اخر الاخبار

شكّلت المحميات الطبيعية والأحزمة الخضراء في العراق على مدى عقود أحد أهم العوامل في توفير بيئة صحية وإنسانية للمواطن، لما لها من دور كبير في إيقاف موجات التصحر، والحد من العواصف الترابية، وإعادة التوازن البيئي للمناطق الصحراوية المحاذية للمدن.

وقد بذلت وزارة الزراعة العراقية جهوداً مضنية عبر سنوات طويلة لزيادة المساحات الخضراء وإحياء الحياة الطبيعية في البوادي العراقية، لاسيما في المحافظات القريبة من الصحراء مثل الأنبار وكربلاء والنجف والسماوة والناصرية والعمارة والبصرة. فهذه الأحزمة الخضراء والمحميات الطبيعية لا توفر فقط بيئة صالحة للعيش وصحة الإنسان، بل تشكل أيضاً متنفساً سياحياً للمواطنين، ومحطات بحثية وإرشادية للمختصين والمزارعين القاطنين في البوادي.

كما ساهمت هذه المحميات في إعادة تربية الحيوانات البرية مثل الغزلان والماعز والأغنام ذات المواصفات الخاصة في إنتاج اللحم والصوف وكثرة التوائم في الولادات، مما يمثل ثروة وطنية مضافة ودعماً مباشراً للأمن الغذائي في البلاد.

وفي عام 2009 شرعت وزارة الزراعة بتنفيذ مشروع واعد ضمن الخطة الاستثمارية، تمثل بإنشاء سلسلة من المحميات الطبيعية في البوادي العراقية، بالتوازي مع إنشاء أحزمة خضراء تمتد بمحاذاة العديد من المحافظات. وقد جرى توفير أنواع نادرة ومهمة من الحيوانات البرية، منها غزال الريم العراقي المعروف برشاقته وجماله، والذي كان متوفراً بأعداد كبيرة في محمية المساد في الأنبار، إضافة إلى طائر النعام، والإبل الأبيض، والخيول العربية الأصيلة، والأغنام العواسي العراقية ذات الولادات المتعددة والصوف الناعم، فضلاً عن أنواع عديدة من الطيور المحلية والمهاجرة.

غير أنّ تعطّل الموازنة العامة لعام 2014 بذريعة الحرب ضد تنظيم داعش أدى إلى توقف الدعم المخصص لهذه المحميات، بل وصل الأمر إلى عرض بعضها للاستثمار، وتناقصت أعداد الحيوانات فيها بشكل ملحوظ، مع إهمال واضح واعتبارها مشاريع كمالية لا ضرورة لها.

ومؤخراً كشف النائب أمير المعموري عن تخصيص مبلغ (66) مليار دينار لشراء أعلاف مخصّصة للمحميات، ومنها محمية المساد المتخصصة بتربية الغزلان. إلا أنه – وخلال زيارته للمحمية – لم يعثر على أي غزال، ما يطرح تساؤلات خطيرة: أين ذهبت الغزلان؟ وأين اختفت الحيوانات في محميات وزارة الزراعة كافة؟ وأين ذهبت الأموال المخصصة لها؟

إن هذه الأسئلة تستدعي وقفة جادة ومسؤولة من الجهات الرقابية ووزارة الزراعة وهيئاتها المختصة، ولأهمية الموضوع الذي أثاره السيد النائب، فإن المطلوب هو تشكيل لجنة متخصصة تتولى دراسة واقعها وتحديد احتياجاتها باعتبارها ثروة وطنية يجب الحفاظ عليها. ويأتي ذلك بالتوازي مع ضرورة محاسبة المسؤولين عن ضياع المبالغ المخصصة لها، وإعادة النظر في آليات إدارتها من خلال تعيين كوادر كفوءة ونزيهة قادرة على النهوض بمهامها. كما يستلزم الأمر تسهيل حركة الموظفين العاملين في هذه المحميات وتوفير آليات النقل المناسبة نظراً لبعد مواقعها، إلى جانب صرف مخصصات الخطورة لهم. ولا بد أيضاً من تجهيز مختبرات المحميات بالمعدات والمستلزمات الضرورية لضمان استمرار البحوث العلمية، مع تخصيص موازنات مالية ثابتة وقابلة للنمو تتوافق مع متطلبات تطوير هذه المحميات والحفاظ عليها كثروة وطنية ذات أهمية بيئية واقتصادية.

ــــــــــــــــــــــــــــ

* مهندس زراعي استشاري