، وأن هدفه في سورية كان وما يزال تحريض أهلها على قتل بعضهم البعض باتجاه تفتيتها وإنهائها".
وأضاف، إن "هذه الرسالة الواضحة، ينبغي أن تُفهم جيداً من السوريين جميعاً، وتتحمل السلطة السورية القائمة المسؤولية الأولى والأساسية عن فهمها والتصرف سياسياً على أساسها، بعيداً عن أية أوهام تتعلق بالخارج والاستناد إليه، وخاصة الخارج الغربي، ويشمل هذا أيضاً مسؤولية الأطراف السورية المختلفة عن عدم الوقوع في الخطيئة الوطنية باستدعاء الخارج وخاصة «الإسرائيلي» الذي لا يريد خيراً لأي من السوريين، دولة ومجتمعاً".
ولفت الحزب، إلى أن "الوقوف في وجه الصلف والاعتداءات «الإسرائيلية» له طريق واحد لا بديل عنه، تتحمل المسؤولية الأولى في المضي نحوه السلطة القائمة؛ وهذا الطريق هو طريق عقد المؤتمر الوطني العام فوراً وصولاً لحكومة وحدة وطنية شاملة وانتخابات حرة ونزيهة، والتخلي عن عقلية الاستئثار والغلبة والحلول الأمنية المجتزأة، وكبح وقمع العقليات الثأرية والطائفية التي تنتهك كرامات الناس وأرواحهم وأرزاقهم، ومحاسبة المرتكبين فوراً بشكل شفاف وعلني وحازم دون تسويف أو تأجيل أو مماطلة؛ ما يتطلب الوقف الفوري لإطلاق النار في السويداء، والامتثال للغة العقل والحوار، وتأمين الغذاء والماء والطبابة على وجه السرعة لمنع المأساة من التفاقم، ولإيقاف الأخطار المتدحرجة والمتعاظمة على سلم البلاد ووحدتها".
وأكد "الإرادة الشعبية" أن "الحفاظ على السلم الأهلي ووحدة البلاد هو مسؤولية عظيمة تتطلب إغلاق الثغرات التي تتسرب منها التدخلات الخارجية التخريبية، وعلى رأسها «الإسرائيلية»، ولا مجال لتحقيق ذلك دون توحيد الشعب السوري والاستقواء به لا عليه، والاستقواء به كله لا بقسم منه على قسم.. توحيده على أساس مواطنة متساوية حقة، تحفظ كرامة السوري وحقه بغض النظر عن أي انتماء آخر، وتجمع السوريين عبر الأمان والثقة والشراكة الحقيقية في بناء المستقبل المنشود".
جميع الاعتداءات مرفوضة
بدوره، أعلن شيخ عقل طائفة الموحّدين الدروز في لبنان، الشيخ سامي أبي المنى، موقفاً حاسماً من أحداث السويداء، مشدّداً على ضرورة صيانة الاتفاق الذي جرى التوصّل إليه في المحافظة السورية، ورافضاً "أي نزعة انفصالية أو تقسيمية في سوريا أو لبنان".
وفي بيان متلفز، عقب انتهاء الاجتماع الاستثنائي للهيئة العامة للمجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز في بيروت، قال أبي المنى إنّ "قلق الأقليّة يحتاج إلى عدالة الأكثريّة"، محمّلا السلطة الانتقالية في سوريا "مسؤولية معالجة ما وصلت إليه الأمور من انفلات، ونأسف للاعتداء على الآمنين في السويداء من الجهتين".
وأعرب شيخ العقل عن تضامنه الكامل مع أهالي المحافظة "وكل الأبرياء المصابين بنيران المواجهات"، مشدداً في الوقت نفسه على أنّ "الدعوات الصاخبة إلى النفير العام في سوريا، وخاصة الدعوات العشائرية، مدانة".
ورأى أبي المنى أنّ "الاعتداء على إخواننا من أهل السنة من البدو مرفوض ومدان"، مشيراً إلى أنّ "طلب الحماية الإسرائيلية، لا نقبله، لأنه يضرب تاريخنا وهويتنا".
وختم بالدعوة إلى "سوريا حديثة"، وإلى "سلام عادل وشامل في المنطقة".
************************************************
قرار بالإفراج عن المناضل جورج عبدالله والشيوعي اللبناني يحذّر من اغتياله
بيروت – وكالات
قرر القضاء الفرنسي اليوم الخميس 17 تموز 2025 الإفراج عن المناضل اللبناني جورج عبد الله بعد نحو 40 عامًا من سجنه المؤبد بتهمة المشاركة في اغتيال دبلوماسيين «إسرائيلي» وأميركي. جاء ذلك بحسب وسائل إعلام فرنسية.
وحذّر الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب في تصريح لوكالة ريا نوفوستي الروسية من احتمال إقدام الاحتلال «الإسرائيلي» على اغتيال جورج عبد الله بعد وصوله إلى لبنان.
وطالب غريب الدولة اللبنانية بتحمل مسؤوليتها في حماية المناضل جورج عبد الله.
****************************************
أونروا: نملك غذاء يكفي سكان غزة لأكثر من 3 أشهر لكنه ينتظر الدخول
رام الله - وكالات
في اليوم الـ 652 من حرب الإبادة على غزة اشتدت أزمة التجويع في غزة، في حين واصل جيش الاحتلال ارتكاب المجازر بحق المجوّعين والنازحين.
وأفادت مصادر في مستشفيات غزة باستشهاد 70 فلسطينيا بنيران جيش الاحتلال منذ فجر اليوم بينهم 36 من طالبي المساعدات.
في الاثناء، قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في منشور عبر منصة "إكس"، إنها تمتلك مخزونا غذائيا كافيا لجميع سكان قطاع غزة لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر، لكنه لا يزال في المستودعات بانتظار السماح بدخوله.
وأوضحت الوكالة أن هذه الإمدادات، ومنها ما هو مخزن في مستودع بمدينة العريش المصرية، جاهزة للتوزيع، مشيرة إلى أن الأنظمة اللوجيستية قائمة. ودعت أونروا إلى فتح المعابر ورفع الحصار، مؤكدة أنها مستعدة للقيام بواجبها الإنساني ومساعدة السكان، ومنهم مليون طفل.
*******************************************
الأمم المتحدة تستنكر ترحيل ألمانيا القسري لعشرات الأفغان
برلين – وكالات
رحلت ألمانيا 81 أفغانيا إلى كابول جوا) في خطوة انتقدتها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وقال وزير الداخلية الألماني ألكسندر دوبرييندت إن الأفغان المرحلين صدرت بحقهم إدانات جنائية، واصفا المجموعة بأنها تضم "مجرمين خطرين ومن بين أخطر الجناة".
وكانت الرحلة الجوية التي أقلت الأفغان هي الثانية فقط من نوعها التي تقلع من ألمانيا منذ عودة طالبان إلى السلطة في آب 2021، وتأتي بعد أشهر قليلة من تغيير الحكومة في برلين.
ووجه المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فولكر تورك، انتقادات حادة لعمليات الترحيل، اليوم الجمعة. ودعا تورك إلى "الوقف الفوري لإعادة جميع اللاجئين وطالبي اللجوء الأفغان قسرا، ولا سيما أولئك المعرضين لخطر الاضطهاد أو الاعتقال التعسفي أو التعذيب عند عودتهم"، وفقا لما أعلنه مكتبه في جنيف.
وقالت المتحدثة باسم مكتبه، رافينا شامداساني: "لا ينبغي إعادة الأشخاص إلى أفغانستان. فالوضع في البلاد بالغ السوء". وأضافت أن العديد منهم مهددون بالتعذيب والمعاملة والعقوبة القاسية هناك.
*******************************************
القضاء الأمريكي يجمّد قرار ترامب ضد المحكمة الجنائية
واشنطن – وكالات
أصدرت القاضية الفدرالية نانسي توريسن، حكماً يقضي بوقف تنفيذ أمر تنفيذي أصدره الرئيس دونالد ترامب، يستهدف العاملين مع المحكمة الجنائية الدولية، معتبرة إياه "انتهاكاً غير دستوري لحرية التعبير".
ويأتي هذا القرار القضائي في أعقاب دعوى رفعتها، في نيسان الماضي، مجموعة من المدافعين عن حقوق الإنسان للطعن في الأمر التنفيذي الصادر في 6 شباط، والذي يمنح السلطات الأمريكية صلاحيات لفرض عقوبات اقتصادية وقيود على السفر ضد أي شخص يتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، خصوصاً في ما يتعلق بتحقيقات تمس مواطنين أمريكيين أو حلفاء للولايات المتحدة، مثل إسرائيل.
وفي هذا السياق، تتواصل الضغوط الإسرائيلية على المحكمة الجنائية الدولية، حيث رفضت الدائرة التمهيدية الأولى بالمحكمة، الأربعاء الماضي، طلباً تقدّمت به إسرائيل لإلغاء مذكرات التوقيف الصادرة بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، إلى جانب طلبها تعليق التحقيق في الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية.
وأوضحت المحكمة أن إسرائيل قدمت طلبين منفصلين، أحدهما يطعن في قانونية مذكرات التوقيف، والآخر يطالب مكتب المدعي العام بتجميد التحقيق. وقد رفضت المحكمة الطلبين، مؤكدةً أن لها الولاية القضائية للنظر في الانتهاكات المرتكبة ضمن الأراضي الفلسطينية، رغم اعتراض إسرائيل على هذا الاختصاص.
****************************************
أيدي قادة الاتحاد الأوربي ملطخة بدماء ضحايا الشعب الفلسطيني
عادل محمد
ردا على قرار مجلس وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بعدم تعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، قال النائب الشيوعي عوفر كاسيف: "ليس هناك كلمات تصف هذه الجريمة المشينة. ان دماء القتلى على أيديكم".
أجّل مجلس وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الذي انعقد في 15 تموز، قبل بداية عطلته الصيفية، أي إجراءات محتملة ضد اتل أبيب. وفيما يتعلق بالوضع في قطاع غزة، صرّحت مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، بأن "الاتحاد الأوروبي سيواصل مراقبة تنفيذ هذا الاتفاق عن كثب"، مؤكدةً أنه "سيُراجع الموقف كل أسبوعين". ولم تقل أكثر من هذا.
وقال جوزيف بوريل مفوض الشؤون الخارجية السابق للاتحاد: " فشل مجلس الاتحاد الأوروبي أمس في اتخاذ قرار بشأن انتهاك إسرائيل لبند حقوق الإنسان في اتفاقية الشراكة. لكن هذا الفشل هو قرار بحد ذاته: أوروبا تختار عدم معاقبة إسرائيل على جرائم الحرب المستمرة، وتسمح باستمرار الإبادة الجماعية في غزة دون هوادة".
إسرائيل تنتهك التزاماتها بموجب اتفاقية الشراكة
تلقى وزراء الخارجية تقريرا "سريا" من مفوضية الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي يؤكد موقف الأمم المتحدة بأن إسرائيل مذنبة بـ "الهجمات العشوائية والتجويع والتعذيب والفصل العنصري" ضد الفلسطينيين.
ويضيف التقرير: "انتهكت إسرائيل حكمًا أوليًا صادرًا عن محكمة العدل الدولية" يهدف إلى "منع الأفعال المتوافقة مع اتفاقية الإبادة الجماعية". و "إن حصار إسرائيل لقطاع غزة يرقى إلى مستوى العقاب الجماعي وقد يشكل أيضًا استخدامًا للتجويع كسلاح ". ولقد "قُتل صحفيون وإعلاميون فلسطينيون بأعداد كبيرة، ربما بسبب استهدافهم المباشر. ومن المرجح أن هذه كانت محاولة متعمدة من إسرائيل لتقييد تدفق المعلومات من وإلى غزة ومنع نشر تقارير عن آثار هجماتها". وفي الخاتمة، خلص التقرير إلى أن "هناك مؤشرات على أن إسرائيل تنتهك التزاماتها في مجال حقوق الإنسان بموجب اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل".
شخصيات عالمية تدين
كتبت المقررة الخاصة للأمم المتحدة لشؤون حقوق الانسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيزي، إلى اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي: "يُعدّ الضغط الاقتصادي أقوى أداة لدى الاتحاد الأوروبي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي والإبادة الجماعية المستمرة. وتؤكد معطيات جديدة أن الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري لإسرائيل".
وأضافت "إن الحفاظ على التجارة مع اقتصاد مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالاحتلال والفصل العنصري والإبادة الجماعية يعني التواطؤ. ويعني التغاضي عن انهيار النظام القانوني الدولي. ويعني أيضًا أن الاتحاد الأوروبي مسؤول عن مقتل أكثر من 17 ألف طفل على يد إسرائيل خلال الأشهر الـ 21 الماضية، ومئات الفلسطينيين الذين ذبحوا وهم يحاولون الحصول على كيس دقيق لعائلاتهم الجائعة، وأكثر من ذلك بكثير. بين عامي 2023 و2024، زادت صادرات الاتحاد الأوروبي من السلع إلى إسرائيل بمقدار 1,2 مليار يورو. يجب أن ينتهي هذ كله". ودعت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى إشراك محكمة العدل الأوروبية للامتثال لبند حقوق الإنسان في اتفاقية الشراكة.
واتهم كلاوديو فرانكافيلا، نائب مدير مكتب الاتحاد الأوروبي في منظمة هيومن رايتس ووتش، المجلس بـ "الفشل": "حتى الآن، كانت المراجعة خدعة مكشوفة: إسرائيل تعلم جيدًا أن حلفاءها الأكثر عمى، بمن فيهم ألمانيا وإيطاليا، سيواصلون عرقلة أي إجراء يهدف إلى وقف جرائمها". وفقًا لفرانكافيلا، كان الوعد بـ "بضع شاحنات إضافية" كافيًا لبعض الحكومات الأوروبية "لنسيان أخطر الجرائم"، بما في ذلك "الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والفصل العنصري، والتعذيب في غزة والضفة الغربية". ويرى أن أحد الحلول يكمن الآن في "إحالة الدول التي تعرقل الإجراءات إلى محكمة العدل الدولية". وان" جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الإبادة الجماعية، التي تُلزمها بوقفها وعدم تشجيعها".
وقالت منظمة العفو الدولية: "سيُذكر هذا الحدث كواحدة من أكثر اللحظات المخزية في تاريخ الاتحاد الأوروبي. إن رفض الاتحاد الأوروبي تعليق اتفاقيته مع إسرائيل يُعد خيانة قاسية وغير قانونية للمشروع ا والرؤية الأوروبية القائمة على احترام القانون الدولي ومكافحة الممارسات الاستبدادية، ولقواعد الاتحاد الأوروبي نفسه، ولحقوق الإنسان الفلسطيني".
إسبانيا والأغلبية المؤيدة للتعليق
كان رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز قد دعا الاتحاد الأوروبي، خلال اجتماع رؤساء حكومات الاتحاد الأوروبي في 26 حزيران الفائت، إلى تعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل فورًا. وأكد إن "وضعًا كارثيًا يُمثل إبادة جماعية يتطور في قطاع غزة". إلا أن رؤساء الحكومات أرجأوا القرار إلى اجتماع وزراء الخارجية الأخير.
وقبل اجتماع وزراء الخارجية، أكد وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس أن بلاده ستضغط من أجل تعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وفرض حظر على توريد الأسلحة إليها، وحظر على منتجات المستوطنات، وفقًا لمعايير الاتحاد الأوروبي والمعايير الدولية.
وأعرب بعض الوزراء عن خيبة أملهم من عدم اتخاذ إجراءات ضد إسرائيل. وعقب الاجتماع ، كتبت وزيرة الخارجية السلوفينية تانيا فاجون أنها تأسف لعدم التوصل إلى "توافق في الآراء" خلال الاجتماع لمتابعة مراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل". وأضافت أن "الاتفاق المبدئي" على تحسين المساعدات الإنسانية "لا يمكن أن يُستخدم ذريعةً للتقاعس".
وتُطالب أغلبية دول الاتحاد الأوروبي بتعليق اتفاقية الشراكة بسبب انتهاكات تل أبيب المُثبتة لحقوق الإنسان. وبالمقابل تدعم ألمانيا وإيطاليا والمجر، حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل في غزة دون قيد أو شرط، وبفضل آليات الاتحاد الأوروبي، تستطيع هذه الأقلية عرقلة جهود الأكثرية.
******************************************
الصفحة السابعة
راهن الولايات المتحدة يذكر ببواكير العهد النازي!
رشيد غويلب
يتسم الوضع الاجتماعي والسياسي في الولايات المتحدة بأزمات متعددة: التطرف السياسي، تنامي التفاوت الاجتماعي، العنصرية الهيكلية، الهشاشة الاقتصادية، والتآكل المنهجي للمؤسسات الديمقراطية. ومع إعادة انتخاب دونالد ترامب، يتضح نمط حكم استبدادي، له عواقب وخيمة على الأوساط العلمية والرأي العام والحركات الاجتماعية. وفي المقابل، تنشأ ثقافات سياسية محلية جديدة للمقاومة.
يشير تقرير عن زيارة علمية لمدينتي دنفر(كولورادو)، وتاكوما (واشنطن): تحوي المدينتان أمثلةً نموذجيةً على تفكك الأماكن العامة، والهياكل المؤسسية في المدن الأمريكية. تشمل علامات الإهمال الواضحة في الشوارع والمباني المتداعية، والجسور المتهالكة، والأحياء المهجورة، والتي تبدو أحيانًا بائسة. ومن اللافت للنظر بشكل خاص الزيادة الهائلة للمشردين، اذ تُعدّ المخيمات على طول الطرق السريعة والحدائق والأرصفة جزءًا طبيعيًا من الحياة في الأماكن العامة/ في حين في المدن المُصممة لحركة السيارات، تتجاوز غالبية السكان ضوابط المرور.
تباين اجتماعي عميق
يُشير توسّع الفقر اليومي وتركيز رأس المال في أيدي محصورة إلى انقسامٍ هيكليٍّ اقتصاديٍّ، كما وصفه توماس بيكيتي في تحليله للثروة ما بعد الصناعية. في عام 2024 كان في الولايات المتحدة الأمريكية قرابة 40 في المائة من مليونيريي العالم. في حين يمتلك أكثر من 80 في المائة من السكان البالغين في الولايات المتحدة الأمريكية أقل من 100الف دولار أمريكي، مما يُسلّط الضوء على التوزيع غير المتكافئ للثروة. يُؤثّر تمركز الثروة في أيدي 1 في المائة الأغنى من السكان على العمليات الديمقراطية، والتمثيل السياسي، والتماسك الاجتماعي. لقد خلقت سياسات تحرير التجارة في العقود الأخيرة، الإعفاءات الضريبية للأثرياء، وخصخصة السلع العامة، نظامًا يُقيّد المشاركة الاجتماعية، بل ويعرقلها، بشكلٍ منهجي.
بالتوازي مع الفقر المادي، تتآكل الثقة الاجتماعية في الولايات المتحدة. فالأشخاص الذين يلتقون في الأماكن العامة القليلة، كالأرصفة أو المواصلات العامة، عادةً ما يلتزمون بالتباعد والحذر. ولعلّ هذا يعود جزئيًا إلى كثرة سيناريوهات التهديد في وسائل الإعلام وسهولة الحصول على الأسلحة النارية. وفقًا للتقديرات المتاحة، تُباع أكثر من مليون قطعة سلاح ناري جديد في الولايات المتحدة شهريًا. وبحلول منتصف حزيران 2025، سُجِّلت حوالي 6450 حالة قتل بالأسلحة النارية (ما عدا حالات الانتحار).
من ناحية أخرى، يُعزى تآكل الثقة الاجتماعية بالتأكيد إلى الاستقطاب الاجتماعي. فالمجتمع الأمريكي، بنظامه الحزبي الفعلي، وواقع الحياة والثقافات المتباين بشدة، بين المناطق الريفية والحضرية مثلا، والاستقطاب الحاد في وسائل الإعلام المدفوعة بالربح، لا يوفر أرضية مشتركة تُذكر للنقاش أو الحوار. فالحقائق والأدلة والحجج تعتمد على عوامل اجتماعية وثقافية، مما يُعقّد الحوارات اليومية، ناهيك عن النشاط السياسي المشترك.
ضغوط على الحياة العلمية والأكاديمية
تؤثر هذه القضايا أيضًا على الأوساط الأكاديمية. سيطر الغضب والاستياء واليأس على المؤتمرات. وتتعرض المؤسسات العلمية لضغوط سياسية شديدة. ويواجه البحث في مجالات النوع الاجتماعي والعنصرية وتغير المناخ والعدالة الاجتماعية، على وجه الخصوص، قيودًا هائلة في ظل إدارة ترامب الثانية. لقد أُعيد ترتيب هياكل التمويل، وهُمّشت المواضيع المثيرة للجدل أيديولوجيًا أو أُزيلت تمامًا من المؤسسات العامة. ويمكن للجميع أن يروي قصصًا عن خفض تمويل أبحاثهم وتهديد الطلاب الأجانب.
تُحذف حاليًا قائمة طويلة من المصطلحات من المواقع الإلكترونية والوثائق الحكومية، وتُرفع للمراجعة من قِبل السلطات الفيدرالية. بهذا تسعى إدارة ترامب إلى حذف جميع الإشارات، ليس فقط إلى التنوع والمساواة والشمول، بل أيضًا إلى تغير المناخ واللقاحات ومجموعة من المواضيع الأخرى. تحتوي قائمة أعدتها منظمة "بان أمريكا" على أكثر من 250 كلمة وعبارة لم تعد مقبولة في عهد إدارة ترامب. تتراوح هذه المصطلحات بين "الإجهاض" و"النساء" و"الإعاقة" و"كبار السن" و"الأمريكيين الأصليين"، وليس من المستغرب أن يكون "خليج المكسيك" بينها. بهذه الطريقة، تستبعد اللغة بشكل ممنهج من الرأي العام، ويُستغل العلم سياسيًا.
في الوقت نفسه، تُلغى تأشيرات الطلاب الأجانب في الجامعات الأمريكية لأسباب مختلفة، منها مزاعم انتهاك شروط التأشيرات والقيام بالأنشطة الإجرامية، بالإضافة إلى مخاوف مزعومة تتعلق بالأمن القومي. وأخيرا، مُنحت وزارة الخارجية الأمريكية صلاحية إلغاء التأشيرات، ويمكن أن تتم عمليات الإلغاء، حتى دون توجيه اتهامات رسمية. كما أصدرت الحكومة تعليمات إلى سفارات الولايات المتحدة حول العالم بالتوقف مؤقتًا عن جدولة مواعيد تأشيرات الطلاب.
مقاومة سياسية وتضامن
بالمقابل تشهد البلاد حراكا مضادا ما يزال في بداياته، خرج أكثر من خمسة ملايين إلى الشوارع، في جميع الولايات الخمسين، من مدن رئيسية كنيويورك ولوس أنجلوس وشيكاغو إلى المناطق الريفية. لقد نُظم أكثر من 2000 احتجاج، وفي سولت ليك سيتي، أُطلقت النار على أحد المشاركين. لقد تطورت فعاليات "يوم بلا ملوك" الرمزي إلى أكبر موجة احتجاجات حتى الآن ضد رئاسة ترامب الثانية. يحتج المتظاهرون على سياسات ترامب "العنصرية والاقصائية" في مجال الهجرة، وهجماته على نظامي الرعاية الصحية والتعليم. واتهموه بتجاوز سلطته، والمساهمة في تصعيد التوترات في الشرق الأوسط بدعمه لدولة الاحتلال بالضد من الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، والسعي إلى الحكم كملك. اندلعت هذه الاحتجاجات ردًا على استعراض عسكري للقوة في واشنطن، حيث أقام الرئيس عرضًا عسكريًا فخمًا للقوات المسلحة في عيد ميلاده التاسع والسبعين يوم السبت. كانت المناسبة الرسمية للاستعراض هي الذكرى السنوية الـ 250 لتأسيس الجيش الأمريكي، ولكن في الواقع، وبالنظر إلى الانتقادات المتزايدة لسياسته وأدائه، كان اهتمام ترامب الأكبر باستعراض القوة. شكّل 6 آلاف جندي و150 مركبة مدرعة و50 طائرة مقاتلة خلفيةً للخطاب العسكري في العاصمة. وقال نافيد شاه، من منظمة "الدفاع المشترك"، وهو من قدامى المحاربين في الجيش الأمريكي، خلال احتجاج في فيلادلفيا: "هذا ليس تعبيرًا عن الوطنية، بل استعراض للقوة". ووفق استطلاع للرأي، فإن قرابة 70 في المائة من الجنود الأميركيين السابقين يرفضون المشهد العسكري الذي يرسمه ترامب. ومن جانب آخر لم يحقق استعراض القوة هدفه التعبوي، فالعديد من المدرجات كانت فارغة. وكما أظهرت العديد من الصور، شعور ترامب نفسه بالملل من العرض. في النهاية، فشل عرض القوة العسكرية. لقد كان ذلك مشجعا لقوى الاحتجاج.
مطالب المحتجين كانت واضحة: لا لسياسات الحكومة الاستبدادية، لا لقمع المهاجرين، لا لعسكرة السياسة الداخلية. وتعرضت مداهمات سلطات الهجرة، التي تزايدت في الأسابيع الأخيرة، وتنفيذ الاعتقالات في المناطق السكنية والكنائس وأماكن العمل، لانتقادات حادة. واحتج قس على اعتقال أحد المصلين أمام كنيسته مباشرة، قائلاً: "لم نكن نتوقع أن يطرقوا أبوابنا". وردّت السلطات على الاحتجاج بمزيد من القمع. وفي لوس أنجلوس، تصاعد الوضع عندما أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع. وفي جورجيا، استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع أيضًا لتفريق تظاهرة مناهضة لسلطات الهجرة، وجرى اعتقال عدد كبير من المشاركين. وفي فلوريدا، أوقفت الشرطة متظاهرين كانوا في طريقهم إلى منزل ترامب في مارالاغو. ووفقًا لوسائل الإعلام المحلية، ردّ المتظاهرون في عدة مواقع بأغنية وودي غوثري "كلكم فاشيون، مصيركم الهزيمة".
لقد شكّلت التظاهرات ردا. شارك ملايين الناس في الاحتجاجات التي عمّت البلاد ضدّ النزعات الاستبدادية والهياكل البلوتوقراطية (سياسات الأثرياء) في ظلّ إدارة ترامب. في دنفر، كان هناك عشرات الآلاف. كانت الاحتجاجات مؤثرة، ولافتات الناس تحمل أفكارًا نقديةً مبتكرة. شعارات مثل "اطردوا الكراهية، لكن ليس جيراننا"، و"المهاجرون يصنعون عظمة أمريكا"، و" الرايخ القذر"، في إشارة إلى الرايخ الثالث النازي، لقد عبرت الشعارات على أكثر من مجرد سخط. على الرغم من هذا التصعيد السياسي، أو ربما بسببه، تظهر أشكال جديدة من التنظيم السياسي في الولايات المتحدة، أكاديميًا ومحليًا. وقد نوقشت استراتيجيات مضادة، وقُدّمت نصائح عملية للمقاومة في عدد من المؤتمرات. ويتواصل العلماء، ويطلبون المساعدة القانونية، ويتحدون علنًا التوجهات الفاشية لإدارة ترامب. وفي الوقت نفسه، تتشكل في مدن مثل دنفر وتاكوما مجموعات سكنية تعاونية، وتعاونيات صحية، ومنظمات نسوية للمساعدة الذاتية، ومشاريع تكنولوجية مفتوحة. أما على المستوى المحلي، فهم يعملون خارج هياكل السلطة المؤسسية، ساعين إلى استجابات تضامنية لمواجهة تفاقم ظروف المعيشة الهشة، ويخرجون إلى الشوارع رغم التهديد المتزايد من الدولة والشرطة.
مخاطر جدية
إن توقع تزايد عنف اليمين السياسي وارد جدا. أخيرًا، أطلقت النار على سياسيين ديمقراطيين في ولاية مينيسوتا. قُتلت النائبة ميليسا هورتمان وزوجها بالرصاص في منزلهما، وأصيب السيناتور جون هوفمان وزوجته بجروح خطيرة. في الوقت نفسه، وردت تقارير عن "تهديدات موثوقة" ضد مسؤولين منتخبين آخرين في تكساس، مما أدى إلى إلغاء تجمع جماهيري كان مقررًا في أوستن. ولا تزال الخلفية الدقيقة لهذه الهجمات غير واضحة، ولكن هناك الكثير مما يشير إلى أن هذه الهجمات كانت ذات دوافع سياسية في ظل مناخ الكراهية الذي تغذيته سياسات ترامب. وقد أُلقي القبض أخيرا على مسلح مشتبه به. وهو مسيحي فاشي ومن مؤيدي ترامب.
ما يزال ترامب يحظى بشعبية بين الجمهوريين. ومع ذلك، تُقابل سياساته برفض مجتمعي واسع النطاق. ان الاستقطاب كبير. وفي الوقت نفسه، يحاول الرئيس تمرير مشروع قانون ميزانية كبيرة جدا في الكونغرس، مما سيؤدي إلى ارتفاع الدين العام إلى مستويات فلكية، بتريليونات الدولارات خلال العقد المقبل! وكذلك، يُخفّض الضرائب لأصدقائه من الأوليغارشية، ويُقلّص برنامج التأمين الصحي للفقراء. إن ما يحدث يثير قلق شديد. وينطوي على أوجه تشابه مع بدايات النازية الألمانية في ثلاثينيات القرن العشرين.
إن هناك محاولة تمجيد ماضٍ غامض: "لنجعل أمريكا عظيمةً مجددًا"؛ والوصف المبتذل للأقليات، وتحميلها مسؤولية جميع مشاكل البلاد؛ والترويج لأجندة الاكتفاء الذاتي الاقتصادي الكامل؛ وتبني نظرية "السلطة التنفيذية الموحدة"، بما في ذلك عمليات تطهير لكبار جنرالات الجيش؛ والهجوم على الجامعات وحرية الصحافة؛ وقمع المعارضة بالقوة العسكرية؛ واختطاف الناس في الشوارع على يد عملاء حكوميين مسلحين وملثمين لمجرد إعلان معارضتهم السياسية. أو الفساد الذي بموجبه يدمج ترامب أعماله الشخصية وأرباحه بالعمل الحكومي الرسمي. يشعر الفرد وكأنه في برلين عام ١٩٣٣، وليس في سانت لويس بولاية ميسوري الامريكية عام 2025. إن هناك حاجة لجعل المخاطر مرئية من الأغلبية، لان البلاد منقسمة. لكن هناك إدراكًا متزايدًا بالاتجاه نحو الاستبداد، وتزايد عدد المشاركين في احتجاجات دليل على ذلك.
غيستابو امريكي
الصعوبات التي تواجهها الولايات المتحدة تُشبه تلك التي واجهتها ألمانيا في ثلاثينيات القرن العشرين. وتتحول بشكل متزايد إلى "غيستابو أمريكي" (الشرطة السرية النازية)، حيث يختطف رجال ملثمون مجهولو الهوية الناس من الشوارع ويرحلونهم إلى مراكز احتجاز دون محاكمة عادلة. ويعتقد كثيرون أن "المجرمين المتمرسين" فقط هم من يُختطفون. لكن هذا ليس صحيحًا! لقد تم اختطاف العديد من المهاجرين، بما في ذلك حتى بعض المواطنين الأمريكيين بالإضافة إلى مواطنين أجانب يقيمون بشكل قانوني في الولايات المتحدة. والمحاكم تقاوم، لكن الإجراءات تتقدم ببطء.
مجلس الشيوخ
يُمثل مجلس الشيوخ مشكلةً كبيرة. فبموجب الدستور، هو المسؤول عن تقديم "المشورة والموافقة" على مرشحي الحكومة. والآن، وافق مجلس الشيوخ على مرشحي ترامب، في كل مرة بأغلبية ضئيلة للغاية. ونتيجة لذلك تُدار مؤسسات مهمة الآن من قِبل أتباع ترامب غير الأكفاء، مثل وزارة العدل، التي انيطت بالمدعية العامة باميلا جو بوندي. وفي هذه الأثناء، فُصل أو استقال غالبية محاميي قسم الحقوق المدنية احتجاجًا، وحل محلهم أتباع قانونيون. وحدث الشيء نفسه، على نطاق واسع، في مكتب التحقيقات الفيدرالي، وجهاز الاستخبارات الوطني، ووزارة الأمن الداخلي، وغيرها. إنه أمرٌ مُقلق! جميع هؤلاء يُفسرون ويطبقون القوانين وفق رؤية ترامب الأيديولوجية، مُخالفين بذلك تمامًا تقاليد الادارة السياسية داخل هذه المؤسسات. ومن الصعب مُقاومة ذلك. وتُنفَّذ العديد من هذه الترشيحات والتغييرات السياسية المرافقة لها تحت غطاء زائف، هو مكافحة "معاداة السامية" و"التمييز العنصري". في الواقع، هناك محاولة للتغطية على إخفاء تفكيك جميع البرامج التي سعت تاريخيًا إلى تصحيح الظلم العنصري وتحسين مشاركة الأقليات في الحكومة. ويدّعي ترامب أن هذه البرامج تمثل تمييزا عنصريا ضد البيض على أساس عرقهم أو ضد الرجال على أساس جنسهم. وقد قام بتطهير الحكومة بشكل منهجي للتخلص من النساء ذوات الأداء العالي وأبناء الأقليات العرقية، مدعيًا أن تعيينهم جاء بسبب التمييز العنصري ضد البيض.
أهداف ترامب
يريد ترامب قيادة حكومةً بيضٌ نقية العنصر، ويفضل أن يكونوا رجالًا. ويغض النظر عن بعض أعضاءً الحكومة من أقليات عرقية، مثل كاشياب برامود باتيل (رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي) أو هارميت كور دهيلون (رئيسة قسم الحقوق المدنية بوزارة العدل)، طالما أنهم خاضعون له بما يكفي. كلاهما متطرفان يمينيان وينحدران من اصول آسيوية.
ان هذه التوجهات تؤدي الى تدمير قيم سياسية ومجتمعية مثل تدمير وكالة التنمية الدولية، وتخفيضات تمويل البحث الطبي والعلمي بمليارات الدولارات، والهجوم على الجامعات دون مراعاة الأسس القانونية، كلها أحداثٌ عميقة سيتردد صداها لعقود مقبلة. باختصار، النفوذ الأمريكي في العالم يغرق كالحجر في الماء، كل ذلك لإرضاء غرور شخصٍ مُعتلّ نفسيًا انتقاميًا ونرجسيًا.
السيناريو الأسوأ
الكثير من الأمريكيين والأوربيين يتمنون علاقات قوية بين أوربا والولايات المتحدة، لكن سياسات ترامب تقول إن على الأوروبيين الاستعداد لمقاومة العدوان السياسي والعسكري، القائم على أسباب غير معروفة، إذا ما استثنينا انعدام الأمن النفسي الشخصي والرغبة في الظهور بمظهر "القوي"، ولهذا يرغب ترامب بعلاقة ودية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وبالتالي يجب أن تكون أوربا مستعدة لانهيار حلف الناتو بشكله الحالي. قد لا يصمد في عهد ترامب. من المعروف أن ترامب مفتون بالرئيس الأمريكي الإمبريالي ويليام ماكينلي، الذي دعا أيضًا إلى فرض رسوم جمركية مرتفعة في أواخر القرن التاسع عشر. كان ذلك في وقت كانت فيه الولايات المتحدة في حالة حرب مع إسبانيا، احتلت الفلبين، وأطاحت بالملكية في هاواي. على الرغم من ان نية ترامب المعلنة بجعل كندا الولاية الحادية والخمسين في أمريكا محض هراء، لكن رغبته في ضم غرينلاند جدية. من الناحية العسكرية، سيكون من السهل على الولايات المتحدة ضم غرينلاند، لكنه سيدمر حلف الناتو وعلاقات الولايات المتحدة مع بقية العالم. قد يبدو هذا السناريو مستبعدًا، لكنه بالتأكيد ليس مستحيلًا.
المصادر
1– تقرير عن الاحتجاجات في الولايات المتحدة، جريدة "يونغه فيلت" الألمانية في 16 حزيران 2025
2– تقرير ميداني: "الولايات المتحدة بين السقوط والمقاومة"، موقع معهد البحوث الاجتماعية والإيكولوجية في ميونخ في 25 حزيران 2025
3– حوار مع ل. لويس وول (طبيب وناشط اجتماعي امريكي) ، جريدة نويز دويجلاند في 25 حزيران 2025
*****************************************
أين اليسار: الإمبريالية الإمريكية المأزومة خارجياً، تنقلب على ذاتها داخلياً
دينا الطائي
من الوقائع إلى البنية - الداخل الامريكي يهتز
الولايات المتحدة لا تواجه فوضى عابرة أو انقساماً حزبياً تقليدياً، بل سلسلة مترابطة من الانفجارات الاجتماعية والأمنية والسياسية، تكشف تصدّعاً عميقاً في بنية الهيمنة. التحليل هنا لا ينطلق من تنظير مجرد، بل من وقائع ملتهبة. ما يبدو كأحداث متفرقة، ليس سوى تجلّيات متراكبة لانهيار منظومة حكم قائمة على "رأسمالية الفوضى" حيث يتآكل العقد الاجتماعي وتتحوّل الديمقراطية إلى غطاء هشّ للردع الطبقي.
في الساحل الغربي، تحديدا كاليفورنيا، نشهد عمليات ترحيل جماعي تطال المهاجرين والفقراء، واحتجاجات شعبية على وقع التمييز والحرمان، تُواجَه بانتشار الحرس الوطني واعتقالات واسعة تحت غطاء "إعادة فرض النظام" - وهو التعبير النيوليبرالي المعاصر عن القمع الطبقي. في المقابل يرفض حاكم الولاية الانصياع لتوجيهات واشنطن، معلناً أن "الولاء الفيدرالي لم يعد مسلّماً به". أما في الولايات الجنوبية، فيتعمّق تمرّد الحكّام المحافظين، ويعلو خطاب "استعادة السيادة المحلية"، كإشارة عملية على تصدع البنية الفيدرالية نفسها.
في نيويورك، تندلع المواجهة على مستوى رمزي وسياسي: ففي مدينة تُعدّ معقلاً مالياً للولايات المتحدة قُدمت كرمز للتعددية و"نجاح الحلم الأميركي"، والتي تضم مجتمعات مهاجرين ضخمة من آسيا وأمريكا اللاتينية، إضافة إلى جالية يهودية تقارب المليون، ومجتمع مسلم يناهز المليون كذلك. التركيبة العرقية أنتجت نسيجاً اجتماعياً متنوعاً كان مستبعداً تقليدياً من مواقع السلطة، تشهد صعودا مفاجئا لمرشح يساري-تقدمي من أصول مهاجرة مسلمة، زهران ممداني، بدعم تحالف واسع من الشباب، والمهمّشين وقوى يسارية. الحدث ليس تقنياً أو انتخابياً، بل يحمل دلالات تمسّ هوية المدينة، لذا سرعان ما يوصف ممداني من قبل اليمين وترامب بـ"الشيوعي"، مع تحريض عنصري وتهديدات بقطع التمويل الفيدرالي عن المدينة في ابتزاز طبقي مكشوف يكشف كيف تُدار "الديمقراطية" الأميركية حين تهتز أركانها، ويكشف الذعر العميق من تصدّع الإجماع الليبرالي داخل معقل الرأسمال وتغيّر البنية الرمزية للسلطة في أميركا.
في موازاة التصدّعات السياسية والطبقية، يكشف الحراك الجامعي والطلابي الأميركي الرافض للعدوان على غزّة والتصعيد مع إيران، عن اهتزازٍ في العمق الأيديولوجي لمنظومة الحكم الإمبريالي. الجامعات، التي كانت جزءاً من "جهاز الدولة الأيديولوجي" كما وصفها ألتوسير، باتت اليوم منصّات مقاومة ضد الصهيونية، واللوبيات المالية، والرأسمال العسكري-الأكاديمي. لم يَعُد يُنظر إلى الإمبريالية ;كمشروعٍ، بل كعبء أخلاقي واقتصادي، حتى في عيون نخبها التعليمية.
غرامشي أشار إلى أن الهيمنة لا تُبنى بالقمع وحده، بل بـ "الرضى الثقافي"، وعندما يتصدّع هذا الرضى في الحقل الأكاديمي، فذلك إعلان بانكشاف الهيمنة وفقدان قدرتها على إنتاج الشرعية. أما في البنية العميقة، تتكشف أزمات متزامنة: فشل في السياسات الاقتصادية والضمانات الاجتماعية، كذلك السكن، الصحة، التعليم، اتساع الفجوة العرقية، تصاعد العنف البوليسي، وعجز الدولة أمام الكوارث البيئية لصالح الشركات الكبرى. هذه التصدّعات أجهزت على ما تبقّى من شبكة الأمان الاجتماعي، وأنتجت هشاشة وجودية للملايين داخل اميركا.
أما خارجياً، فالإمبريالية الأميركية لم تُنهِ حروبها كما وعد ترامب، بل أعادت تموضعها بعدوانية أوسع، وبتحالفات مع قوى يمينية متطرفة في أوروبا وإسرائيل، وميزانيات حرب متضخمة. وكأنها تقول: نحن مأزومون في الداخل، فلنُخيف العالم أكثر.
الانفجار الأمريكي: حين يرتدّ الاستعمار إلى الداخل
ما يجري ليس مجرّد تراكم للأزمات، بل تعفّن داخلي لهيكل "الديمقراطية الأميركية" وإشارات بنيوية تنذر بتحول الأزمة الأميركية من أزمة إدارة إلى أزمة نظام.
فالنظام الرأسمالي الأمريكي - الذي أسس شرعيته على الاستعمار والهيمنة المالية العالمية - يجد نفسه اليوم مضطراً لاعادة تموضع عنيف بتطبيق آليات الردع نفسها في الداخل: العنف، الطرد، العنصرية، وملاحقة أي صوت سياسي يهدد بنيته في محاولة يائسة لتثبيت عقد اجتماعي يتصدّع.
هنا تظهر "الهيمنة العارية" التي اشار اليها غرامشي: حين تفقد السلطة قدرتها على الإقناع، وتفشل في إعادة إنتاج الأيديولوجيا، لا يتبقى سوى العنف الصريح وهو ماوصفه لينين، "قشرة الديمقراطية" التي تنكشف لتُظهر آلة القمع مجرّدة من كل تزويق.
لفهم هذه اللحظة، لا يكفي توصيفها بوصفها فشلاً إدارياً أو تعثراً في السياسة العامة، بل يجب تفكيكها باعتبارها لحظة اصطدام بين البنية التحتية الاقتصادية -الرأسمال المأزوم، الدين العام، انعدام التوزيع- والبنية الفوقية التي تدّعي الحرية والديمقراطية.
أما مظاهر الأزمة - من الترحيلات الجماعية، إلى تفكك الفيدرالية، إلى صعود يمين متطرف واشتراكيين جدد - فليست طارئة، بل تجلٍّ لانهيار تراكمي طويل في مرتكزات الدولة الإمبريالية.
الأزمة الأمريكية من منظور ماركسي
ما يجري اليوم، ليس سوى ارتداد داخلي لقانون أساسي في الرأسمالية: كما حذّر ماركس، فإن التراكم لا يُنتج الثروة فقط، بل يُنتج البؤس كضرورة بنيوية، ومع تصاعد النيوليبرالية التي فُرضت كخلاص عالمي، بات الاستغلال مضاعفاً، لا في الأطراف المُستعمَرة فقط، بل في قلب المركز حيث تعجز البنية الفوقية وآليات الهيمنة الأيديولوجية عن تبرير الأزمات واحتواء التناقضات وإنتاج توافق اجتماعي، هنا يظهر "الاغتراب البنيوي" الذي تحدّث عنه ماركس: الذي ينشأ من فصل الانسان عن وسائل الإنتاج، حيث يشعر المواطنون أنفسهم مغتربين عن أدوات القرار، والمعرفة، والحق في الحياة الكريمة.
في هذا السياق، لا يُمكن فهم ترامب وحتى ظهور الحزب الجديد لإيلون ماسك كاستثناء، بل كذروة منطقٍ مأزوم، حيث تغدو الفاشية خياراً بنيوياً لا طارئاً لنظام يفقد مشروعيته من داخل قاعدته الطبقية.
ومن هنا تترابط الأزمة الداخلية الأمريكية بالإمبريالية الخارجية: فكلما فشلت الدولة في إنتاج الإجماع داخلياً، ازدادت حاجتها لخلق عدو خارجي- الصين، إيران، روسيا، أو حتى المهاجرين العزّل على حدودها.
إذا كان الوحش ينهار، فلنُسرّع دفنه
لا تُفهم الأزمة الأمريكية إلا بوصفها أقرب إلى لحظة انفجار النموذج الذي أراد فوكوياما أن يُنهي به التاريخ، في قلب هذا الزلزال، يتحدّد الصراع: هل ستتحول الدولة إلى فاشية ناعمة تفرض الولاء بالقوة؟ أم ينتزع الفقراء والمهمّشون أجندة تغيير جذرية من الداخل؟ هنا لا يملك اليسار العالمي ترف المشاهدة؛ بل عليه أن يكون فاعلاً، والفرصة التاريخية تفرض سؤالًا: هل نبني بديلاً أم ننتظر الانهيار؟ الانهيار وحده لا يصنع التحرر. الفاشية تنتظر، والأسواق البديلة تتحرك، واليمين العالمي يتعلم من بعضه. إذا لم يتحرك اليسار، فإن الأرض التي تنخسف تحت أقدام الإمبريالية قد تُستغلّ لتأسيس نسخة أكثر توحشاً منها.
فالانفجار الأميركي من الداخل ليس بالضرورة بديلاً ثورياً، بل يُعَدّ فرصة لاستئناف التاريخ من حيث أُجبر على التوقف، لبناء عالم لا تُختزل فيه الإنسانية في نموذج إمبريالي يتهاوى تحت وزنه. كما يفتح المجال أمام انفجار الأسئلة الممنوعة.
هل يواصل اليسار التماهي مع أنماط "يسارية ليبرالية" ولدت في رحم المركز؟ أم يعيد بناء خطابه وتحالفاته انطلاقاً من الواقع المادي للشعوب المقهورة، وللطبقات العاملة والمهمشة في المركز نفسه كما في الاطراف؟
كما كتب إنجلز: "العنف هو القابلة التي تلد العالم الجديد"
والقابلة جاهزة، فهل نحن مستعدون للولادة؟
7 تموز 2025
************************************************
الصفحة الثامنة
الصحافة الشيوعية العراقية والإعلام الرقمي
ماجد لفته العبيدي
إن تاريخ الصحافة اليسارية العراقية يرتبط بصدور جريدة (الصحيفة) في 18 كانون الاول 1924والذي تراس تحريرها حسين الرحال من الرواد الأوائل للحلقات الماركسية، وكانت صحيفة اجتماعية وأدبية وعلمية ذات طابع يساري ماركسي، تتبني قضايا الناس وتدافع عن مصالحهم.
لقد استفاد الرفيق الخالد فهد من هذه التجربة الأولى للصحافة اليسارية بالإضافة عمله السابق كمراسل لجريدة الأهالي في الناصرية، بوضع الأسس الرصينة للصحافة الشيوعية العراقية، وساهم في إصدار صحيفة الحزب الأولى (كفاح الشعب) في 31 تموز 1935، وبعدها صدرت (الشرارة) نهاية عام 1940، ثم جريدة (القاعدة) مطلع عام 1943، كما صدرت جرائد (العمل) و (وحدة النضال) و (النجمة) و(الاتحاد) و(شورش)، وساهم الحزب في إصدار صحيفتين علنيتين هما (الأساس) و (العصبة) بالتعاون مع المثقفين اليساريين القربين من الحزب.
و أصدر الحزب أيضا جريدة آزادي (الحرية) السرية باللغة الكردية في نيسان 1944 لتكون لسان حال الفرع الكردي وكان يشرف عليها الملا شريف عثمان والشهيد زكي بسيم (حازم) والرفيق الخالد فهد، بالإضافة إلى ذلك أصدر الحزب في نفس العام جريدة همك ( القاعدة ) وهي ناطقة باسم الفرع الأرمني للحزب، وفي السجون الذي جعل منها الحزب مدارس للمناضلين، أصدر الحزب عام 53 - 1954 جريدة (كفاح السجين)، كما أصدر مجلة الثقافة الجديدة في تشرين الثاني عام 1953 والذي ساهم فيها نخبة من المثقفين من أمثال صفاء الحافظ وفيصل السامر وصلاح خالص ومهدي الرحيم وعبد الوهاب البياتي و عبد الملك نوري وفؤاد التكرلي وبدر شاكر السياب وكاظم السماوي وغائب طعمة فرمان ومحمود صبري نزيهة الدليمي وعامر عبدالله ويوسف العاني والمئات من خيرة المثقفين والأكاديميين .
وكانت للشيوعيين مساهمات أيضا بالكتابة في مختلف الصحف العراقية الوطنية للتعبير عن آرائهم وأفكارهم في مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأدبية والإنسانية، ومنهم الرفاق فهد ومحمد حسين الشبيبي وزكي بسيم وزكي خيري وبهاء الدين نوري وعامر عبد الله ونزيهة الدليمي وعبد الرحيم شريف وعدنان البراك وجمال الحيدري ومحمد حسين أبو العيس ونافع يونس وغيرهم.
وبعد إغلاق جريدة اتحاد الشعب أصدر الحزب في نهاية عام 1961جريدة طريق الشعب السرية، وفي بداية 1970 صدرت جريدة الفكر الجديد في اللغتين العربية والكردية، وفي 16 أيلول عام 1973 صدرت طريق الشعب بصورة علنية وكذلك الثقافة الجديدة، وأصدر الحزب أيضا في عام 1982 نهج الأنصار لنشر فعاليات ونشاطات الأنصار الشيوعيين العراقيين في كوردستان العراق بالإضافة إلى ذلك كانت لدى الحزب إذاعة صوت الشعب العراقي باللغتين العربية والكردية، وأصدر الحزب أيضا في بداية التسعينيات مجلة رسالة العراق، المجلة الإخبارية الدورية التي تصدر في خارج الوطن وكانت تصدر أيضا ريكاي كوردستان الناطقة باسم منظمة الإقليم بالإضافة إلى صحف أخرى يشارك الشيوعيون في تحريرها والكتابة فيها مثل صوت المرأة، صوت الطلبة ،صوت الشبيبة، وصوت العمال، وبعد سقوط الدكتاتورية الفاشية عادت صحافة الحزب للصدور العلني حيث صدر العدد الأول لطريق الشعب في أيار 2003 وأصبح للحزب إذاعة باسم الناس وتلفزيون باللغة الكردية باسم آزادي (الحرية ) .
إن تجربة الحزب الإعلامية والصحفية التاريخية الغنية جعلته يعير اهتماما بالغا للثورة العلمية الرقمية التي أحدثت تحولا جذريا في عملية وصول المعلومات وتشكيل الرأي العام من خلال انتشار الانترنيت الواسع واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يومي من خلال الحواسيب او الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية "الآيباد" والتي باتت أدوات يومية لا غنى عنها في حياتنا الاجتماعية اليومية.
لقد انطلق أول موقع للصحافة الإلكترونية على الانترنيت في العالم عام 1993 في كلية الصحافة والاتصال الجماهيري في جامعة فلوريدا في الولايات المتحدة، وقد أسهمت هذه الانطلاقة في إحداث تطور نوعي في علاقة القارئ بوسائل الإعلام، فبدل ان يكون متلقيا للمعلومات، أصبح مشاركا فعالا من خلال سرعة نشر المعلومات وتحليلها وانتتاج محتواها والذي ساهم في جعل الإعلام الرقمي يلعب دورا محوريا في تشكيل الرأي العام حول القضايا المحلية والعالمية.
إن الحزب الشيوعي العراقي الذي كان يناضل ضد الديكتاتورية الفاشية أطلق في عام 1999 موقع الطريق الالكتروني ، بمبادرة فردية من أحد كوادر الحزب (الرفيق أيوب عبد الوهاب)، وكانت خطوة هامة وضرورية للحاق بالتطورات الهائلة التي أحدثتها الثورة الرقمية، وكذلك أيضا بمبادرة من الرفيق الفقيد سهيل فاضل جرى تأسيس غرفة محادثة على البالتاك للنقاشات والحوارات السياسية والفكرية والتعريف بحركة الأنصار الشيوعيين عام 2000 سميت كوماتا ومن ثم استبدل اسمها إلى ينابيع العراق، ولكن موقع الطريق الالكتروني لم تجر عليه تطورات تتماشى والتسارع الحاصل على صعيد الإعلام الرقمي بسبب من شحيحة الإمكانيات المادية والخبرة القليلة بعالم تقنيات الانترنيت وبرامجه مما ساهم في ضعف المحتوى وتواضع الإخراج الفني وقلة التفاعل مع الموقع .
ولكن بعد سقوط الدكتاتورية الفاشية في العراق عام 2003، وانتشار الإنترنيت في العراق حصل اهتمام أكبر من قبل قيادة الحزب ليكون الموقع بمستوى المواقع المحلية والعربية والعالمية، ومع تراكم التجارب الخبرات في مجال الإعلام الالكتروني وتدريب كوادر جديدة للعمل في الإعلام الرقمي جرى تجديد موقع الطريق 10 شباط 2010 وتغير اسمه إلى موقع الحزب الشيوعي العراقي وتحديث وتصميمه أيضا في حزيران 2013وبات يضم الأقسام التالية:
1- الكتاب 2- طريق الشعب 3- الثقافة الجديدة 4- مطبوعات 5- المكتبة 6- الارشيف 7- البحث 8-أستمارة لطلب الانتماء للحزب، بالإضافة إلى الأبواب الثابتة في الموقع وفي مقدمتها المنبر الحر ومدارات وأفكار وأدب وفن وفضاءات ومحليات ويبلغ زوار ومتابعي الموقع سنويا عشرات الآلاف.
وللحزب أيضا موقع على الفيسبوك بلغ زواره 127 ألف ، كما ينشط الحزب على الانستغرام وفيه مشاركة 8081 وأما في التلغرام هناك 1381 مشتركا وعلى قناة اليوتيوب يوجد 310 فيدو و2640.
يواجه إعلام الحزب الشيوعي العراقي تحديات كبيرة في ظل الإمكانيات المالية المتواضعة وعدم اعتماد الجانب الربحي في العمل الإعلامي وقلة الكادر المتخصص والمتطوع للعمل، وكذلك سرعة انتشار الاخبار والتقارير وتحديثها المتلاحق والمتواصل على مدار الساعة والذي يتطلب جهدا كبيرا وعملا تقنيا تخصصيا واستخدام برامج حديثة لتطوير المواقع والمنصات لملاحقة التطور الحاصل و لجذب المتصفحين والمتابعين وتناول مواضيع هامة تتعلق في حياة الناس ومصالحهم وحقوقهم واهتماماتهم الأدبية والفنية والإنسانية، مما يدعو إلى تقديم محتوى قصير وعميق وأكثر تأثيرا وجذبا لعدد كبير من الجمهور لتكوين رأي عام مستنير ومطلع على أهم القضايا التي تدفعه للدفاع عن مصالحه ومحاربة الفساد والمحاصصة الطائفية وتبني مشروع التغيير الشامل.
المصادر:
1- مصطفى محمد غريب -الصحافة الشيوعية العراقية ودورها في تطوير الوعي الاجتماعي والوطني موقع الناس الالكتروني
2- داود امين -الصحافة الشيوعية في عراق تموز -موقع الناس الالكتروني
3- جاسم الحلوائي -الحزب الشيوعي العراقي والإعلام الالكتروني - تلسقف كوم
**********************************************
الصحافة الشيوعية مدرسة النضال والكلمة الحرة
عامر عبود الشيخ علي
الصحافة الشيوعية ليست مجرد مؤسسة إعلامية، بل هي ساحة نضال وميدان كفاح، تمارس فيه الكلمة الحرة الصادقة، ويجسد من خلاله الفعل الجماهيري الواعي، الذي تترسخ ملامحه في صفحات الجرائد والمجلات وأدبيات الحزب المختلفة. إنها خليط متجانس من السياسة والاقتصاد والأدب وهموم المجتمع، وهي مدرسة خرجت صحفيين كبارا، استطاعوا أن يحفروا أسماءهم في ذاكرة التاريخ الصحفي، ليكونوا منارات يُقتدى بها.
هي صحافة أرعبت الأنظمة الدكتاتورية، ورغم سريتها ومنع صدورها، إلا أنها كانت تُقرأ على نطاق واسع من قبل أبناء الشعب: من المثقفين والعمال والفلاحين والسياسيين والاقتصاديين. كانت صحيفة شاملة، تخاطب كل فئات المجتمع، حتى الأطفال كان لهم نصيب من التوعية عبر صفحات مخصصة لهم.
وأنا أتابع تاريخ الصحافة الشيوعية، منذ صدور صحيفة كفاح الشعب عام 1935، مرورا بـ القاعدة، وصوت الشعب، واتحاد الشعب، وطريق الشعب، أراها ملحمة نضالية حقيقية، دافعت عن مصالح الشعب، وخاصة الطبقة العاملة والكادحين والفقراء والعاطلين عن العمل. لقد كانت سلاحا فعالا لاستنهاض الوعي، وتحفيز الجماهير على الاحتجاجات والإضرابات والتظاهرات من أجل نيل حقوقهم المشروعة.
في السبعينيات، وقبل قيام الجبهة الوطنية وظهور طريق الشعب إلى العلن، كانت الصحيفة تُطبع على ورق الرايسنغ، وتُصفط وتُخفى داخل علب السكائر. كنت أرى أخي يقوم بذلك، لينقلها إلى رفاقه لقراءتها في الاجتماعات السرية، التي غالبا ما كانت تُعقد في المنازل. كنت حينها أتمنى أن أكون أنا من يحملها، لنيل هذا الشرف العظيم.
وبعد قيام الجبهة وصدور الصحيفة علنا، ابتسمت لي الحياة، وصرت أقتنيها بنفسي من إحدى المكتبات القريبة من منزلنا، ولا يزال اسمها محفورا في ذاكرتي: مكتبة أبو سمير قرب نفق الشرطة في جانب الكرخ من بغداد. كبرت الأحلام في داخلي، وكنت أتصفح الصحيفة بشغف، أقرأ عناوينها الحمراء حتى أصل إلى صفحة "مرحبا يا أطفال"، التي كانت تشعل في داخلي الحلم بأن أكون صحفيا، وأن أرى اسمي مطبوعا على صفحاتها.
ومن خلال قراءتها، ازداد شغفي بالكتب والروايات. كنت ألتهم كل ما يقع عليه نظري من كتب في مكتبة منزلنا المتواضعة، ومن أدبيات الحزب ومجلاته، التي للأسف، دُفن قسم منها وأُحرق القسم الآخر في تنور مشتعل عند الغروب، بعيدا عن أعين أجهزة الأمن القمعية، بعد انهيار الجبهة الوطنية.
لكن الحلم الكبير تحقق بعد التغيير في عام 2003، عندما أصبحت طريق الشعب أول صحيفة وطنية تصدر للحزب الشيوعي العراقي بعد سقوط النظام الدكتاتوري، لتواصل رسالتها في الصدور والتوزيع. عندها، وجه الحزب تعميما إلى تنظيماته بترشيح رفاق أكفاء لدورة صحفية يحاضر فيها صحفيون وإعلاميون وقادة سياسيون كبار. تم ترشيحي من قبل المحلية العمالية للمشاركة في هذه الدورة، وتلتها دورات أخرى. وهكذا تحقق الحلم وأصبحت صحفيا خريجا لأكبر مدرسة صحفية طريق الشعب. وصار اسمي يُكتب على صفحاتها، وفي صحف أخرى أيضا.
كل التحية لهذه المدرسة الصحفية العريقة، في عيدها التسعين، والتي بقيت وفية لرسالتها في الدفاع عن قضايا الشعب والوطن ومن أجل حياة حرة كريمة وعدالة اجتماعية.
*******************************************
{طريق الشعب}.. معين لا ينضب
خليل ابراهيم العبيدي
صحيفة لها كل الحق أن تفتخر بنفسها، وان يفخر بها المواطن العراقي، فهي اليوم في عامها التسعين لا شغل لها غير مطالب الكادحين، ولدت في العام الخامس والثلاثين من القرن العشرين بعنوان كفاح الشعب.
التأسيس والمسيرة
يقول حنا بطاطو في كتابه ( الحزب الشيوعي ص 89 ) وكان عاصم فليح ( وهو أول سكرتير للحزب الشيوعي العراقي ) منهمكا في التحضير لنشر أول صحيفة عراقية سرية ، وظهرت ،كفاح الشعب، في تموز يوليو عام 1935 أيام وزارة ياسين الهاشمي ، وبعد شهرين تقريبا من انهيار انتفاضة الفرات الأوسط ، وقدمت الصحيفة نفسها كناطقة بلسان العمال والفلاحين ، وكمطبوعة صادرة عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ، والمعروف أن الانكليز ومَن والاهم من جنرالات مدرسة الأستانة أوهنوا انتفاضة الفرات الأوسط وأبعدوها عن أهدافها في رفض الاحتلال ، واستقر الوضع لصالح المندوب السامي مما أثار حفيظة الحزب الشيوعي المعادية منذ ولادته عام 1934 للاستعمار القديم ، وقد أعلن في العدد الأول من صحيفة كفاح الشعب وكانت سرية ، أن الناس فشلوا في جني ثمار انتفاضات الفرات لسبب هام جداً إلا وهو عدم وجود حزب طبقي ثوري. وفي عددها الاول تهاجم البريطانيين، وهم يحلون في العراق محتلين.
الصحف الشيوعية تخلق الرأي العام
يمكن القول إن الحزب الشيوعي العراقي كان مصدرا للمعلومات التي يحصل عليها المواطن آنذاك عن نوايا الحكومات المتعاقبة وعن أساليب الانتداب في مسيرة حكم البلاد، وصحيفة كفاح الشعب وبرغم كونها سرية، كانت منذ عددها الأول تتناول قضية الاحتلال على أنها تقف في مقدمة المشاكل التي يمر بها البلد آنذاك، وبسبب انتشار شعبية الحزب وانبثاثه بين ثنايا شعبه، سيما العمال والفلاحين، فإن ما تنشره الصحيفة كان يصل إلى العموم، وقد جاء في عدد للصحيفة الأهداف الحقيقية للحزب الشيوعي العراقي وهي.
اولا .... طرد المستعمرين، وضمان حرية الشعب.
ثانيا.... توزيع الأراضي على الفلاحين.
ثالثا .... إلغاء كل ديون الأراضي ورهوناتها.
رابعا.... مصادرة كل أملاك المستعمرين، من المصارف إلى حقول النفط واعمال السكك الحديدية وغيرها، ونزع ملكية العقارات الزراعية الكبيرة.
خامسا..... تركيز السلطة بأيدي العمال والفلاحين.
سادسا.... إطلاق الثورة الاجتماعية، بلا تأخير، في كل مجالات الحياة الأخرى وتحرير الناس من أشكال الخضوع المتنوعة.
إن تلك الطروحات التي جاءت على لسان الحزب ، وان كانت جديدة وجريئة لكنها تعد امتدادا لأفكار جماعة الرواد في عشرينيات القرن الماضي الذين أسسوا صحيفة (الصحيفة ) التي فتحت للعراقيين لأول مرة بابا على عالم المعارضة الحقيقية ، وان الحزب كانت له مطالب محددة يريدها المواطن ولم يكن يجد من يعرضها على الملأ ، وقد كان للصحيفة نهج علمي يأخذ بعين الاعتبار المتلقي البسيط الخارج من ظلام الدولة العثمانية والداخل للتو على مقارعة دولة محتلة ، وأنها كانت تخاطب أنصار الحزب ومواليه ، وتنتشر الوعي السياسي ، لذا فإنها كانت تخلق الرأي العام وتغذيه بالمستجدات أولا بأول ، خاصة تتابع الحكومات وتدوير الوجوه المتسلطة ، وقد اتفق الباحثون في التاريخ السياسي العراقي الحديث ، أن صحافة الحزب الشيوعي وأفكاره كانت هي الأكثر مضاءً عند العراقيين ، وهي التي مهدت للشعبية التي حظت بها ثورة الرابع عشر من تموز في لحظاتها الأولى ، فقد كان الرأي العام مهيئا للثورة كما هيأ الضباط الأحرار السبيل لتلك الثورة .
إن الظروف الاستثنائية التي كان يمر بها الحزب جعلت من صحافته أن تكون سرية على الدوام وكانت تتغير بتغير الظروف الموضوعية، ففي بداية الاربعينيات من القرن الماضي صدرت صحيفة الشرارة، وبعد أن استولى عليها بعض المنشقين، صدرت صحيفة القاعدة عام 1943، وفي عام 1956 صدرت صحيفة اتحاد الشعب، وفي كانون أول عام 1961: صدرت الاتحاد علنا، وكنت تجدها قد تبخرت لدى موزعي الصحف والمجلات. وعادت لتكون سرية في العهد الجمهوري، نظرا لعدم تحمل الآخرين لمطالبها ودعواها نحو اصلاح زراعي حقيقي، ونحو السلم والحكم الذاتي لكردستان، وكانت تؤلب الرأي العام ضد الاقطاع والرجعية المحلية. وفي العام 1973 صدرت طريق الشعب وهي علنية وأيضا لمدة محدود، بالنظر لتعارض افكارها مع البعث وأساليبه تجاه الفرقاء في الجبهة الوطنية التقدمية.
مسيرة الطريق الحالية
من يتصفح صحيفة طريق الشعب اليوم ، يجدها تحمل ذات التوجه القديم ، إلا وهو الاحساس اليومي بهموم الناس ومعاناتهم ، وقد اضاف الفساد وانتشاره عبئا إضافيا على صفحاتها ، ولها موقف يومي إزاء حياة الشعب ومعاناة فقرائه وشكواهم ، كما أنها تعكس آراء الصحافة العالمية بأوضاع البلاد الداخلية ، وفي صفحاتها يجد القارئ ما يريد أن يعرفه عن مواقف الحزب إزاء القضايا السياسية ، وما يخرج به من اراء حول قضايا الناس الاقتصادية ، ولها اهتمام خاص بشؤون المرأة ومعاناتها اليومية ، وتنفرد الصحيفة بتحليلاتها العلمية إزاء الفكر والثقافة ، ولها أبواب خاصة للاهتمام بشؤون الطبقة العاملة وظروف الفلاحين ، خاصة بعد انحسار المياه ، والاستيراد غير الممنهج للمنتجات الزراعية .
إن طريق الشعب لم تعد تعرف فقط لتاريخها العريق، إنما تعرف من خلال مواقفها الصلبة تجاه قضايا الشعب، وهي لم تعد تفرق بين الأنظمة السياسية إلا بما تحققه من مكتسبات على طريق هذا الشعب.
*********************************************
الصفحة التاسعة
إصدار جديد للباحث د. عدنان عبّاس تشرين في الشعر العراقي المعاصر
هاتف جنابي
صدر في بداية تمّوز 2025 عن دار"رِسْ" للطباعة والنشر في مدينة بوزنان البولندية كتاب (إصدار إلكتروني) للباحث العراقي الأستاذ د. عدنان عبّاس، بعنوان "تشرين في الشعر العراقي المعاصر"، يتناول فيه انتفاضة تشرين 2019 في العراق، وانعكاسات هذا الحدث في الشعر العراقي. يقع الكتاب في (646) صفحة، ويتضمن قراءات نقديّة وتوثيقية غطت تسعة فصول، إضافة إلى تقديم شافٍ، و"كلمة أخيرة" مكثفة جدا هي بمثابة الخلاصة (627-628)، وقائمة غنية بالمصادر والمراجع من كتب ومقالات وأخبار ونصوص منشورة في مجلات ومواقع إلكترونية وسواها، مع ملخّصين بالإنجليزيّة والبولنديّة، صفحتان لكل منهما.
وقبل أن نعود إلى استعراض الكتاب فضلنا اقتباس الفقرة الأولى التالية من الخلاصة لإعطائنا فكرة محددة عن سلمية التشرينيين التي قوبلت بقسوة من النار والملاحقة والتنكيل، جاء فيها: "اغتنت ثورة تشرين السلمية، بأوجه نشاط متعددة، وفجرت إمكانيات شبابية منتجة في مجالات كثيرة، كالقصيدة والأنشودة والأغنية واللوحة والصورة. وبقدر ما وثّقت الثورة أسماء الشهداء وشعارات الحراك وحفرتها على مساحات واسعة من واجهات الساحات وأسوار الجسور وجدران نفق التحرير والمطعم التركي، وثقت أيضا وسائل السلطة القمعية كالكاتم والرصاص والقنابل الدخانية(...) كان شعر الشباب المتعلق بثورة تشرين كثيرا (...) اتصفت قصائد الشباب بحس وطني كبير، ووعي ثقافي غني، الأمر الذي ساعد على اتساع آفاق الثورة ونشر أفكارها بين فئات كثيرة من المجتمع العراقي..."(ص 627). إذًا، فالمؤلف يميل إلى نعت ما قام به التشرينيون بالثورة.
يلفت المؤلّف الانتباه في تقديمه إلى أنّ غايته من هذا العمل الأكاديمي، هو "توثيق ما كُتِب عن حراك تشرين في الشعر العراقي المعاصر، والتعريف بأعمال شعريّة تتعلّق به، والتفصيل في قراءتها من الناحية النقديّة التطبيقيّة (...)، وبناء تصوّر عن شعر تشرين، وتحديد مصطلحه بشعر تشرين العراقي المعاصر". من جانب آخر، يعبّر عن أمله بأنْ يصبح هذا الكتاب "أحد المراجع التي يمكن الاستفادة منها عند التصدّي لموضوع الثورة من الناحية الأدبيّة".
بعد التقديم، يستهلّ المؤلّف عمله بفصل عن مفهوم الالتزام في كل من الأدب والثقافة، وتاريخ ظهوره، واقترانه بالنتاجات الإبداعيّة والثقافيّة، وعلاقته بالحراك الجماهيري وحركات المقاومة، وكذلك مكانته في الأدب العراقي، وبقصائد تشرين. ثم يعرّج المؤلف على العلاقة بين الالتزام والاتّجاه الواقعي في الأدب، والموضوعات الوطنيّة، إضافة إلى قيم العدالة والحرّيّة، في الشعر العراقي الحديث.
يتابع المؤلف في الفصول التالية دراسة بعض الدواوين الشعريّة على وجه الخصوص، لكنه لا ينسى التوقف عند قصائد متفرّقة أخرى لشعراء هم: صفاء السرّاي، وعدد من شباب "ثورة تشرين" ومن كتب عنها مثل: نور درويش، سما حسين، نور مهنّد، أحمد ضياء، علي سرمد، إحسان المدني، سراج محمّد، وائل سلطان، عامر الطيّب، صالح رحيم، منار المدني، علي ضياء، كاظم خنجر، ميثم راضي، وسام الموسوي، مالك عبدون، مؤيّد نجرس، ميثم عبد الجبّار، عبّاس ثائر، صالح رحيم، إضافة إلى مروره على نماذج من الأشعار الشعبية لصهيب ماجد العراقي، كرّار رحيم، نهاوند تركي. تحتوي دراسة د. عدنان عباس أيضا على قراءات لدواوين وقصائد لشعراء عراقيّين، كتبوا عن هذه الثورة، ممن تعاطفوا وتضامنوا معها، وهم على التوالي: الراحل موفّق محمّد، يحيى السماوي، حارث رشك التميمي، عدنان الفضلي، غيد الغانمي، تحرير رياض الخميسي، مصطفى الركابي، شاكر الغِزِّي. وبقدر ما تحتلّ دراسات الشعر المكتوب باللغة العربيّة الفصحى الحيز الأكبر في الكتاب، فإنّها تتوقف أيضا عند بعض القصائد المكتوبة بالعامية أو ما يسمى بالشعر الشعبي.
يركّز الباحث في قراءاته النقديّة على الخطاب الملتزم لدى الشعراء، وأفكارهم المبثوثة في قصائدهم، متوقفا عند الموضوعات ذات العلاقة بالوطن وتشرين، ومسميات كالشهيد والثائر والمتظاهر والمعتصم، والحرّيّة والعدالة، والأمل واليأس والخيار، وأمور كالموقف من التطرّف والإرهاب، وثيمات كالصراع بين المتناقضات، ومستويات الشخصيّة، والمكان والزمان. ويقوم الباحث بتحليل لغة القصائد وأساليبها وصورها، ورموزها وأبعادها، والتناصّ فيها، وأشكالها وبناها الإيقاعيّة والعروضيّة، إلى جانب دراسة نصوص نثريّة للشاعر يحيى السماوي، وردت في عمله (ملحمة التكتك)، ولا يغفل الباحث عن طرح عدد من النتائج في نهاية كلّ فصل من فصول كتابه.
أما في الفصل الثاني فيؤكد الباحث على موضوعي الوطن وتشرين في قصائد "الشاعر المغدور صفاء السرّاي" المكتوبة بالفصحى والعامّيّة، سواء الواردة في (ديوان ابن ثنوة)، أو في قصائده الأخرى خارجه. يتناول "عشق السرّاي للعراق وأمله بولادة جديدة للوطن المنكوب، والتزامه بمبادئ ثورة تشرين، ودفاعه عن الفقراء والمظلومين، ووقوفه ضدّ سالبي الحياة واللصوص والفاسدين والمتاجرين باسم الدين". يكتب المؤلف عن معاناة السرّاي الذاتيّة ومعاناة أمّه، ويراها ذات صلة بهموم وطنه وآلام شعبه. وبقدر ما يتوقّف المؤلف عند أحزان السرّاي وآلامه، ولغته الشعرية الغاضبة في الموضوعات السياسيّة والاجتماعيّة، فإنّه يتابع نتاجه في موضوع الحبّ والمرأة، ليكتشف لغة عامرة بالشفّافة في هذا المجال. يلفت الباحث انتباه القارئ في هذا الفصل إلى اهتمام السرّاي في نصوصه المؤلفة بالفصحى ببناء القصيدة التقليديّة، وممارسة قصيدة النثر والخاطرة والحكاية والمنولوج، بينما تراه يهتمّ في قصائده المنظومة بالعامّيّة العراقيّة بالإيقاع الغنائي في مجالي الوزن والقافية. ويخلص الباحث إلى أنّ قصائد السرّاي تعكس "مقدرة فنّيّة واعدة بالنضج لبناء تجربة خاصّة به، نظرا لامتلاكه آليّات كتابة القصيدة بشكل واضح، فضلًا عن معارفه الثقافيّة غير القليلة، وفطرته الشعريّة وموهبته".
يسلط الفصل الثالث الضوء على أنّ عددًا من قصائد الشعراء الشباب قد ولدتْ في ساحات ثورة تشرين، وكان خطابها بطبيعة الحال جماهيريًّا، وثوريًّا متحمّسًا، لأنهم عاشوا أحداث الثورة اليوميّة، واشتركوا فيها. كانت كتاباتهم تتسم بالواقعيّة والالتزام بقضايا الوطن ومآسيه، بتشرين والشهيد والأمل، معبرة عن إصرار قوي على مقاومة الظلم وتغييب الدولة، ونزعة التطرّف، والعمل على تعرية المتاجرين بالدين، ورفض الاحتلال والهيمنة على شؤون البلد مهما كان مصدرهما، والدفاع عن القيم العليا للإنسان وإشاعة المحبة والجمال، كل ذلك بغرض "استعادة العراق وسيادته من جديد". تناول المؤلف الجوانب الأسلوبية والشكلية في النصوص الشعرية التي يراها تتراوح بين العمودي ونظام التفعيلة (وهو قليل)، وقصيدة النثر، ومنها ما جاء بأسلوب الحكاية، وهو كثير. تبدو لغة هذه النصوص متفاوتة من حيث الاستعانة بالأساليب والمحسّنات البديعيّة والصور البلاغيّة، وتبدو بعض القصائد قد صيغت باحترافيّة، بينما جاء كثير منها عفويًّا لا يخلو من الحماسة، ولكنّها تبقى نتاجات تعكس رؤية شعريّة تجريبيّة، بهدف بناء خطاب جمعي ناضج، يصبّ في الفضاء العامّ لحراك تشرين. ويذكر المؤلف بأن قصائدهم عبارة عن "تجارب أولى، ولا يجوز تحميلها أكثر ممّا هي عليه بنية وشكلًا، وقد استطاعت أنْ تشغل مكانًا مثيرًا للإعجاب والاهتمام في الساحة الأدبيّة الشبابيّة".
يتناول المؤلّف من خلال قراءة نقديّة ديوان الشاعر الراحل موفّق محمّد (بين قتلين)، وقصائد أخرى خارجه في الفصل الرابع، ويخلص إلى أنّ خطاب الشاعر يتسم بصوت عراقي وطني ملتزم ومتمرّد، صريح وجريء، غاضب وحزين، بنبرة ساخرة، تتخلله مفارقات غير قليلة. إلا أنه من الجانب الآخر خطاب تشريني، وإنْ لم يصرّح بـ “تشرين" مباشرة، وإنّما بدلالات تشير إليه. ويرى المؤلف بأن الشاعر غالبا ما يطرح في نصوصه خيارين: "خيار مرّ وآخر أمرّ منه، أي الموت نزفًا بالاعتقال، والموت نزفًا بالاستبداد والكاتم والقنّاص". يكتب الشاعر كثيرًا عن نزيف الدم العراقي، ساعيا لفضح المنافقين، وخداع الإسلام السياسي، والساسة الذين لا يحترمون المواطن، ولا يهتمّون بآلام العراقي ومصائبه، بينما هم يستحوذون على ثروات العراق وقرارته، و "لا يعرفون العدالة والرحمة والإنسانيّة".
يُظهِر هذا الفصل وجود قصائد طويلة للشاعر، مركّبة وملحميّة، منظومة في مفاصل متعدّدة، وأخرى قصيرة. وهي قصائد تحفل بالتاريخ وأحداث الواقع الراهن، ويقوم الشاعر بإثرائها بمعارفه وثقافته، مستفيدا من التضمين والاقتباس وربما التناصّ مع الشعر العربي وآيات من القرآن، والأمثال والأغاني، وخاصّة العراقيّة، والتراث الشعبي. ولغة نصوصه تجمع بين الفصحى والعامّيّة، وتغلب على بنيتها قصيدة النثر والشعر المنثور (النثر الشعري)، ثمّ قصيدة التفعيلة والقصيدة التقليديّة، والمزج أحيانًا بين قصيدة النثر والتفعيلة. ويرى المؤلّف أنّ قصائد موفّق محمّد "لا تستسلم لشكل ما، وإنّما هي حرّة، بعيدة عن القيود، ما دامت تعكس وعي شاعر مجرّب في إبداعه، وعاطفة إنسان حسّاس، يعاني ما يعانيه العراق وضحاياه، وينتصر لآمال شبابه، وهموم فقرائه".
يحتوي الفصل الخامس على قراءة في مجموعة (ملحمة التكتك) للشاعر يحيى السماوي، التي تضم نصوصا شعريّة ونثريّة، تخلص إلى أنّ هذه النصوص تعكس أيضا نهجا ملتزمًا بخيار وطني وإنساني، خطابا مرتبطًا بالعراق وقضايا شعبه، ومتفهما لدواعي وطبيعة ثورة تشرين، ومتضامنًا مع المعتصمين والمتظاهرين والشهداء. ويلاحظ المؤلف أيضًا في نصوص الشاعر بروز صراع بين عراق الجياع والثوّار والمخلصين والثابتين على آرائهم من جهة، وعراق اللصوص والفاسدين وحكّام المنطقة الخضراء والمنافقين من جهة أخرى، بين عراق بتاريخه الرافديني وما بعده، وعراق بحاضره الكالح التعيس، وكثيرًا ما يؤكّد الشاعر على أهمّيّة التغيير، بغية تحويل الحلم العراقي إلى واقع معيش.
تتراوح قصائد الشاعر في هذه القراءة، بين القصيرة ولها الغلبة، والطويلة وهي قليلة، أمّا نصوصه النثريّة فيقترب عدد منها من الشعر المنثور، وكثيرًا ما يوزّع الشاعر معمار سطور هذه النصوص بشكل "شعري"، وهي تغتني بجو أقرب إلى ما هو شعريّ. "نصوصه تشبه الومضات، أو الخواطر، أو الحِكَم، وذات فِكَر ترتبط بحراك تشرين، والصراع، والقيم الوطنيّة والثوريّة، والجمال والمحبّة". من ناحية أخرى، يشير المؤلّف إلى ورود نصوص في ديوان الشاعر ذات بنية فنّيّة أقرب إلى شكل التوقيعة، أو الهايكو، أو المقطوعة، وإلى أنّه يستخدم في نصوصه الشعريّة والنثريّة "لغة مفهومة، ولكن عميقة، ومقتصدة، ويهتمّ كثيرًا بالتناصّ، خصوصًا الإسلامي من القرآن والحديث النبوي، ولم يُخفِ تفاعله مع هذا التراث ورموزه".
يركز الفصل السادس من الكتاب على قصائد الشاعر حازم رشك التميمي في ديوانه (لافتات ثورة تشرين: إيقاع التكتك). تتوزّع فيه هذه اللافتات بين لافتات الثورة والشهيد، وهي الغالبة، فلافتات المدن العراقيّة، ثمة لافتات الوطن – العراق، ولافتات الأمّ – المرأة. وهناك لافتات أخرى متنوّعة وردت بصيغة فِكَر، أو كخواطر ذات تصوّر فلسفي، وأخرى بأسلوبي الحكاية والمونولوج. يرى المؤلّف أنّ الشاعر كان موفّقًا في اختيار عناوينه، وبناء فضاءاتها، وأنّ خطابه يتسم بالالتزام بقضايا العراق وثورة تشرين. واللافتات تتنوّع فِكَرها بدلالات واقعيّة من خلال لغة انسيابيّة، ومنها ما يأتي بمشاهد وصور، ورموز فنّيّة وصوفيّة كالحرف والطائر، وفيها مفارقات، وتناصّ مع بعض الأمثلة الشعريّة أو النصوص الشائعة، مع توظيف للبعد الديني الإسلامي والمسيحي والصوفي، مستدعيا في بعضها تاريخ وادي الرافدين، وتاريخ ما قبل ظهور الإسلام.
يتّضح من القراءة أن هذه اللافتات تحافظ على طبيعتها القصيرة بشكل عامّ، وجاءت أشبه بالأغاني، أو الأناشيد، أو الخواطر، وقد وردت لافتات طويلة أيضا، استعان فيها الشاعر بإيقاعات الوزن الواحد والقافية الموحدة، ويمكن اعتبارها أيضا "ثريّة في معانيها وفِكَرها، ووردت في فضاء الحبّ وتشرين والعراق وذي قار، ودجلة والفرات، والمدن كبغداد، والمشخاب، والناصريّة، ولغتها مفهومة ومقتصدة"، حسبما رأي الباحث.
تتّصف قصائد الشاعر عدنان الفضلي في مجموعته (مرايا عمر سعدون) الواردة في الفصل السابع ببعد شبابي، وتستند بنيتها إلى شكل قصيدة النثر مع وجود إيقاعات في بعض مفاصلها، ويعززها الشاعر بأفكار وأحداث مختلفة. مرايا هذه المجموعة تعكس صورة الشخصيّة والحدث والمكان، وقد أهداها إلى المؤمنين بالوطن في فضاء حراك تشرين وشهدائه. يوضّح مؤلّف الكتاب أنّ قصائد الشاعر أشبه بقصص أو سير شهداء على وجه الخصوص، ومسعفات ومسعفين، ومعتصمات ومعتصمين وثائرين، ونصب وجداريّات، ورموز. قصائده توثيق لأزمنة، وعدد من الأماكن والساحات كساحة التحرير وساحة الحبّوبي وساحة الاعتصام في ميسان، ونصب الحرّيّة، وجسر الجهوريّة، وجبل أُحُد - "المطعم التركي"، وبعض المدن كبغداد والناصرية وميسان.
للشهيد وعلاقته بالمكان والزمان مكان بارز في نصوص الفضلي، يستدعي فيها حضارة وادي الرافدين، ولا سيّما السومريّة، وتتراسل فيها الألوان والمجرّدات والمحسوسات. وهذه النصوص ذات صوت تشريني ملتزم، إنه "خطاب شاعر شاهد على حراك تشرين، ومشارك فيه أو متضامن معه، وعرف عددًا من شهدائه والمنخرطين فيه عن قرب"، كما يذكر المؤلّف.
يضمّ الفصل الثامن قراءة في مجموعة (تشرين) للشاعر غيد الغانمي، مركزًا على خطاب وطني غاضب جلي في قصائد الشاعر، ملتصق بالعراق، وملتزم بمنطلقات تشرين، ومشارك فيه، معارض للسلطة و"الإسلام السياسي". ويرى الباحث بأن نصوص الغانمي تعكس بعدًا جماهيريًّا، وهي تعبّر عن الضمير الشعبي الحي، متناولة الواقع بأفكار ومقارنات، وموضوعات "ترتبط بثورة تشرين وصورة الشهيد، والأمل بالتغيير، وتحدّي الحاكم والقاتل والقنّاص وقوّات مكافحة الشغب والميليشيات، وأوجه الصراع بين الحرّيّة والعبوديّة". يستعين الشاعر بمونتاج جامع للشخصيّة والمكان، لأزمنة عراقية سابقة وحاضرة، تبرز فيها معرفة بالتاريخ، ويلاحظ أن الشاعر يسخر فيها من سلوك ساسة السلطة، واستحواذ بعض الجيران على مقدّرات العراق.
تعتبر قصائده وفقًا للقراءة، غنائيّة في الغالب، ذات إيقاعات قصيرة تعتمد نظام التفعيلة، أو بنية القصيدة التقليديّة، وتمتاز بلغة متفاوتة الأسلوب من حيث الصياغة والدلالة، ويستعين فيها الشاعر من وقت إلى آخر بالاسم والكنية لعدد من الشخصيّات ذات المستويات المتنافرة. يهتمّ الشاعر كذلك بالتناصّ والقصص القرآنيّة، نقتبس ما كتبه المؤلّف: "البعد الديني بارز في قصائده، ومنه الإيمان ببعض المعتقدات الدينيّة الإسلاميّة، على الرغم من موقفه الرافض لأدبيّات الإسلام السياسي، وفتاوى تبرير السرقة والقتل". وهذه من بين المفارقات الشائعة لدى صنف من المواطنين.
يتناول المؤلف في الفصل الأخير أي التاسع مجموعة شعرية صغيرة بعنوان (إلى أبطال تشرين) لتحرير رياض الخميسي، وقصائد متفرقة لمصطفى الركابي، وقصيدة (فراشات أكتوبر) لشاكر الغِزّي. ويرى الباحث غلبة البعد الجماهيري على نصوص هؤلاء الشعراء، والطابع التوثيقي "المرتبط بتشرين، والثائر والمتظاهر والشهيد، وسلوك السلطة والفصائل المسلحة، والحاكم والخائن والفاسد والمتاجر بالدين". ويرى الباحث أن موضوعات الشعراء الثلاثة تتمحور "حول الوطن، وساحات التظاهر والاعتصام والأحداث المرتبطة بها، وحضور الجسور، والمدن كبغداد وذي قار"، وأن خيار الشعراء لا يحيد عن الانحياز إلى "الثورة وشبابها، والتضامن مع شهدائها، وإدانة القتلة، والتحدّي من أجل التغيير".
يعرّج على لغة قصائدهم، فيجدها سليمة وفصيحة إلّا من بعض الهفوات والهنات هنا وهناك، فيها استخدام للانزياح (وإنْ قليلًا)، مع ميل في بعض القصائد إلى الإطراء والمبالغة. ويرصد الباحث اهتمام الشعراء بالمشاهد الشعريّة، والصور البيانيّة، والعناصر البديعيّة. يبيّن المؤلف أنّ الشكل الغنائي الكلاسيكي الجديد غالب على قصائد تحرير رياض الخميسي، وبعض قصائد مصطفى الركابي، وقصيدة شاكر الغزّي، إلى جانب قصيدة نثر واحدة للركابي. يكتب المؤلف عن "تفنّن الشعراء في عرض المعاني والرموز، والاستفادة من التناصّ، واستدعاء الزمن، والاهتمام بالأبعاد الدينيّة والسياسيّة والاجتماعيّة والسيكولوجيّة، والمكان ومستوياته، واستدعاء شخصيّات من التاريخ القديم والمعاصر".
عمومًا، هناك قواسم مشتركة بين الشعراء جميعا، المدروسة قصائدهم في فصول الكتاب التسعة، تتمثّل بوجود خطاب أدبي ذي مرجعية جماهيرية ملتزم بأهمّيّة قضايا الوطن ومعاناة شعبه وآماله، وثورة تشرين، وتوثيق جوانب غير قليلة منها، وطموحات شبابها إلى التغيير، (انطلاقًا من شعارين رئيسين للثورة: "أريد وطنًا"، و"نازل آخذ حقّي"). وعلى الرغم من وجود تجارب مهمّة لدى الشعراء في كتابة النصوص، إلّا أنّ هناك تفاوتًا بين أساليب هذه النصوص من حيث العمق والبساطة، أو من حيث لغتها وبناها وأشكالها، وجماليّة صورها، وقد يكون السبب ناجم عن تفاوت تجربة الشعراء من جهة ومتطلبات الحدث الآنية من جهة ثانية. وإذا ما عدنا من حيث بدأنا، أي إلى كلمة المؤلف الأخيرة، نرى أنّه من خلال دراسته ذات البعيدين النقدي والتوثيقي أراد أن يعكس تصوّره "كقارئ حاول التعريف بما نُشر ووضعه في إطاره السليم، ودراسته، انطلاقًا من العلاقة بين المبدع والناقد والقارئ في مجال التأويل أو التقييم. عمومًا".
يمكننا القول أخيرًا، إنّ هذه الدراسة النقدية - التوثيقيّة الموسّعة هي أوّل عمل أكاديمي رصين صادر باللغة العربيّة عن ظاهرة عراقيّة بامتياز، نقيّة، استثنائيّة، سلمية وشجاعة في تاريخ العراق المعاصر. ظاهرة تستحقّ دراستها بعمق وجرأة بعيدا عن الأهواء والأفكار المسبقة، لاستخلاص العبر منها، دفاعًا عن حاضر ومستقبل العراقيين، بغضّ النظر عن التسميات التي أطلقت عليها، من قبيل: "ثورة تشرين"، "انتفاضة تشرين"، "حراك تشرين"، "حركة تشرين". هناك من ضحّى بنفسه قتلًا وعوقّا وتشرّدًا وفقدانًا لعمله، أو دراسته، بدافع وطني نبيل وحتى بريء، في مجال التغيير الداخلي البنّاء المستقلّ عبر الانخراط الحماسي والتلقائي في مكافحة ودحر الظلم، والفساد، والاحتلال.
للأسف، لقد فقد العراق، بسبب ما تعرّض له المشاركون في تشرين فعليا وأنصارهم من ملاحقة وتنكيل وحرمان، سمعته داخليًّا وخارجيًّا، مثلما فقد كثيرًا من أبنائه وهم في مقتبل العمر، وأصبح النظام يترنّح أخلاقيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا، كاشفًا عن عقمه وضيق أفقه وعدم استقلال قراره السياسي.
للأستاذ د. عدنان عبّاس أكثر من عشرين كتابّا مطبوعّا في مجال الدراسات الأدبيّة والثقافيّة والتعليميّة، وتلك الجامعة لبحوث بعض المؤتمرات، وعشرات المقالات، وكان له نشاط أكاديمي متميّز ومؤثّر في محيطه، بالإضافة إلى كونه رئيسّا سابقًا (لعدّة دورات) لقسم الدراسات العربيّة والإسلاميّة في جامعة آدم ميتسكيفيتش بمدينة بوزنان (بولندا)، ومنظّمّا لعدد من المؤتمرات العلميّة، ومنها المتعلّقة بالعراق وإقليم كردستان، ومشاركًا في مؤتمرات علميّة غير قليلة داخل بولندا، ومؤسّسًا لورشة الدراسات الكرديّة في الجامعة المذكورة. حاضر حوالي تسع سنوات بجامعة صلاح الدين في أربيل بإقليم كردستان، وعمل في الأكاديميّة الكرديّة، ولم يهدأ له بال في المتابعة والتقصّي والبحث حتّى بعد تقاعده، والدليل على ذلك هذه الدراسة التوثيقية الموسّعة، وما صدر قبلها في غضون السنوات القليلة الأخيرة.
تمنيّت أن يُنشر هذا العمل الأكاديمي التوثيقي- النقدي المهمّ في بلاد وادي الرافدين، مهد وموطن انتفاضة أو ثورة "تشرين" قبل سواه، لأنه يخص العراق قبل كلّ شيء، ولا بدّ في النهاية من تشجيع ودعم الدراسات النقديّة والتوثيقيّة الرصينة لمثل هذه الانعطافات في التاريخ الأم العراقيّة، واستخلاص العبر منها فالعراق بحاجة ماسة جدا للقيام فورا بعملية تطهير ذاتي شبيهة بتلك التي قرأنا عنها في التراجيديات الإغريقية. وان من يقرأ تاريخ العراق المعاصر يرى أن العراق قد تخلف بما لا يقل عن خمسين سنة عن ركب الحضارة والتمدن.
********************************************
شعب الخيام.. شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
سهاد الخطيب*
"يحاول هذا الكتاب ان يُسلط الضوء على موضوع العدالة الانتقالية في العراق ،ولاسيما شقها الخاص بتخليد الذكرى وجر الضرر لضحايا احتجاجات تشرين 2019 في العراق وذويهم، حيث اننا نرى أن واقع ما بعد احتجاجات تشرين كان قد خلّف الآلاف من الضحايا، الذين هم بأمس الحاجة للرعاية المستمرة والدائمة من الدولة".
(شعب الخيام) ليس كتابًا تحليلياً تقليدياً، بل هو توثيق مباشر لتجربة الناس الذين تواجدوا في قلب الساحات، انه شهادات فردية لجرحى، اسر الشهداء، ناشطين مدنيين ومواطنين عاديين. قصص شخصية عن التظاهر، العيش في الخيام والتضامن الانساني بين المنتفضين، انه وصف يومي لساحة التحرير والساحات الأخرى.
عالج الكتاب قضايا القمع الأمني من استخدام الرصاص الحي، القنابل المسيلة للدموع والاختطاف والاعتقال، وعالج ايضاً الوعي السياسي الجديد حيث بدأ الشباب العراقي بطرح اسئلة جذرية في السياسة، الطائفية وسبل تجاوزها والمستقبل. تضمن الكتاب شهادات توضح حضور المرأة القوي في ساحات التظاهر، اضافة الى دور الاعلام والصحفيين والمنصات البديلة في نقل الأحداث ويوميات الانتفاضة.
يشكل الكتاب توثيقاً لفترة تاريخية هامة ويعطي صوتاً لمن هم في الغالب مهمّشون إعلامياً، ومصدراً أولياً مهماً للباحثين في العلوم السياسية، علم الاجتماع، والأنثروبولوجيا، ويمكن ان يندرج ضمن أدب مقاومة القمع والفساد، بأسلوب واقعي صادم وصادق، ويمكن استخدامه كمادة تقديمية أو بحثية في إطار أكاديمي أو ثقافي.
صدر هذا الكتاب بجهود ثمانية شبيبة خيرة قاموا بإجراء مقابلات وحوارات بلغ عددها أكثر من 250 مقابلة، وقام بتحرير الكتاب الناشط المدني (علي الخطيب) من منظمة (اوما) معنية بالشأن المدني والسياسي، وتتكون من مجموعة من الشباب العراقيين الذين أخذوا على عاتقهم تحسين الواقع من خلال تمكين الشباب وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان. تهدف المنظمة إلى رصد الانتهاكات وتوثيقها ضمن الأطر القانونية، والوقوف ضد خطابات الكراهية التي مزقت النسيج الاجتماعي العراقي. كما تعمل المنظمة على خلق مساحة آمنة للحوار السياسي، وحل المشكلات، وتعزيز الحوار والديمقراطية.
حصل الكتاب على دعم من منظمة (امبونتي واتش، مراقبة الافلات من العقاب) وهي منظمة هولندية تأسست عام 2008، وتركز على العمل مع الضحايا والناجين والمجتمعات المتضررة من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان لضمان مشاركتهم في إجراءات العدالة. ولديها مشاريع عديدة في امريكا اللاتينية وافريقيا والعراق وسوريا وتونس.
من أحد سطور الكتاب: "كانت الخيمة وطنًا صغيرًا، فيه نحلم، نناقش، نداوي جرحانا ونغني للحرية".
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* سكرتيرة رابطة المرأة العراقية/ النجف
**********************************************
الصفحة العاشرة
عقيدة ترامب والإمبريالية الجديدة لحركة «ماغا»
جون بيلامي فوستر*
لقد أحدث التحول الجذري في الإمبريالية الأمريكية في ظل رئاسة دونالد ترامب، سواء في ولايته الأولى أو حتى في فترته الحالية، ارتباكاً وذعراً هائلين داخل مراكز القوة في المؤسسة. يتجلى هذا التغيير المفاجئ في السياسة الخارجية الأمريكية في التخلي عن كل من النظام الدولي الليبرالي الذي شُيّد في ظل الهيمنة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية والاستراتيجية طويلة المدى لتوسيع حلف الناتو والحرب بالوكالة مع روسيا في أوكرانيا. لقد وضع فرض الرسوم الجمركية المرتفعة وتغيير الأولويات العسكرية الولايات المتحدة في صراع حتى مع حلفائها القدامى، بينما تتسارع الحرب الباردة الجديدة على الصين والجنوب العالمي. إن التحول في إسقاط القوة الأمريكية متطرف للغاية، والارتباك الذي ولّده كبير جداً، لدرجة أن بعض الشخصيات المرتبطة منذ فترة طويلة باليسار قد وقعت في فخ رؤية ترامب على أنه انعزالي ومعادٍ للعسكرة ومعادٍ للإمبريالية. وهكذا، جادل اليساري الساخط كريستيان بارينتي بأن ترامب «ليس معادياً للإمبريالية بالمعنى اليساري. بل هو انعزالي فطري يضع أمريكا أولاً»، وهدفه، «أكثر من أي رئيس حديث»، هو «تفكيك الإمبراطورية العالمية غير الرسمية لأمريكا»، وتعزيز سياسة خارجية جديدة «مناهضة للعسكرة» و«معارضة للإمبراطورية».
ومع ذلك، وبعيداً عن كونه معادياً للإمبريالية، فإن التحول العالمي في العلاقات الخارجية للولايات المتحدة في عهد ترامب يعود إلى نهج قومي متطرف تجاه القوة العالمية، متمركز في قطاعات رئيسية من الطبقة الحاكمة، وخاصة شركات احتكار التكنولوجيا المتقدمة، بالإضافة إلى أتباع ترامب الذين ينتمون في الغالب إلى الطبقة المتوسطة الدنيا. ووفقاً لهذا المنظور الفاشي الجديد والانتقامي، فإن الولايات المتحدة في حالة تراجع كقوة مهيمنة، ويهددها أعداء أقوياء: الماركسية الثقافية و«الغزاة» المهاجرين من الداخل، والصين والجنوب العالمي من الخارج، بينما يعيقها حلفاء ضعفاء وتابعون.
الإطار الفكري للعقيدة
- «أمريكا أولاً» كمرتكز أيديولوجي:
تتبنى إدارة ترامب الثانية فلسفة تقوم على القومية الاقتصادية والسيادية المطلقة، مع التركيز على فصل المصالح الأمريكية عن التكتلات الدولية. ظهر هذا جليّاً في خطاب التنصيب (يناير 2025) الذي هاجم فيه ترامب العولمة ووصفها بأنها «أفقرت العمال الأمريكيين وأثرت النخب»، مؤكداً أن سياساته ستركز على «الشارع الرئيسي لا وول ستريت».
- النموذج الويستفالي:
تعيد العقيدة تعريف السياسة الخارجية عبر العودة إلى مفهوم الدولة القومية بحدودها الصارمة، مع رفض الالتزامات متعددة الأطراف كاتفاقية باريس للمناخ والمحكمة الجنائية الدولية. هذا التوجه يُفسَّر كرد فعل على «أعباء العولمة» وفقاً لتحليلات أكاديمية.
- الصراع الحضاري كإطار تحليلي:
يستند ترامب إلى رؤية صموئيل هنتنغتون «لـصراع الحضارات»، حيث يصور التهديدات الخارجية (كالهجرة والصين) كخطر وجودي على «القيم الأمريكية». تجسَّد هذا في خطابه عن السيطرة على قناة بنما بدعوى أن «الصين تسيطر عليها» – وهو ادعاء نفته وقائع رسمية.
المكونات الجيوسياسية
- إعادة تشكيل التحالفات:
- الخليج العربي: أولى ترامب زيارته الرئاسية الأولى (أيار 2025) للسعودية والإمارات وقطر، معتمداً مصطلح «الخليج العربي» كرمز لدعمه. كشفت الزيارة تعزيز الشراكة الاستراتيجية، خاصة في الطاقة والاستثمارات التكنولوجية، مع منح دول الخليج إعفاءات جمركية (10% مقابل 70% لدول أخرى).
- روسيا: أظهر ترامب انحيازاً غير مسبوق لروسيا، منتقداً أوكرانيا وحلف الناتو علناً خلال قمة واشنطن (شباط 2025). يُفسَّر هذا التحول عبر فرضية «التحلل من الالتزامات الإمبراطورية» لصالح المصالح القومية المباشرة.
- المواجهة مع إيران:
هدَّد ترامب إيران «بـرد غير مسبوق» إذا تعرضت أمريكا لهجوم، واصفاً موقفه بأنه «نسخة كربونية لخامنئي» في الحزم. كما فرض مهلة 60 يوماً للتوصل إلى اتفاق نووي، معلناً أن «اليوم 61 قد مر» بعد الهجمات الإسرائيلية.
- التوتر مع الصين:
رغم إبرام اتفاق تجاري (حزيران 2025) يخفف القيود على المعادن النادرة ويسمح للطلاب الصينيين بالدراسة بأمريكا، فرض ترامب رسوماً جمركية تراكمية وصلت إلى 55 في المائة، مما يعكس تناقضاً بين الخطاب التعاوني والإجراءات العقابية.
الآليات التنفيذية
- الاقتصاد كسلاح:
- فرض رسوم جمركية «حمائية» شملت حلفاء تقليديين ككندا والاتحاد الأوروبي.
- شكَّل قطاع السينما الأمريكي نموذجاً لمعارضة هذه السياسات، محذراً من «انغلاق ثقافي» بسبب ارتفاع تكاليف المعدات المستوردة.
- العسكرة الداخلية:
- تصنيف «العصابات المحلية» كمنظمات إرهابية.
- تهديد حاكم كاليفورنيا (نيوسوم) بنشر الحرس الوطني لمواجهة الاحتجاجات، مدعياً قدرته على «الرد بقوة أكبر» في ولايته الثانية.
- الهجرة كعدو وجودي:
- إلغاء حق الجنسية بالميلاد (مقاضاة 18 ولاية له).
- وصف تدفق المهاجرين «بالغزو»، مع إرسال الجيش للحدود.
الإشكاليات والتناقضات
- الفجوة بين الخطاب والممارسة:
- رغم شعار «مناهضة الحروب غير المجدية» (كحرب العراق)، يُوسع ترامب استخدام التهديد العسكري المباشر (إيران) والعسكرة الداخلية.
- ادعاء «صنع السلام» بين الكيان الصهيوني وإيران يتناقض مع دعمه الضمني للضربات «الإسرائيلية».
- التضليل كاستراتيجية اتصال:
- صنفته «ويكيبيديا» «بكاذب متسلسل» ذي سجل غير مسبوق من التصريحات الكاذبة (20,000 ادعاء غير صحيح بحلول 2020).
- أمثلة بارزة: إنكار ديون بقيمة 4 مليارات دولار (1990)، الادعاء الكاذب بوجود 38 ألف قتيل أمريكي في قناة بنما (بينما الوثائق تشير لـ300).
- تأجيج الانقسام:
- خطاب التنصيب هاجم خصومه بدلاً من الدعوة إلى الوحدة، مخالفاً التقاليد الرئاسية.
- إلغاء مشاركة إمام مسلم في حفل التنصيب بسبب موقفه من «إسرائيل»، رغم تعددية المراسم الدينية.
خلاصة: إمبريالية جديدة بثوب قومي
تعيد «عقيدة ترامب» تشكيل الهيمنة الأمريكية عبر مفارقة أساسية: استخدام الخطاب المناهض للإمبريالية التقليدية (رفض التكاليف الدولية) لبناء إمبريالية قائمة على:
- الهيمنة الاقتصادية الانتقائية: عبر عقوبات جمركية واتفاقيات تجارية غير متوازنة.
- الاستقواء بحلفاء غير تقليديين: كدول الخليج، مع تغليب المصالح على القيم.
- تسليح الداخل ضد «التهديدات الوجودية» من الهجرة إلى التعددية الثقافية.
هذا التحول يُنتج نظاماً عالميّاً أكثر انقساماً، حيث تُعاد كتابة قواعد اللعبة الدولية بعيداً عن التعددية، لصالح «سلام ترامب» القائم على الهيمنة الأحادية المعاد تصميمها.
لقد حوّلت الطبقة الحاكمة من أصحاب المليارات في الولايات المتحدة - على غرار دعمها للإبادة الجماعية «الإسرائيلية» للفلسطينيين وحرباً محتملة مع الصين- دعمها من الديمقراطية الليبرالية إلى الفاشية الجديدة، أو في أحسن الأحوال إلى تحالف نيو فاشي-نيوليبرالي. حشدت قطاعات رئيسية من الطبقة الرأسمالية الطبقة المتوسطة الدنيا على أساس أيديولوجية قومية انتقامية، تُعتبر فيها سكان معظم أنحاء العالم أعداءً. وتُرسى هياكل تهدف إلى القضاء على إمكانية اندلاع ثورة ديمقراطية جماهيرية من القاعدة وعكس الاتجاهات المدمرة الحالية. لا توجد سوى حركة واحدة على وجه الأرض قادرة على قلب هذه الاتجاهات الخطِرة والمدمرة لصالح البشرية جمعاء: الحركة العالمية نحو الاشتراكية، وهي بالضرورة حركة مناهضة للإمبريالية. إن أسوأ خطأ يمكن ارتكابه في هذا الوضع المرير هو الاستهانة بخطر النضال الإنساني الثوري المطلوب الآن، أو بمداه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*رئيس تحرير مجلة "مونثلي ريفيو"
قاسيون – 15 حزيران 2025
********************************************
النيوفاشية والتغير المناخي
جلبير الأشقر*
بينما تغمر قسماً كبيراً من أوروبا وأمريكا الشمالية موجة حرّ قياسية، وإذ يتأكد يوماً بعد يوم وبصورة مرعبة التغيّر المناخي والاحتباس الحراري اللذان طالما حذّر منهما علماء البيئة داعين إلى مكافحتهما بصورة مستعجلة قبل فوات الأوان، في هذه الأوان المقلقة بالنسبة لمستقبل الكرة الأرضية وسكانها من بشر وحيوانات، يجدر التساؤل حول ما الذي يدفع التيارات النيوفاشية إلى التشكيك بدرجات مختلفة في حقيقة التغير المناخي، أو على الأقل في ارتباط هذا التغيّر بسلوك البشر. وقد سبق أن لاحظنا «أن الفاشية الجديدة تدفع العالم نحو الهاوية بعداء معظم فصائلها السافر للإجراءات البيئوية الضرورية، بما يفاقم الخطر المناخي، لا سيما عندما تتسلم الفاشية الجديدة مقاليد السلطة على أكثر شعوب العالم تلويثاً للكرة الأرضية بالنسبة إلى تعداده السكاني، ألا وهو الشعب الأمريكي» (أنظر «عصر الفاشية الجديدة وبما يتميّز»، القدس العربي، 4/2/2025).
فليست تلك الظاهرة في نكران خطورة التغير المناخي بالطبيعية، ولا هي قابلة لإدراك فطري بخلاف سمات أخرى من سمات النيوفاشية كالتعصب القومي والإثني والعنصرية والذكورية والعداء الشديد للقيَم الاجتماعية التحرّرية. فما الذي يدفع التيارات النيوفاشية إذاً إلى نكران الواقع الذي تتأكد معالمه باستمرار، وعلى الأخص، إلى معارضة السياسات التي تهدف إلى التصدّي للتغير المناخي في محاولة للحد منه بما يحول دون تفاقم الكارثة. فقد بيّن الباحثون في الظاهرة المذكورة ثلاثة عوامل رئيسية في تفسيرها، يتعلق واحد منها بترسانة أقصى اليمين الأيديولوجية التقليدية، بينما يتعلق الآخران بالقطبين الطبقيين اللذين يحددان سلوك النيوفاشيين، ألا وهما القاعدة الاجتماعية العريضة والنخبة الاقتصادية الضيّقة اللتين يسعون وراء كسب تأييدهما.
ويقوم العامل الأول على التعصب القومي الذي غالباً ما ينعكس في سياسات «سيادية» و«انعزالية» رافضة لأي اتفاقات دولية تحدّ من حرية الدولة القومية في تقرير سياساتها الاقتصادية وسواها. ويصل هذا السلوك إلى أقصى العبث عندما ينجم عن الدولة ذات النفوذ الأكبر في تقرير الاتفاقات والسياسات الدولية، ألا وهي الولايات المتحدة الأمريكية. وقد رأينا كيف برر دونالد ترامب انسحاب واشنطن من اتفاقيات باريس المناخية، وكأنها ناجمة عن تواطؤ سائر دول العالم على الحدّ من حرية أمريكا في تنمية اقتصادها، وعلى الأخص في استغلال مواردها الطبيعية من الوقود الأحفوري، أي الفحم والنفط والغاز. فيندرج الرفض النيوفاشي للاتفاقات الدولية الخاصة بالبيئة في رفض شامل لأي قواعد تحدّ من السيادة القومية في المنظور المتعصّب.
أما العامل الثاني، فيقوم على دغدغة مشاعر القاعدة الاجتماعية التي يسعى النيوفاشيون لكسب تأييدها الانتخابي. فهم يستغلون استياء بعض الفئات الشعبية الدنيا من التغيير المطلوب في نمط حياتها، ومن كلفة محاربة التغيّر المناخي. وهذا الاستياء يتعاظم بالتأكيد عندما تسعى الحكومات النيوليبرالية لجعل الفئات الاجتماعية ذات المداخيل المتواضعة تتحمّل تكلفة المحاربة، عوضاً عن فرض هذه الكلفة على الرأسمال الكبير، المسؤول الأول عن التلوّث المسيء للبيئة. ونجد مثالاً فاقعاً عن مثل هذا المسعى في الرسوم الإضافية التي حاولت حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فرضها في عام 2018 على محروقات السيارات، في إجراء كان سوف يطأ بوزره على كاهل الفئات الدنيا من مستخدمي السيارات. وقد فجّرت تلك المحاولة إحدى أكبر موجات الاحتجاج الشعبي في فرنسا القرن الراهن، وهي المعروفة بحركة السترات الصفراء. والحال أن أحد مطالب الحركة في مواجهة الحكومة كان فرض الضريبة على الثروات الكبرى، بدلاً من فرض الرسوم على قسم كبير من السكان.
ونأتي هنا إلى العامل الثالث في تفسير موقف النيوفاشيين من التغير المناخي. فمن سمات الفاشية القديمة المعروفة، أنها سعت وراء كسب تأييد الرأسمال الكبير على الرغم من خطابها «الشعبوي» الديماغوجي الذي ادّعى الانتصار للطبقات الاجتماعية الدنيا، بل ادعى «الاشتراكية» في بعض الحالات كما في حالة النازية الألمانية التي ورد التعبير في تسميتها الرسمية. وقد نجم التواطؤ بين الفاشيين والرأسمال الكبير بالدرجة الأولى عن ذعر هذا الأخير من صعود الحركة العمّالية بجناحيها الاشتراكي الديمقراطي والشيوعي في إطار الأزمة الاقتصادية التي عرفتها سنوات ما بين الحربين العالميتين في القرن المنصرم، وهي سنوات العصر الفاشي الأصلي.
أما اليوم حيث ضعفت الحركة العمالية إلى حد كبير بسبب الهجمة النيوليبرالية وبسبب التغيرات التكنولوجية، فإن دافع الرأسمال الكبير إلى التواطؤ مع التيارات النيوفاشية ليس دفاعياً، بل هو هجومي. إننا إزاء رأسمال كبير يريد صيانة نموه الاحتكاري على حساب الفئات الرأسمالية الوسطى والصغرى، ويحتاج من أجل ذلك إلى التخلّص من القيود التي جرى فرضها سابقاً للحد من الاحتكارات، من منطلق ليبرالية اقتصادية التزمت الحرص على صيانة المنافسة بوصفها محرّكاً رئيسياً للتنمية الرأسمالية. فمن هذا المنظور، تبدو السياسات البيئوية بمثابة قيود مفروضة على حرّية الرأسمال، وهي حريّة تقوم على تناقض عضوي إذ إن الحرية الكاملة غير المقيّدة تؤدّي بالضرورة في هذه الحالة إلى قيام الاحتكارات القاضية على الحرية عينها.
فإن أبرز مثال عما سبق يجسده بيتر ثيل، أحد كبار الرأسماليين الأمريكيين وأكثرهم اعتناقاً للنيوفاشية وتأييداً لها. فقد كان ثيل من أحر مؤيدي حملة دونالد ترامب الرئاسية، كما أنه لمن المعروف أن ثيل هو العرّاب السياسي لنائب الرئيس، جيه دي فانس، الذي هو الناطق شبه الرسمي باسم الأيديولوجيا النيوفاشية الصرفة في إدارة دونالد ترامب. والحال أن ثيل يجهر بلا حياء بتفضيله للاحتكار بحجة أنه يسمح بالتقدّم التكنولوجي بلا قيود من خلال الإثراء غير المحدود، بينما يعارض السياسات البيئوية بحجة أنها تحد من المنافسة الدولية! ومثله في ذلك مثل أرباب الاحتكارات الأمريكية في التكنولوجيات المتقدمة وتطبيقاتها في التجارة والتواصل الاجتماعي الذين دعموا حملة ترامب الأخيرة وهم يراهنون عليه لمحاربة القيود والرسوم التي تسعى الحكومات الأوروبية لفرضها عليهم. وقد أدرج ترامب هذه المهمّة على رأس جدول أعماله في الحرب التجارية التي أعلنها على سائر بلدان العالم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب وأكاديمي من لبنان، محاضر في جامعة لندن ويختص في مجال العلاقات الدولية
"الاتحاد" الحيفاوية – 2 تموز 2025
***********************************************
مفاهيم ماركسية: ما هو {الاغتراب}؟
أحد أكثر المواضيع المتكررة في كتابات ماركس بين عامي 1844 1845 هو مفهوم الاغتراب الإنساني (Alienation). ورغم أنه استقي الفكرة من هيجل، إلا أن ماركس فعل ذلك بطريقة تسمو فوق فلسفة هيجل ذات الجوهر الإنساني. فبالنسبة لماركس، لم يكن تحقيق الحرية آتي من العقل من خلال إدراكه “للحقيقة المطلقة”، ولكن تأتي من العالم المادي، عن طريق إلغاء العمالة بالأجر، والإطاحة النهائية بالمجتمع الطبقي. تصور ماركس تطور الصناعة من منظور الجدلية، بمعنى أنه رأى في تطور التكنولوجيا واحتمالات الوفرة المادية التي نشأت عنها فتحاً لباب نحو التحرر الحقيقي للإنسان، لكن النتائج الفورية كانت “زيادة في تجريد الإنسان من الإنسانية” بسبب طبيعة النظام الرأسمالي.
تهدف هذه المقالة لتقديم الخطوط العريضة للصور المختلفة الموجودة من الاغتراب، وكيف تؤثر على المستوى الفردي والمجتمعي. سنبدأ من واقع اقتصادي معاصر. “يصبح العامل أكثر فقراً كلما زادت الثروة التي ينتجها وكلما زاد إنتاجه من حيث القوة والكم. يصبح العامل سلعة أرخص مما مضى كلما صنع المزيد من السلع. انخفاض قيمة العالم الإنساني يزداد في علاقة مباشرة مع زيادة قيمة عالم الأشياء. لا يخلق جهد العامل السلع فقط، ولكنه ينتج أيضا نفسه ويخلق العامل كبضاعة وبنفس المعدل الذي يخلق به السلع”. (مخطوطات ماركس، ص 13) يوجد، حسب ما رأى ماركس، أربعة أشكال من الاغتراب يتعرض لها العامل الحديث: الاغتراب عن منتجات العمل، التي لا تعود ملكيتها للعامل بل للرأسمالي. حيث توضع حياة العمال بالكامل في صناعة أشياء لا يملكونها وبداخل نظام لا يملكون السيطرة عليه، فيصبح جهدهم ذاته سلعة تؤخذ منهم وتباع مثله مثل الأشياء التي ينتجونها. ويكون الفصل بين العمال ونتاج جهدهم في التاريخ الحديث بحيث أنهم قد لا يكونون حتى على علم بما ينتجون، فقد أصبحت أماكن العمل أكثر تقسيماً وأقل اعتماداً على المهارة. الاغتراب داخل عملية الإنتاج نفسها، حيث يدخل العامل في مهنته داخل قيود العمالة بالأجر وليس لإشباع رغبة حرة بل لإشباع رغبات مستقلة عن العمل نفسه، ونتيجة لذلك لا يصبح العمل عملية مشبعة للذات ولكن يتحول إلى شر لابد منه. تعود ملكية وسلطة التحكم في كل جانب من جوانب عملية الإنتاج إلى الرأسمالي، بدءاً من تصميم المنتج والأشكال الأخرى من “العمل الذهني” إلى العمل اليدوي للعامل والمنتج الذي ينتجه. يتم التعامل مع العمال كما لو كانوا تروس في آلة، منخرطين في مهام رتيبة ومتكررة تهين أجسادهم وتدمر أرواحهم.
الاغتراب عن الوجود البشري، لأن الطبيعة الأساسية للبشرية تكمن في القدرة على تشكيل وإعادة تشكيل العالم من حولنا وفقا لاحتياجاتنا وقدراتنا الإبداعية، ولكننا محرومون من ذلك بسبب الطبيعة اللاإنسانية للرأسمالية. وأشار ماركس إلى أن هذا النوع من الاغتراب موجود أيضاً في الطبقة الرأسمالية، ولكن بطريقة مختلفة تماماً عما يشعر به العامل، ويفسر ماركس قائلاً:
“يظهر من الطبقة المالكة وطبقة البروليتاريا نفس القطيعة مع البشرية، ولكن تشعر الطبقة المالكة بالراحة والقوة في هذه القطيعة، فهي ترى في القطيعة قوتها الذاتية وما يعطها مظهر الوجود الإنساني. في المقابل تشعر طبقة البروليتاريا بإبادتها، بمعنى أنها تزول من الوجود في هذه القطيعة، حيث ترى فيها انعدام قوتها ووجود غير إنساني”. (العائلة المقدسة, 1884).
اغتراب “الإنسان عن الإنسان”، نتيجة لتعميم الطبيعة اللاإنسانية للرأسمالية في المجتمع واستخدام جهد العمال كسلعة، بدلاً من أن يكون نشاط اجتماعي واقتصادي بنّاء يستخدم لتحسين المجتمع. يخلق الرأسماليون في سعيهم وراء الربح الصراعات الاجتماعية حيث يحرضون العمال للتصارع فيما بينهم من أجل الحفاظ على بقائهم عندما يقل نصيب العمال في قيمة إنتاجهم.
الاغتراب ليس مجرد مفهوم للأكاديميين ليتدارسوه، بل يمكن ملاحظته في كل جوانب الحياة اليومية، سواء كان ذلك شخص من العمال البريطانيين المفصولين يلقى اللوم على مهاجري أوروبا الشرقية لعدم وجود وظائف في بريطانيا، أو شخص يعمل لساعات طويلة في وظيفة مخدرة للعقل مشتاق ليوم إجازته وفرصة الهروب من المشقة والملل في بيئة العمل التي تغيب عنها المهارة. على هذا النحو، يحول الاغتراب في العمل جوهرنا الإنساني إلى وسيلة للوجود المجرد، حيث تُقيد القوى المنتجة في المجتمع والقدرات المحتملة للإبداع البشري ضمن الحدود الجامدة للنظام الرأسمالي، ويُحرض العامل العادي، الخاضع لوعي مزيف مفروض عليه، ضد أبناء طبقته من هم في نفس وضعه. لا يمكن التغلب على الاغتراب إلا من خلال استعادة الجوانب البشرية للعمل. وهذا لن يتحقق ولا يمكن تحقيقه في ظل نظام مبني على الاستغلال والسعي وراء المكاسب الخاصة. فقط من خلال العمل من أجل تلبية احتياجات المجتمع والسعي وراء إشباع الإمكانيات الضخمة للإبداع البشري، الذي يبقى في الوقت الحالي راكداً وغير مستغل، يمكن للبشر أن يدركوا إمكانياتهم الكاملة وأن يتحرروا بحق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ترجمة: أحمد بكر
موقع "الاشتراكي" – 18 كانون الثاني 2013
************************************************
الصفحة الحادية عشر
الجديد في المكتبة
- معتز يرسم الهبوط/ تنويعات مرتبكة. شعر: ريسان الخزعلي، اصدار: دار ماروسي.
- جغرافيا الانتخابات/ دروس عالمية مستخلصة من اجل كسب الانتخابات/ مختارات لعدد من دول العالم. ترجمة وليد كاصد الزيدي، اصدار: دار المأمون.
- ايفين/ حفر في الذاكرة/ تأليف جورج منصور، اصدار: دار اهوار ودار الرواق- بغداد.
- المادية/ في ذكرى ليوبابل، تاليف تيري ايفلتون. ترجمة عبد الاله النعيمي، اصدار: دار المدى.
- كتاب الشقاق/ عن حروب الهويات في العراق. تأليف محمد غازي الاخرس. اصدار دار الرواق.
- عصا كما يجب/ مآرب حسن المجهول الخفية/ رواية خالد ناجي ناصر. اصدار: دار الشؤون الثقافية.
******************************************
ذاكرة الصحافة الشيوعية أتحدث عن الحارس {أبو شمخي}
جمال العتّابي
أحلام السبعينات من القرن الماضي تتسم بحب متوهج لعمل كبير وجدنا أنفسنا فيه نحن مجموعة من الشباب، يجرفنا التفاؤل والحيوية، لا مجال فيه للحزن والاحساس بالكآبة، ومن دون شعور بلحظة (الصدمة) القادمة. كنا مستغرقين بسر العمل والتغلب على المصاعب، نكتشف معاني جديدة رحبة في أداء رعيل من الصحفيين والمثقفين والسياسيين بظل وارف ينتشر في موقعين، يطلّ أحدهما على شارع السعدون قريباً من سينما بابل، يتسع أمامه في الصوب الآخر شارع يؤدي إلى فضاء أبي نواس المزدان بالخضرة والماء والمقاهي والناس إلى ساعات متأخرة من الليل. هذا الموقع تشغله جريدة " طريق الشعب" التي عاودت الصدور العلني في 17 أيلول 1973.
أمّا الموقع الثاني فهو (مطبعة الرواد)، في الشارع المقابل للقصر الأبيض، بعيداً عن الزحام وضجيج السيارات والمارة، لا توحي أشجار الكالبتوس التي تظللها من جهة اليمين والمساحات الخضراء أمامها سوى مشاعر القلق والخوف والترقب، فنحن على بعد خطوات من مديرية الأمن العامة، التي (استقبلت) في زنزاناتها بعد سنوات معدودة (رفاق الأمس الحلفاء) ليتعرضوا فيها إلى الموت بجرعات السم والتعذيب بكل صنوفه. كانت أبنية الأمن تبدو لنا مظلمة معتمة كسواد شاغليها، ورعب أقبيتها السرية، إن مجرد التفكير بهذه (الجورة) كان يسمم حياتنا.
في هذا المكان شيّد أحد رواد الصحافة العراقية (جوزيف ملكون) مبنى لجريدته " الأخبار" التي صدرت في العهد الملكي، ثم واصلت الصدور بعد اسقاطه، كان المبنى مصمماً بطراز معماري وظيفي، جديد آنذاك.
لقد شهدت الجريدة والمطبعة جمعاً لا نظير في الصحافة العراقية، ووجد بعض هذا الجمع شهرة منحته التفوق والامتياز في سنوات لاحقة. لست بصدد الحديث عن هذه التجربة بكل تفاصيلها وأسمائها، فقد سبقني زملاء كثيرون في الكتابة عنها، كما انني تناولتها في مناسبات عدّة، كتبت عن ذاك الجيل الصاخب والمتحمس، عن مفاتيح الأحلام حيناً، وعن الأوهام حيناً آخر. عن التجربة بومضاتها العابرة، وبمضمونها وجوهرها الإنساني.
هذه المرة يقتضي الموقف الأخلاقي ضرورة الكتابة عن (الشغيلة) التي تقف في الظل، وفاءً لهم، وللنكهة الخاصة في تجربة كل واحد منهم، لكنهم متشابهون، انهم جميعاَ لا يملكون وقتاً للشكوى، لم يتناولهم الرواة، ولم يكتب عنهم الشعراء. أحدهم كان (أبو شمخي) حارس المطبعة، هذه كنيته، وحدها كانت تحيلنا إلى الشموخ، لكن لا أحد في ذلك الزمان تجرأ على المزاح معه، وسأله عن اسمه الحقيقي، ربما هو اسمه الحزبي.
أبو شمخي فلاح قدم من ريف الكوت، وعلى ما اعتقد ان الكاتب شمران الياسري (أبو كاطع) اختاره لهذه المهمة، بعد أن أقنعه ترك مهنة الفلاحة والتوجه إلى العاصمة لأن الحزب يحتاجه لمهمة يصعب على ابن المدينة القيام بها، كان أبو شمخي رجلاً أمياً، لم يدخل المدرسة، ولم يتعلم القراءة والكتابة، لكنه تشبّع بتعاليم الحزب وحفظ عن ظهر قلب ما كان يسمعه في الاجتماعات السرية، وما يردده مسؤوله الحزبي: البرجوازية (غذرة)، الاقطاع (غذر)! الحزب ملح الخبز.
كان أبو شمخي يقف كل ليلة عند باب المطبعة، صامتاً كأنه حجر، مثل شجرة سدر نبتت في أرض عطشى، صامدة بالرغم من الجفاف، كان نحيل الجذع، سمرته لا تشبه غبار المدينة، بل تشبه طين نهر الدجيل، عيناه غائرتان تنوءان بحمل تعب قديم. يقف أبو شمخي في الباب الرئيس للمطبعة كما يقف على باب مقام مقدّس، عليه تقع مهمة عظمى: حراسة (الحلم) بما يملكه من صبر وثبات. تتدلى من كتفه بندقيته الكلاشنكوف وهي تلمع تحت ضوء المصابيح الخافتة، يرتدي زيّه القروي بعقال يميز أهل الكوت، بيشماغ يطوي أطرافة بعناية فائقة، كأنما يتهيأ لمعركة. دشداشته تلتصق بجسده النحيف، يدخّن بشراهة، سيجارة تلو الأخرى، يقرصها بين شفتيه وينفث دخانها بتنهيدة طويلة..
حين يطل القادم من آخر الزقاق، يضع يده على الزناد، ينظر بعين واحدة نصف مطمئنة، نصف متوجسة، وعلى الرغم من ضآلة جسده كان صوته غليظاً أجش: تفضل رفيق! منو أنت؟
ـ أنا فلان.
ـ نعم، أنت فلان، أعرفك، لكن سمّعني (سر الليل).
حصل هذا أكثر من مرة مع العاملين في المطبعة أو الجريدة. مع رئيس التحرير عبد الرزاق الصافي نفسه حين طلب منه أبو شمخي التوقف عند الباب ريثما يتأكد انه لم ينس (سر الليل)، كان الصافي يضحك بصمت ينتظر الإذن منه بالدخول!
ـ دقيقة رفيق، شنهي السالفة؟
حقيقة الأمر لا وجود لوهم اسمه (سر الليل) في مؤسسة كانت ضاجّة بالحركة ليل نهار، مفتوحة للعاملين والزائرين. كان وهماً ابتدعه أبو شمخي خلق هذا الوهم لنفسه، معتقداً أن مطبعة صغيرة قادرة أن تهزّ عرش كامل، وبندقيته القديمة الصدئة كافية لردع من يتجرأ لاقتحام المبنى حتى وإن حصل في ساعة غادرة. نصّب نفسه وصياً على المطبعة ومن فيها، كان يظن أنه وحده المؤتمن على حياة العمال والعاملين فيها، وهكذا صار سر الليل عندهم نكتة ناعمة يتداولونها.
ابو شمخي كان حارساً للمعنى، وسطراً لا يمحى من تجربة عنفوان العمل وايقاعها الخاص. هو وأمثاله في المطبعة والجريدة لا يليق بهم النسيان، ولا ينصفهم إلا الحرف النظيف المضمّخ بالصدق.
أين أنت يا أبا شمخي؟ أي قفر هذا الذي ابتلع ظلك، وأية ريح عصفت بك؟ بعد أن سقطت الرايات التي رفعتها بيد متشققة من حرث الأرض، أتذكرك بوجهك النحيل، وجبهتك العالية، وعينيك اللتين كانتا تبرقان كلما جرى الحديث عن الاشتراكية القادمة من (شاخة 8) في ريف الدجيل، كأنها آيات يقين لا تقبل الجدل. لكن الغد لم يأت يا أبا شمخي، بل جاء الخراب، وانهارت الشعارات! هل نجوت بنفسك؟ أم دفعت ثمن إيمانك، كما يدفع الحالمون الثمن حين توقظهم مطارق الخيبة؟ سلام عليك يا أبا شمخي أينما كنت روحاً أم جسداً، ها نحن من بعدك، ما زلنا نرتّق الخيبات بخيوط الذكرى، نم بطمأنينة أيها الفلاح الحالم. تركت وراءك حقلاً ظل عطشاناً لوقع خطاك.
******************************************
قيامة آخر الحروب
فوزي السعد
يابن آدمَ ما لك وحدك
في هذه الأرض
تركض كالنار نحو هشيم الحروب ؟
وخلفك يركض ما قد تبقّى من الراكضين
بنيك الذين نجوا
من حرائق أوّل حرب
ليمضوا إلى الثانيةْ
هل تجرّبُ حظّك في الثالثةْ ؟!
يومَ لا البيضُ تدرأ عنك سواد الردى
لا الردينيّ رمحك
سوف يخيف وحوش المنايا
ولا عطرُ منشمَ ينفعُ
منشمُ ماتت
وكلٌّ عليها لسوف يموت
وليس أمامك غير الذي لا يُرى
هل تحارب ظلّك
ام هل تبارز فيك الطواحين ؟
حتّى الطواحين ( كيشوتَ)
سوف تموتُ وتفنى
ألا ترعوي ؟
إشطب الراء في الحرب
بين حروف قواميسك الآن
واجنح بدنياك للحبّ لا الحرب
قبل فوات الأوان
****************************************
قصة قصيرة.. ألوان مريم المضيئة
علي إبراهـيم الدليمي
في زاوية صغيرة من البيت، من الشباك، حيث تتسلل أشعة الشمس الذهبية لتلامس الأرض، وتضيء المكان، كانت مريم تجلس في عربتها التي تساعدها على التنقل في البيت. كونها من "ذوي الاحتياجات الخاصة". لم تكن مجرد طفلة في السابعة من عمرها، بل كانت عالما من الألوان الزاهية والحياة الدؤوبة. شعرها الداكن ينسدل على كتفيها الصغيرين، وعيناها الواسعتان تتلألآن ببريق خاص، بريق لا يراه إلا من يعرف عمق روحها العزيزة. كان الرسم هوايتها، ولا شيء غير الرسم. شغفها الذي يملأ أيامها. لم تكن فرشاتها ترسم خطوطا عادية، بل كانت تروي حكايات. على أوراقها البيضاء، كانت تظهر بيوت بألوان قوس قزح، وأشجار تتراقص أوراقها النظرة مع الريح الهادئة، ووجوه عفوية ضاحكة تملأها البهجة. كانت ترسم أحلامها، وآمالها، وكل ما يخطر ببالها. كان والدها يراقبها بصمت، عن قرب أو بعد، وقلبه المتعب ينبض بحب عميق لا حدود له، حب يمزقه ألم خفي. فمريم كانت تعاني من مرض عضال، مع إعاقتها، كل يوم يمر، كان يرى كيف يتسلل التعب القاسي إلى جسدها الصغير، لكن روحها الصامدة كانت ترفض الاستسلام. كانت تتمسك بألوانها، بابتسامتها الرقيقة، بحياتها القصيرة.
في إحدى الأمسيات، بعد أن أنهت مريم رسم لوحة كبيرة لزهرة عباد الشمس، نظرت لوالدها بعينيها اللامعتين وقالت:
- بابا، أريد أن أرسم لك كل الزهور في العالم، حتى لا تحزن أبدا.
ابتسم لها، ودمعة خفية تسللت من عينيه، فاحتضنها بقوة، شم رائحة شعرها، وتمنى لو أنه يستطيع أن يحتفظ بهذه اللحظة إلى الأبد. مرت الأيام، وأصبحت الألوان على لوحات مريم أكثر حيوية، وكأنها كانت تحاول أن تترك بصمتها، أن تملأ العالم بجمالها قبل أن يبهت. كانت ترسم أحيانا وهي تشعر بالتعب، تتوقف قليلا لتستريح، ثم تعود لتكمل لوحتها بعزيمة تذهلني.
في أحد الأيام، وجد والدها انها نائمة بهدوء، وفرشاتها الصغيرة لا تزال في يدها، والى جانبها لوحة لم تكتمل بعد. كانت لوحة لسماء صافية، لكنها لم تضع فيها النجوم بعد. كانت تبدو وكأنها استراحت من رحلة طويلة. انقبض قلبه، عرف أن مريم قد ذهبت إلى حيث لا ألم، إلى سماء مليئة بالنجوم التي لم تتمكن من رسمها. احتضنها، ودموعه كانت تمتزج بألوانها الزاهية على اللوحة. بقيت لوحات مريم في البيت، تملأ الجدران بالألوان والحياة. كلما نظر إليها، تذكر مريم، طفلته التي علمته أن الجمال يمكن أن يولد من الألم، وأن الحب يمكن أن يضيء حتى أحلك الظروف. لم يكن هناك دواء لمرضها، لكن فنها وحبها كانا الدواء لروحه. فيما بقيت ألوان مريم تضيء حياته إلى الأبد.
****************************************
الـذاكرة الناجـيّة وإنـقاذ اللغة من النسيان فينومينولوجيا التذكّر والكتابة بين بول ريكور ولؤي حمزة
محمد خضير سلطان
يعّد القاص والروائي لؤي حمزة عباس من الكتّاب الخارجين عن ظلال القص الستيني العراقي والذين أفصحت قصصهم وتجاربهم الفنية عن تدشين شكل جديد لقصة ما بعد الستينيات إذ تحاول هذه القصة الجديدة، ان تزحزح أعباءً فنية متراكمة، وتنتقل بالنص القصصي والروائي من المحيط المرجعي غير المباشر لمؤسسة السلطة الى قاعدة المجتمع والفضاء الاجتماعي المباشر، ومن الإطار الأيديولوجي الضيق الى البعد الانساني العام.
ولعل تدشين شكل جديد للقص الخارج عن الظلال السائدة، لا يبدو كقطع تقني فاصل بين زمنين، ولن يُصبّح جاهزاً للبحث ما لم يقتض الانفتاح على مرجعيات جديدة لإغناء النص القصصي ويمر بمحاولات تقصي اتجاهات عامة وتقفٍ لآثار بعيدة أو قريبة فضلاً عن تجريب أفكار وموضوعات سردية وتقنية جديدة هدفها ترسيخ النوع الفني بعيداً عن ظلاله المؤسساتية السابقة.
وكانت أرض المحاولات الفنية تلك واسعة ومبكرة، وتحتوي على الكثير من الحاجة الى الاستصلاح والتأصيل، على سبيل المثال، كانت الصورة الرافدينية المتخيلة على العموم في النص القصصي الستيني هي المصدر المرجعي المباشر لصورتها طبق الأصل في الرؤية التنقيبية الاستشراقية، فيما أنشأت قصة ورواية ما بعد الستينيات صورة متخيلة مفارقة، تستتبّع، وتمزج بين اركيولوجيا الاستشراق والاثر المحلي في الوقت الحاضر.
على هذا الأساس من استصلاح الأرض الواسعة عبر المحاولات الفنية الجديدة، كتب لؤي نصه ودراسته منذ مجموعته القصصية " على دراجة في الليل"1997، وحتى كتابه " إنقاذ اللغة من الغرق"2014 ليواصل تكريس النوع الفني في فضائه الأصل ومحيطه المرجعي الأول فأنشأ مرجعيات متعددة وعتبات نصية مبتكرة واستعارات مستحدثة لا سابق لها مجتمعةً من التراث الإنساني مثل "كتاب قصصي" و"طفولات قصصية" و"رواية تعرّف"، وتقفى آثاراً بعيدة وقريبة مسترشداً بمرجعيات الكتابة الجديدة التي يُعيد تبويبها وتعريفها فيكتب.
يطرح القاص حمزة بما يمكن ان نسمّيه فينومينولوجيا الكتابة كما في كتابه "إنقاذ اللغة من الغرق" من خلال الاحتفاء بالغائب، "الماضي" الذي يترك أثره في الحاضر، يقول " كل كتابة ثمة غائب يحتفى به، ويعاد تشكيل المشهد بما يتركه من أثر وما يخلفه من ظل ليضاء حضوره لحظة الكتابة نفسها" ومع ذلك فان الكتابة لا تبحث عن المستعاد الغائب فقط والذي يخلف أثراً إنما يرى" تحاول الكتابة دائماً استعادة ما يصعب استعادته".
ان ما يصعب استعادته في الكتابة، هو نفسه ما يصعب تذكره من النسيان، أو ما يمكّن من إنقاذ الذاكرة الناجية من الغرق في بحر النسيان، والقاص لؤي حمزة عباس في فينومينولوجيا الكتابة وبالرغم من أنه اقتبس عبارة غادامير بان" التذكر ليس له تاريخ، ثمة نسيان مستمر" إلا إنه يتواصل بغنى أكثر مع فينومينولوجيا الذاكرة لدى بول ريكور عبر العلاقة الجدلية بين الزمان والسرد، والحضور والغياب، والأثر.
ومن المهم ان نوضح شيئاً موجزاً عن فينومينولوجيا الذاكرة وانطولوجيا القدرات كما هي عند بول ريكور، ومن ثم نعود الى ذاكرة الكتابة الناجية كما هي عند حمزة عباس.
من بين الميزات الأساسية في كتاب "الذاكرة.. التاريخ.. النسيان" لبول ريكور كما يذكّر، هي أنه جاء تكملة سردية ملحقة ومستوفية لمستوى فينومينولوجيا الذاكرة الذي لم يناقشه مفصلاً في كتابيه "الزمان والسرد" و"الذات عينها كآخر"، فهذا الكتاب وعبر فن قدرات الذاكرة، يسد ثغرة إشكالية، تشكّل مستوى وسطياً بين الزمان والسرد، وتبحث في " امبراطورية النسيان المحفورة تحت اقدام الذاكرة والتاريخ".
ولعل قدرة السرد ضمن "انطولوجيا الانسان القادر" لدى ريكور، تتكون في هذا المستوى بوصفها إعادة تعلّم للمنسي أو كما يستشهد بالقديس أوغسطين بأن "البحث عن الذكرى هو النضال ضد النسيان".
و"انطولوجيا الانسان القادر"، هي إضافة رؤيوية، اضطلع بها ريكور" أنا قادر إذن أنا موجود" مقابل الكوجيتو الديكارتي المعروف، فقدرة السرد هنا، ما يمليه فن التذكر عبر تمثيل الغائب وفقاً للمسافة الزمنية "ديالكتيك الحضور والاشارة السببية للغياب" أو إثبات العلاقة بين الدلالة الفينومينولوجية للصورة – الذكرى وبين مادية الأثر اللغوي الذي يغدو كاستعارة مثل الرسم في لوحة، بمعنى ان فينومينولوجيا الذاكرة بوصفها قدرة سردية، تصبح أحد مستويات النص السردي والقصصي تتوسط الزمان والسرد.
في هذا السياق من تقنية فن الذاكرة، أو "ما يسميه ريكور خطوط سير التذكر بين عدد من الذاكرات منها المعاقة والمأمورة والمتلاعب بها وغيرها" استخدم القاص والكاتب لؤي حمزة عباس على نحو ابتكاري خطوط سير التذكر في كتابه " إنقاذ اللغة من الغرق"، بما يُشبه الذاكرة الناجية وأعاد تعلّم ومخاطبة هذه الموضوعة بشكل مباشر، قائم على الذاكرة التي تبحر في أعماق النسيان والوقائع المنسيّة، وتستطيع في النهاية أن تبقي أثراً أو صورة مثل "بصمة خاتم على الشمع" واستعارة مثل " الرسم في لوحة" أو مثلما " ديك في قارب وسط مياه لامتناهية".
ينزل الكاتب حمزة عباس مع فكرته في نهر كتابته مثل نجمة ريكور المرشدة، لن يغرق أو يموت إنما يمثل ديمومة واستمرار الوجود" الذاكرة" في ديالكتيك الحضور والغياب الذي يجعل من الماضي حقيقة حيّة، ينتدب فيه جندياً قديماً، يستيقظ دوماً من موته مع أي حرب جديدة، ويواصل قتاله وأثره الكتابي الجديد، الجندي ذو العشرين عاماً الذي قتل في القرن الرابع قبل الميلاد في موقعة ايسوس الكبرى، هو نفسه العائد من أثره الكتابي ليحيا ويتذكر كيف عاش حرباً أخرى في واقعة نيو أوليانز في العام 1812 ثم غدا مقاتلاً اميركياً في القرن الماضي مثلما هو قتيل حرب العصابات في الكونغو واسير الفيت كونج، وهو نفسه جندي الهون الذي شهد بناء سور الصين العظيم حجراً حجراً لكي لا يخترقه.
جاء عنوان أحد فصول الكتاب، "كل حرب هي حكاية عابرة" ولكن لكل حرب ذاكرة حكائية وسردية وواحدة ومتصلة كما يبتكرها لؤي، بإمكانها ردم الفجوات وتوحيد ووصل المسافات الزمنية وتفترض ان الكون تبعاً لما يقول ريكور، "يهلك ويولد من جديد بأعجوبة يقينية، تمد الى مجموع أحوال العالم هذا البقاء المستقل والشامل للماضي".
دائماً، يستيقظ هذا الجندي مثل " طيف عابر" في سجل الوقائع ولكنه في ذاكرة الكتابة، يتحول الى جوهر، ويترك أثره من حرب الى أخرى ومن زمان لآخر، ويسلّم دليله تواصلاً مع فينومينولوجيا التذكّر التي تنشئ نصاً جديداً أصله ذاكرة كتابية فينومينولوجية، "يمكنك أن تراه، يستلقي على الرمال بثيابه الكاملة، عيناه مفتوحتان، عظمتا وجنتيه بارزتان، يمسحهما ضوء آخر النهار، خوذته مائلة قليلاً وقد التف حزامها على الرقبة، كأنه يواصل الانصات، لامع العينين لنفير بوق الحرب النحاسي البعيد".
بذلك، تغدو فينومينولوجيا الذاكرة بحثاً في إعادة المنسي والصعب من الماضي فيما تتشكل فينومينولوجيا الكتابة من استجماع الجزئي والمتشظّي، واستجماع أثر صيحة حرب أو نفير بوق باتجاه صورة كلية جديدة لذاكرة ناجية.
****************************************
الصفحة الثانية عشر
عن دور اتحاد الأدباء في تنشيط الحركة الثقافية
متابعة – طريق الشعب
عقد "بيت المدى" للثقافة والفنون في شارع المتنبي، أول أمس الجمعة، جلسة حوارية حول دور الاتحاد العام للأدباء والكتاب في تنشيط الحركة الثقافية وخططه ومشاريعه المستقبلية، ضيّف فيها كلا من رئيس الاتحاد الشاعر د. عارف الساعدي والأمين العام الشاعر عمر السراي ونائب الأمين العام الناقد علي الفواز.
وبحضور جمع من الأدباء والمثقفين وجمهور من روّاد شارع المتنبي، قال مدير الجلسة د. أحمد الظفيري، أن اتحاد الأدباء يُعد من أهم الركائز الفاعلة في الثقافة العراقية، وانه يمثل حضورا عربيا له كيانه وأهميته طوال العقود الماضية.
بعدها استهل الجلسة الناقد علي الفواز بالقول أنه "سعينا وما زلنا نسعى دائماً إلى صناعة قواعد وسياقات عمل ثقافي رصين. لأن الثقافة ليست عملية عشوائية، إنما هي صناعة إبداعية معقّدة تتطلب إدارة وتمكيناً وتوازناً، وهذا ما نعمل عليه في الاتحاد اليوم".
من جانبه، قال د. عارف الساعدي أن "أبواب الاتحاد مفتوحة لكل المقترحات والآراء والنقد، وواجبنا الأساسي هو ضمان حقوق أدبائنا، وما تحقق من مكتسبات هو حقهم المشروع".
وذكر أن "الحركة الثقافية تنشط من خلال مفاصل متعددة، مفاصل حكومية وغير حكومية، وأخرى تقع في الوسط، كالاتحاد العام للأدباء والكتاب". فيما أشار إلى أن المطبوعات الصادرة ضمن منشورات الاتحاد، وصلت حتى الآن إلى أكثر من 1200 مطبوع.
إلى ذلك، تحدث الشاعر عمر السراي عن السياقات القانونية في عمل الاتحاد، مبينا أن "الاتحاد لا يعمل فقط وفق نظامه الداخلي، بل يُنظم عمله قانون رقم 70 لسنة 1980. وهو قانون فريد من نوعه في مؤسسة ثقافية، كونه يعتمد نظاماً برلمانياً يراعي التنوّع الثقافي والمكونات العراقية".
وتابع قوله أن "هذا القانون هو القانون الوحيد الذي جعل اللغة الأدبية معياراً أساسياً للاتحاد. وانه يجري العمل الآن على تغيير النظام الداخلي عبر لجنة متخصصة، وستُعلن النتائج خلال الشهور المقبلة".
ونوّه السراي إلى ان "الاتحاد يرى الأدب بصورة عامة هو موجه من موجهات الثقافة، والثقافة بصورة عامة هي موجه من موجهات المجتمع. لذلك ان الأدباء هم مجترحوا الأفكار دائماً وأرباب الرؤية العميقة التي تستشرف المستقبل".
********************************************
عراقي يفوز بجائزة كتارا للقصة القصيرة
متابعة – طريق الشعب
فاز القاص العراقي علي طه حجارة، بالمركز الثاني في "مسابقة الإخاء" للقصة القصيرة 2025، والتي نظمتها المؤسسة العامة للحي الثقافي في قطر (كتارا).
وجاء فوز القاص العراقي عن قصته الموسومة "صمت". فيما أحرز المركز الأول القاص اليمني أحمد السعدي عن قصته المعنونة "دموع الملح"، والمركز الثالث فاز به القاص الليبي معتز بن حميد عن قصته الموسومة "وهج اللؤلؤ".
وشارك في المسابقة نحو 1500 متسابق من 32 دولة، بينها 19 دولة عربية.
****************************************
جلسة في البصرة خور عبد الله وما يعرفه البصريون عنه
البصرة – طريق الشعب
احتضنت "قاعة الشهيد هندال" في مقر اللجنة المحليّة للحزب الشيوعي العراقي في البصرة، الخميس الماضي، جلسة عن "خور عبد الله واصوله ونبعه"، نظمها "ملتقى جيكور" الثقافي، وضيّف فيها الاختصاصي في الترسيم البحري وفض النزاعات الدولية المستشار د. حسن العبادي.
الجلسة التي حضرها جمع من المثقفين، أدارها الكاتب باسم محمد حسين، واستهلها داعيا الحاضرين إلى الوقوف دقيقة صمت إكراما لشهداء فاجعة الحريق في مدينة الكوت.
ثم عرض فيلما قصيرا عن طرق تحلية الماء في السعودية. وبعده قدم نبذة عن "خور عبد الله" وما يعرفه البصريون عنه وعن عائديته. كما قدم السيرة الذاتية للضيف.
من جانبه، تحدث العبادي بالتفصيل، وبناء على وثائق ودراسات تاريخية، عن "خور عبد الله" منذ نشأته في القرن الثاني عشر حتى الآن، ذاكرا أسماء عدد من أنهار البصرة، ومنها نهر عبد الله بن عامر بن كريز، والي البصرة في زمن الخليفة عثمان بن عفان.
وتابع حديثه قائلا: أن الاسم الأول للنهر هو نفسه الاسم الأول للخور.
وتطرق الضيف إلى المناقشات والمفاوضات التي جرت بين العراق والكويت حول "خور عبد الله"، واللجان التي تفاوضت في الأمر، فضلا عن الوثائق الخاصة بتلك المناقشات.
وفي سياق الجلسة، قدم عدد من الحاضرين مداخلات، بضمنهم سوّاد لعيبي، كاظم محسن وجاسم حركات.
وفي الختام، قدّم الرفيق كاظم محسن، سكرتير محليّة البصرة للحزب الشيوعي العراقي، شهادة تقدير باسم "ملتقى جيكور" إلى د. حسن العبادي.
*************************************
معاً لبناء بيت الحزب.. بيت الشعب
دعماً للحملة الوطنية لبناء مقر الحزب الشيوعي العراقي، تبرع الرفاق والأصدقاء:
- راغب عبد الحمزة العبدلي 100 الف دينار
- عبد السيد الحسيني للمرة الثانية 100 الف دينار
الشكر والتقدير للرفاق والأصدقاء على دعمهم واسنادهم حملة الحزب لبناء مقره المركزي في بغداد.
معاً حتى يكتمل بناء بيت الشيوعيين.. بيت العراقيين.
*********************************************
كركوك تستعد لترميم قلعتها وقشلتها
متابعة – طريق الشعب
تستعد مفتشية الآثار والتراث في كركوك لتنفيذ مشروع شامل لإعمار اثنين من أبرز معالم المدينة التاريخية، هما القلعة ومبنى القشلة، وذلك بهدف حمايتهما من الانهيار والاندثار بعد تقادمهما وتضررهما بفعل عدم صيانتهما خلال العقود الماضية.
وحسب مدير دائرة الآثار في المحافظة، رائد عكلة العبيدي، فإن المشروع حصل على موافقات أصولية من وزارة الثقافة، التي شددت على إحالته إلى شركة اختصاصية تمتلك خبرة رصينة في مجال تأهيل المباني التاريخية.
وأوضح العبيدي في حديث صحفي، أن شركات تركية وعراقية ومصرية، تقدمت بعروضها لتنفيذ المشروع، وانه سيتم اختيار الأنسب من بينها بعد دراسة العروض من قبل اللجنة المشرفة على الإعمار، مشيرا إلى أن مفتشية الآثار والتراث أنجزت الكشوف الخاصة بمبنى القشلة وأرسلتها إلى الوزارة، من أجل تخصيص المبلغ اللازم لتأهيل المبنى واستثماره سياحيا.
أما بالنسبة للقلعة، فقد ذكر العبيدي أن جميع المتطلبات الفنية الخاصة بإعمارها تم إنجازها، وانه تم اختيار نماذج محددة من المواقع داخلها لتكون جزءًا من المشروع، وتشمل الكنيسة والجوامع والمدارس الدينية والبيوتات التراثية، إضافة إلى بوابات القلعة وسورها التاريخي و"القبة الخضراء"، وهي معالم تحتاج إلى صيانة تتراوح نسبتها بين 40 و70 في المائة – وفقا للعبيدي.
واكد انهم سيستخدمون في الترميم مواد بناء ذات خواص تراثية، تحافظ على الهوية المعمارية وتضمن متانة تستمر لعقود أمام تقلبات الزمن والظروف الجوية.
***************************************
بالتعاون مع الحكومة المحلية اتحاد أدباء المثنى يصدر عشرة كتب
متابعة – طريق الشعب
أعلن اتحاد الأدباء والكتاب في المثنى عن قرب صدور أكثر من عشرة كتب أدبية ونقدية لعدد من كتاب المحافظة، ضمن مشروع ثقافي مشترك مع الحكومة المحلية، يهدف إلى دعم طباعة نتاجات الأقلام المحلية المتميزة.
وقال رئيس الاتحاد عزيز الموسوي في حديث صحفي، أن هذه المبادرة تعد الأولى من نوعها في المحافظة من حيث تبني دعم الإصدارات الأدبية المحلية بشكل رسمي، مبينا أن المشروع يمثل ثمرة تعاون وثيق بين الاتحاد والمحافظة لدعم الحركة الثقافية.
وأشار إلى أن المشروع يأتي ضمن خطة ثقافية وضعها الاتحاد بالتنسيق مع الجهات الرسمية، تهدف إلى خلق منصة فاعلة لنشر الإبداع وتعزيز حضور المثقفين داخل المحافظة وخارجها .
وأوضح الموسوي أن هذه الإصدارات أُنجزت بالكامل داخل مدينة السماوة تأليفاً وطباعة، ما يعكس تطور البنية الثقافية والأدبية فيها.
*****************************************
قف.. دموع الحكومة
عبد المنعم الأعسم
ماذا يمكن أن يقال عن كارثة مول الكوت أكثر مما قاله الملائكة وهم يستلمون جثث أطفال بعمر الورد كانوا يأكلون الآيس كريم على كراسي هزازة قبل أن تداهمهم النيران فيلوذون ببعضهم صارخين، تحت هجوم ناري لا أحد يتصور هوله، فلم تتعرف أمهاتهم على وجوههم ولم يميز بينهم دفانو قبورهم، بأن تتأسف وتسجد للضحايا بدموع غزيرة؟ وأي مهجة للمداد تبقى لكي تدلي بشهادة الاحتجاج حيال مذبحة الأجساد المشوية لنساء ورجال وشيوخ كانوا قبل ساعة في عداد الأحياء، غير أن تتأسى على أبرياء تاجر فاسدون ومرتشون بأرواحهم وحق أن يُقتص منهم؟ وما هي عبارات التعاطف المناسبة مع مدينة الكوت التي شيّعت العشرات من أبنائها إلى المقابر، وأرسلت المئات منهم إلى المستشفيات في مهرجان من النحيب الجمعي مما لم تشهده المدينة قبلاً، غير أن تطالب بتشكيل لجنة "تقصي الحقائق" لا في خلفيات حادثة حريق متجر كبير من خمسة طوابق، بل في حاجتنا حقاً إلى حكومة، ومجلس محافظة، وبلدية، مرت المذبحة المروعة عبر أقنيتها وشبكة موظفيها، وتواطئها.
كان يمكن لحبر هذا التعليق أن يذرف الدموع على ضحايا الكوت المنكوبة بأجمل أبنائها، لكن دموع أصحاب الحكومة كانت أسبق..
لقد قتلوه "وجاءوا أباهم عشاء يبكون".
*قالوا:
" لكي تخلق التناغم في المعزوفات الموسيقية يجب أن تدرس النشاز".
بلوتارخ- مؤرخ إغريقي
*****************************************
من كولومبيا إطلاق جائزة فلسطين العالمية للشعر
متابعة – طريق الشعب
أعلن الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين إطلاق جائزة دولية جديدة باسم "جائزة فلسطين العالمية للشعر"، وذلك في حفل ختام مهرجان ميديين الدولي للشعر، الذي أقيم أخيرا في كولومبيا.
وجاءت المبادرة بالتعاون مع إدارة المهرجان و"حركة الشعر" العالمية، والتجمع الدولي لاتحادات الكتّاب. وهي تهدف إلى منح شعراء العالم منصة للتعبير الشعري عن التضامن مع فلسطين، وتجسيد معاناة شعبها.
وأشار الاتحاد إلى أن الجائزة تأتي تكريما للأصوات الشعرية الحرة التي وقفت مع فلسطين وقضيتها، ورفضت جرائم الإبادة بحق الشعب الفلسطيني.
من جانبه، أوضح الأمين العام للاتحاد الشاعر مراد السوداني، في كلمة خلال حفل الختام، أن الجائزة ستتضمن ترجمة العمل الشعري الفائز إلى لغات عالميّة عدة، مع تقديم جائزة مادية قيّمة للفائز.
وبيّن أنه سيتم لاحقا الكشف عن مجلس أمناء الجائزة ومعايير المشاركة والتفاصيل الكاملة المتعلقة بها. كما أشار إلى أن آلية منح الجائزة قد يجري اعتمادها بشكل سنوي. حيث سيتم الإعلان عن الفائزين في ختام مهرجان ميديين سنويا.
ووفقا لتصريحات سابقة للاتحاد، فإنه يجري التخطيط لأن تُمنح الجائزة لشعراء من مناطق جغرافية مختلفة، من الوطن العربي وآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، بما يعكس البعد العالمي للقضية الفلسطينية.
إلى ذلك، أعلن رئيس المهرجان الشاعر الكولومبي فرناندو ريندون، دعمه الكامل للجائزة. كما وجّه في كلمته خلال حفل الختام، نداء إلى شعراء العالم: "ان اتحدوا من أجل فلسطين وانتصروا لها أمام هذا الظلم والاعتداءات التي ليس لها حد. فالشعر هو ضمير العالم، وعلى الشعراء أن تبقى ضمائرهم حيّة تقف مع الحق والعدل والحياة".
جدير بالذكر، أن حفل الختام شهد توقيع 46 شاعرا من مختلف أنحاء العالم على بيان جماعي يُعلن التضامن مع فلسطين ويرفض الإبادة والاقتلاع الثقافي في غزة وكافة الأراضي الفلسطينية.