العربي الجديد
تتصاعد في العراق حالات الملاحقة والترهيب ضد مَن يعبرون عن آرائهم على منصات التواصل الاجتماعي، سواء كانوا صحافيين أو مواطنين "عاديين"، في وقت تشهد البلاد تصاعداً لقوة الأحزاب والفصائل المسلحة التي تراقب الفضاء العام، خاصة على منصة فيسبوك. اشتدت هذه الممارسات في السنوات الأخيرة، خاصة بعد انتهاء الاحتجاجات الشعبية في أكتوبر/تشرين الأول 2019، إذ سجلت مدن مثل بغداد والبصرة والأنبار حالات تهديد واعتداء على أشخاص كتبوا تعليقات سياسية أو انتقدوا سلوك بعض القوى الحاكمة. وفي كثير من الحالات، يجبر الضحايا على تقديم اعتذارات مصورة، في ما يشبه "محاكمات عرفية" خارج القانون، وهو ما يمثل انتهاكاً واضحاً لحرية التعبير والرأي، ويظهر محاولات مستمرة لتكريس سلطة الأحزاب عبر السيطرة على الإعلام ومنصات التواصل.
وحاولت بعض الأحزاب المتنفذة تمرير مشروع قانون يُنظّم حرية التعبير والتظاهر، إلا أن اعتراضات الصحافيين والناشطين ومنظمات المجتمع المدني حالت دون إقراره، ما أجبر البرلمان على التريث.
ورغم الترهيب والتهديد، لا يتراجع كثير من العراقيين عن التعبير عن آرائهم بشأن الواقع السياسي والاجتماعي، منتقدين القادة والأحزاب المتنفذة. وظهرت بقوة أسماء مستعارة على منصات التواصل، تتيح لأصحابها الكتابة من دون خوف من العقاب المباشر. وفي هذا السياق، أكد رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي، أرشد الصالحي، أن "أساليب قمع الآراء والأصوات الحرة والوطنية والمنتقدة للإخفاقات الحكومية أو السياسية ليست حلاً. الحل باستثمار هذه الأصوات لتصحيح المسار". وأضاف الصالحي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن مراقبة بعض الجهات للفضاء العام واستخدام تهم جاهزة مثل دعم الإرهاب أو الإخلال بالنظام "يمثل قمة القمع الفكري والسياسي، وهو أمر مرفوض"، مشيراً إلى أن حرية التعبير مكفولة بالدستور شرط ألا تحتوي على إساءة شخصية أو سب وشتم.
وكشف تحالف الدفاع عن حرية التعبير، في مؤتمر أقيم الأربعاء الماضي في العاصمة بغداد، عن تصاعد مقلق في حالات ملاحقة الناشطين والصحافيين خلال الأشهر الثلاثة الماضية، داعياً إلى إعادة النظر في استخدام القوانين القديمة المعمول بها، واعتماد مقاربات قانونية حديثة تتماشى مع الدستور وتضمن عدم تقييد الرأي والنقد السلمي. وأشار الناشط المدني أيهم رشاد، لـ"العربي الجديد"، إلى أن بعض الجهات السياسية والمسلحة والتيارات الدينية تتعامل مع العراقيين "بطريقة أبوية قاسية، وتظن أن من حقها محاسبة أي فرد يكتب رأيه على مواقع التواصل أو في الصحافة"، لافتاً إلى استخدام التهديد الشخصي والجسدي لمعارضيها، وتبرير مراقبة الرأي العام بالخشية من عودة حزب البعث رغم عدم وجود مؤشرات حقيقية لذلك.
عام 2023، كشف مرصد أيكونوميست إنتلجنس البريطاني عن تراجع العراق أربع مراتب في مؤشر الديمقراطية، ليحتل المرتبة 128 من أصل 165 دولة، وهو أدنى مستوى منذ الاحتلال الأميركي عام 2003، ما يعكس وضعاً "استبدادياً" يحد من حرية التعبير.