من إخراج Guillermo del Toro ، تعرض، ابتداءࣧ من 23 أكتوبر 2025، على شاشات السينما نسخة جديدة من الرواية الموسومة "فرانكشتاين"، للكاتبة الإنجليزية ماري شيلي Mary Shelley(1797- 1851).
يبدو أن هذه الرواية، التي تعد أول رواية خيال علمي في العالم، بعيدة النظر؛ فالمنتجات البشرية والتكنولوجيا ليست دائما في خدمة الإنسان.
ففي صيف عام 1816، كان الطقس سيئا. ومكان العمل هو الفيلا السويسرية ديوداتي للورد بايرون. هذا الأخير دعا ضيوفه لإقامة منافسة من أجل كتابة أفضل قصة رعب أو ما شابه. يبدأ الضيوف بالعمل على الفور، باستثناء ماري شيلي، التي لم يكن لديها أي إلهام. فبعد تفكيرها لأيام، حلِمت شيلي بأن عالِمًا خلق كائنا حيًّا، أي شخصية عملاقة مثيرة للاشمئزاز، ثم ارتعب من تبعات ابتكاره. تطور هذا الحلم ليصبح في وقت لاحق قصة روايتها، قصة رعب؛ "فرانكشتاين" التي اصبحت الأكثر شهرة على الإطلاق. نشرتها يوم 1 يناير 1818، وهي تبلغ من العمر العشرين ربيعا.
ومع ذلك ، فإن هذه الرواية هي أكثر بكثير من مجرد قصة رعب. إنها أيضا انعكاس مقنع للعلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا، حيث اعتمدت شيلي على العديد من المصادر الفلسفية. كانت تدرك ذلك جيدا بفضل خلفيتها الثقافية والبيئة التي ترعرعت فيها. كان والدها الفيلسوف ويليام جودوين ليبرتاريا، كما أنه كان ينظر إلى العلم على أنه القوة التي جلبت التقدم والخلاص. أما والدة شيلي فهي ماري ولستونكرافت، التي قدمت ترجمة نَسَوية لمُثل الثورة الفرنسية في كتابها الموسوم "الدفاع عن حقوق المرأة "(1792). وبهذا، فماري الشابة تلقت الفلسفة منذ نعومة أظافرها- وخاصة فلسفة التنوير الأكثر راديكالية.
التقدم العلمي
إن هذا الإرث الفكري لشيلي تم الكشف عنه في العنوان الفرعي لكتابها. ففي كثير من الأحيان، كان يتم حذفه. وهذا ليس انتهاكا للقاعدة القائلة بأن النصوص يتم تسليمها كما أراد المؤلف، بل قد يؤثر، هذا العنوان الفرعي، في طريقة تأويل الشخصية الرئيسة، فكتور فرانكشتاين. كانت رؤية شيلي لبطل الرواية مجسدة في العنوان الفرعي: "العالم الشاب فيكتور فرانكشتاين، بروميثيوس العصرالحديث". وهذا التوصيف يعود إلى إيمانويل كانط، الذي كان يعني به الأمريكي بنجامين فرانكلين (1705- 1790)، الذي، بالإضافة إلى كونه أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، كان عالما طبيعيا، ناشرا ومخترعا.
اشتهر المشهد الذي أطلق فيه فرانكلين طائرة ورقية متصلة بجرة لَيْدن خلال عاصفة رعدية عنيفة. وتعود تسمية جرة ليدن إلى جامعة لايْدن الهولندية العريقة، التي استخدمتها لأول مرة (1745) وذلك للقيام بتجارب على الكهرباء. وبهذه التجربة، كان هدف فرانكلين إثبات أن البرق مشحون كهربائيًا. لقد حاكى ما كان في السابق وحده بروميثيوس الأسطوري قادرًا على تحقيقه؛ جلب النار من السماء إلى الأرض. وبهذا، استطاعت البشرية التحكم في مصيرها.
بروميثيوس ألهم، أيضا، فرانكشتاين، الذي يقضي الليالي في مختبره، لخلق مخلوق يشبهه - بل ويتخيل نوعا جديدا. جاءت هذه الخطة الجريئة أثناء دراسته في جامعة إنغولشتات في بافاريا. يقدم له أساتذته مزيجا من النصوص الفلسفية والعلمية. هذه هي الطريقة التي يتواصل بها فرانكشتاين مع "الفلاسفة الطبيعيين"، الذين، وفقا لمعلمه، اكتسبوا قوة جديدة غير محدودة تقريبا؛ يرتفعون إلى السماء، ويمكنهم محاكاة الزلازل وما إلى ذلك.
كانت الفلسفة الطبيعية بمثابة مقدمة لما نسميه الآن العلوم، والتي استخدمت التجارب لفهم طبيعة الطبيعة. اليوم، تُعتبر الفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء تخصصات منفصلة، ولكن في ذلك الوقت، كانت دراسة الطبيعة لا تزال حكرًا على علماء الطبيعة البشرية homines universales (الكونيون)، أمثال فرانسيس بيكون وروبرت بويل. ورغم تأثير هؤلاء العلماء، لم تُصبح رواية فرانكشتاين حجةً مُشجعةً حول التأثير المفيد للعلم؛ وهو ما يجعل شيلي تنأى بنفسها عن والدها، الذي يتبنى موقفاً أكثر تعصباً في هذا الشأن.
سحر
بالإضافة إلى الفلاسفة الطبيعيين، يقرأ فيكتور فرانكشتاين، في أيام دراسته، أيضا فلاسفة من أواخر العصور الوسطى وأوائل عصر النهضة، مثل ألبرت ماغنوس وكورنيليوس أغريبا وباراسيلسوس. شارك ماغنوس في الكيمياء والسحر وعلم التنجيم. كان أغريبا مؤلفا لكتاب عن السحر والتنجيم في الفلسفة. لم يكن باراسيلسوس مخترع الأبجدية لوصف التعويذات فحسب، بل كان طبيبا وادعى أنه من الممكن خلق حياة بشرية وأعطى تعليمات لها.
يقبل فرانكنشتاين تحدي باراسيلسوس. ولهذا الغرض، يجمع عظامًا من مقابر الموتى ومواد أخرى من غرفة التشريح والمسلخ. ففي فقرات تُعدّ من أكثر الروايات القوطية تأثيرًا، تصف شيلي كيف ينغمس بطلها ببطء ولكن بثبات في مشروعه. بالكاد ينام، ويُصاب بالحمى، ويعاني من توتر مرضي. مع أن فرانكنشتاين كان يحلم بتحسين البشرية، إلا أنه في الواقع خلق "شيئًا لم يكن ليتخيله". خلق وحش – "الوحش".
نظرا لأن فصول وسط الرواية مكتوبة من منظور الوحش، نعلم أنه، في بدايته، مخلوق جيد، وذو مشاعر وإحساس. ولكن بمجرد أن يحاول التواصل مع الناس، فإنه يصطدم بجدار من الاشمئزاز بسبب مظهره. إثر ذلك، أصيب بخيبة أمل، ثم غضب لاحقا وانتقم من فرانكشتاين بقتل أحبائه. هكذا، يشرح انحطاطه الأخلاقي: "كنت خيِّرا وصالحا، لقد جعل البؤس مني شيطانا".
يبدو أن شيلي قرأت كتاب جان جاك روسو "إيميل" (1762)، في نفس العام، الذي فُرضت رؤية فرانكشتاين عليها؛ فنعلم أن الوحش كان يومًا ما متوحشًا نبيلًا، لكن المجتمع أفسده. ولكي يغير سلوكه، طلب من خالقه أن يخلق له شريكة. وإلا، فسيستمر في القتل. يرفض فرانكشتاين خلق شريكة له، فينفجر الوحش غضبًا ويذكِّره بديناميكيات السلطة. "أنت خالقي، وأنا سيدك؛ أطِعني!"
اعتبرت رواية "فرانكشتاين" انعكاسًا للمخاوف الثقافية والعلمية في ذلك الوقت، حيث أثارت الثورة الصناعية والتقدم العلمي تساؤلات حول الحدود الأخلاقية للاستكشاف العلمي. ولا تزال الرواية ذات صلة اليوم، مما أثار نقاشات حول عواقب الطموح الجامح والرفض المجتمعي "للآخر".
كما أن التعديلات المهمة لرواية فرانكشتاين تشمل العديد من النسخ السينمائية، منها النسخة الشهيرة لعام 1931 التي أخرجها جيمس ويل، والتي جسد فيها بوريس كارلوف دورَ الوحش، بالإضافة إلى تفسيرات حديثة مختلفة في الأدب والسينما ووسائل الإعلام الأخرى التي تواصل استكشاف موضوعات شيلي في سياقات جديدة.
تبقى رواية "فرانكشتاين" عملا أدبيا يستحق التقييم بناءً على مزاياه. هذا لا يغير من حقيقة أن شيلي، عشية الثورة الصناعية، رأت سمة جوهرية في التكنولوجيا، التي كرّس لها ثيودور أدورنو وماكس هوركهايمر أعمالهما الرئيسية النقدية، بعد أكثر من قرن.