يشمل التغير المناخي، على المستوى العالمي وفي العراق على حدٍّ سواء، مجموعة معقّدة من الأسباب والتحديات، تقابلها حزمة من الحلول التي تهدف إلى التخفيف من آثاره والتكيّف مع تداعياته المتسارعة، في ظل ما يشهده العالم من ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة واضطراب في الأنظمة البيئية.
الأسباب الرئيسة
تُعزى التغيرات المناخية العالمية بشكل أساسي إلى الأنشطة البشرية التي تسهم في زيادة تركيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، ومن أبرز هذه الأسباب:
1. توليد الطاقة: يعتمد العالم بصورة واسعة على حرق الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز، لإنتاج الكهرباء والحرارة، وهو ما يؤدي إلى إطلاق كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروز.
2. الصناعة والإنتاج: تنجم انبعاثات كبيرة عن حرق الوقود الأحفوري في الصناعات الثقيلة، كإنتاج الإسمنت والحديد والصلب والبلاستيك، فضلاً عن عمليات التعدين والبناء.
3. إزالة الغابات (التحطيب): يؤدي تطهير الأراضي وقطع الغابات إلى تحرير كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون المخزّن في الأشجار، كما أن فقدان الغطاء النباتي يقلل من قدرة الطبيعة على امتصاص الكربون مستقبلاً.
4. الأنشطة الزراعية: تسهم الزراعة، ولا سيما تربية الماشية التي تُعدّ مصدراً رئيساً لغاز الميثان، إضافة إلى استخدام الأسمدة الاصطناعية، في زيادة انبعاث الغازات الدفيئة.
الحلول
تتركز الحلول العالمية على مسارين أساسيين، هما التخفيف من الانبعاثات والتكيّف مع الآثار المتوقعة، ومن أبرزها:
1. التحول إلى الطاقة النظيفة: الانتقال التدريجي من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
2. رفع كفاءة الطاقة: تحسين عزل المباني وتطوير أنظمة التدفئة والتبريد للحد من استهلاك الطاقة.
3. النقل المستدام: دعم وسائل النقل الصديقة للبيئة، والتوسع في استخدام السيارات الكهربائية ووسائل النقل العام.
4. حماية الطبيعة واستعادتها: زراعة الأشجار وحماية الغابات القائمة لتعزيز قدرتها على امتصاص الكربون.
5. تغيير النظم الغذائية: تشجيع أنماط غذائية تقلل من البصمة الكربونية المرتبطة بإنتاج الغذاء.
6. الخفض الكبير لانبعاثات غاز الميثان وأكاسيد النيتروز لما لها من تأثير قوي وسريع في الاحترار العالمي.
التغيرات المناخية في العراق
يُعدّ العراق خامس أكثر البلدان هشاشة في العالم أمام آثار التغير المناخي، إذ تتداخل التأثيرات العالمية مع عوامل داخلية وإقليمية تزيد من حدّة الأزمة.
وتُضاف إلى الأسباب العالمية مجموعة من التحديات المحلية، من أبرزها:
1. ارتفاع الانبعاثات: تُعدّ انبعاثات الغازات الدفيئة للفرد في العراق أعلى من المتوسط العالمي، ولا سيما انبعاثات غاز الميثان الناتجة عن حرق الغاز المصاحب في عمليات استخراج النفط، حيث يُصنّف العراق ثاني أكبر مصدر لحرق الغاز المصاحب في العالم.
2. ندرة المياه الإقليمية: تراجع تدفقات نهري دجلة والفرات نتيجة تغيّر أنماط الأمطار، وارتفاع معدلات التبخر بسبب زيادة درجات الحرارة، إضافة إلى السدود المقامة في دول المنبع.
3. التصحر وتدهور الأراضي: أسهمت موجات الجفاف المتكررة، وندرة المياه، وسوء إدارة الموارد الطبيعية، في اتساع رقعة الأراضي المتصحّرة وتدهور التربة، ما أدى إلى زيادة تواتر وشدّة العواصف الترابية والرملية.
4. ضعف البنية التحتية وسوء الإدارة: أدى غياب الأولويات البيئية وضعف إدارة الموارد المائية إلى تفاقم آثار التغير المناخي وتعميق أزماته.
وتتطلب مواجهة هذه التحديات اعتماد استراتيجية مزدوجة تجمع بين التخفيف من الانبعاثات والتكيّف مع الواقع المناخي الجديد، ومن أبرز هذه الحلول:
1. معالجة حرق الغاز: إنهاء حرق الغاز المصاحب بحلول عام 2027، وفقاً لتعهدات الحكومة، واستثمار هذا الغاز في توليد الطاقة وتقليل انبعاثات الميثان.
2. إدارة الموارد المائية: بناء سدود ومشاريع لحصاد مياه الأمطار ومعالجة المياه، واعتماد أساليب الري الحديثة والمقتصدة للمياه بدلاً من الري بالغمر.
فضلا عن تنقية ومعالجة المياه المالحة ومياه البزل، إجراء مفاوضات فعالة مع دول المنبع لضمان حصة مائية عادلة للعراق.
والتوسع في الطاقة المتجددة ووضع خطط استراتيجية لتغطية جزء كبير من الطلب على الكهرباء من خلال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إضافة الى مكافحة التصحر من خلال تنفيذ مشاريع واسعة لزراعة الأحزمة الخضراء والتشجير، ولا سيما حول المدن، بهدف تثبيت التربة والحد من العواصف الترابية.
وأيضا الاتجاه نحو الزراعة الذكية مناخياً عبر الترويج لزراعة المحاصيل المقاومة للجفاف والملوحة، وتطوير ممارسات زراعية مستدامة تتلاءم مع التغيرات المناخية.
ـــــــــــــــــــــــــ
*مهندس زراعي استشاري