أثارت حملة الاعتقالات ضد الناشطين وتصريحات سابقة لقائد شرطة محافظة ذي قار الجديد اللواء نجاح العابدي، موجة غضب واسعة، وخرجت على اثرها تظاهرات كبيرة في ساحة الحبوبي يومي الجمعة والسبت، تطورت إلى مناوشات بين المتظاهرين وقوات الأمن، أدت إلى إصابات من كلا الجانبين.
وعلى أثر تلك الاشتباكات، انسحب المحتجون من ساحة الحبوبي إلى منطقة جسر النبي إبراهيم، للحفاظ على سلمية الحراك الاحتجاجي.
يقول مراسل "طريق الشعب" في الناصرية، ان "حالة من الهلع أصابت المواطنين المتواجدين في محيط الساحة بسبب كثافة الإطلاقات النارية وقنابل الدخان التي أطلقتها قوات الأمن في أثناء تفريق المتظاهرين".
ويضيف، ان تلك القوات منعت وسائل الإعلام من تغطية الأحداث، وحجبت كاميرات التصوير، مشيرا إلى أن القوات الأمنية فرضت سيطرتها على ساحة الحبوبي، وتحول الاحتجاج إلى داخل مناطق المدينة الأخرى، حتى ساعة كتابة هذا التقرير.
وأمهل المحتجون الحكومة 48 ساعة للإفراج عن المعتقلين وإقالة قائد الشرطة، مهددين بنصب خيام الاعتصام في ساحة الحبوبي في حال عدم تلبية مطالبهم.
أحداث الجمعة
وشهدت مدينة الناصرية تصاعداً كبيراً في التوتر بين المتظاهرين والقوات الأمنية على خلفية اعتقال عدد من الناشطين المحليين، حيث توافد المتظاهرون بأعداد كبيرة الى ساحة الحبوبي، وسط المدينة، للاحتجاج على الاعتقالات التي طالت شخصيات بارزة في الحراك الشعبي الاحتجاجي المستمر منذ 2019، مطالبين بالإفراج الفوري عن المعتقلين وإيقاف حملات القمع ضد الأصوات المناهضة للفساد وسوء الإدارة.
واندلعت اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين وبين القوات الأمنية التي استخدمت الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي في محاولة لتفريق الحشود، فيما رد المتظاهرون بإشعال الإطارات وقطع الطرق الرئيسية في المدينة، ما أدى إلى شل الحركة فيها. وأسفرت المواجهات عن إصابات خاصة بين المتظاهرين، بعضها ناتج عن الاختناق بالغاز المسيل للدموع وأخرى نتيجة إصابات مباشرة بمقذوفات الدخانيات. كما أدت المواجهات إلى إصابة عدد من القوات الأمنية بحسب قيادة الشرطة.ويأتي هذا التصعيد في وقت حساس، حيث تعاني محافظة ذي قار من أزمات خدمية وسياسية خانقة، ما زاد من حدة السخط الشعبي على أداء الحكومة المحلية والاتحادية، وزادت التوترات بعد تصريحات قائد الشرطة الجديد الذي وصف المتظاهرين بالمخربين، ما أثار غضباً واسعاً. وردّ المتظاهرون برفع شعارات تطالب بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين ومحاسبة الفاسدين، وأيضاً طالبوا بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة للنظر في القضايا المرفوعة ضد المحتجين.
موقف الشيوعي العراقي
وعشية انطلاق التظاهرات في مدينة الناصرية، أكد الرفيق حسين علي عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، على ضرورة حماية التظاهرات السلمية من أية تدخلات أمنية قد تشعل الأوضاع، كما شدد على أهمية أن تبقى الاحتجاجات في إطارها السلمي بعيدًا عن العنف.
ودعا علي في تصريح لـ"طريق الشعب"، الى وقف حملة الاعتقالات التي قد تكون موجهة لتصفية الحسابات السياسية داخل المحافظة، مطالبا بعدم استهداف الأصوات الحرة التي تطالب بحقوق المحافظة، مؤكدا "أهمية أن تكون الإجراءات الأمنية محايدة وغير موجهة لكبت التظاهرات أو إنهائها".
وطالب السلطات الأمنية والحكومة المحلية في ذي قار بعدم استفزاز المحتجين من خلال تصريحات غير محسوبة، ولا مناسبة، معربا عن خشيته من العنف المتصاعد الذي تغذيه إجراءات قوات الأمن المكلفة بحماية المتظاهرين، وليس قمعهم.
وطالب عضو اللجنة المركزية بتركيز الجهود على مكافحة الفساد والسلاح المنفلت والمخدرات، وملاحقة المجرمين الحقيقيين وتقديمهم إلى العدالة، فيما رفض مساواة المحتجين السلميين مع المجرمين.
وواصل حديثه بأن "الاحتجاجات حق مشروع للتعبير عن المطالب التي تخص المحافظة".
الشبيبة الديمقراطي: نطالب بوقف الحملة ضد الناشطين والافراج عن المعتقلين
وأصدر اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي بيانا قال فيه: إن "استهداف الناشطين بهذه الطريقة يعد انتهاكًا واضحًا وصريحًا للحريات العامة ولحق التظاهر السلمي الذي كفله الدستو"، معتبرا التهم الموجهة ضد الناشطين "كيدية"، وتهدف الى إسكات أصوات المطالبين بحقوقهم المشروعة.
وشدد البيان الذي حصلت "طريق الشعب" على نسخة منه، على ضرورة ان تتركز جهود القوات الامنية على ملاحقة من تلطخت أيديهم بدماء الشهداء وترهيب واختطاف الناشطين الشرفاء، داعيا الى "تطبيق القانون واحترامه، وليس تحويله الى أداة لاستهداف من طالبوا بحقوقهم المشروعة.
وطالب الاتحاد في بيانه بـ"وقف هذه الحملة التعسفية والافراج عن جميع المعتقلين وفتح حوار جاد مع الشباب من أجل تحقيق المطالب التي خرجوا من أجلها في سبيل بناء عراق أفضل".
مبادرة لحل الازمة
وقال عضو مجلس المحافظة احمد الخفاجي، ان "المجلس اطلق مبادرة لحل الازمة في جلسة تشاورية حضرها النائبان عن المحافظة في البرلمان علاء الركابي وغزوان الغزي".
وتنص المبادرة، بحسب الخفاجي على "تحويل الدعاوى بحق المتظاهرين من قيادة العمليات الى مراكز الشرطة، وان يجري تسليم كل المطلوبين الى تلك المراكز، وان تتخذ بحقهم الاجراءات القانونية العادلة، وإطلاق سراح من تقبل دعوته الكفالة، مع الابقاء على الحق الشخصي في تلك القضايا، تحت نظر القضاء للبت بها".
وأوضح الخفاجي أن "الكرة الآن أصبحت في ملعب المحافظ وقيادة الشرطة لعبور الأزمة في المحافظة".
وحمّل النائب غزوان الغزي الحكومة المحلية مسؤولية تصاعد الأحداث، مطالباً رئيس الوزراء بالتدخل الفوري.
توضيح من الداخلية
وعقدت وزارة الداخلية، امس، مؤتمراً صحفياً في قيادة شرطة ذي قار، حضره الناطق الرسمي لوزارة الداخلية وقائد شرطة ذي قار ونائب رئيس مجلس ذي قار ورئيس اللجنة الأمنية في مجلس المحافظة، لمناقشة الأحداث الأخيرة في الناصرية.
وشدد الناطق باسم الوزارة مقداد ميري على أن جميع المعتقلين تم القبض عليهم لأسباب جنائية، ولا علاقة لها بالتظاهر، الذي يعتبر حقاً دستورياً مكفولاً.
محاولة لإسكات الأصوات الحرة
بدوره، قال الناشط سجاد ستار في حديث لـ"طريق الشعب"، ان "اعتقال الناشطين هو محاولة لإسكات صوت المطالبة بالحقوق، لكننا سنواصل النضال رغم الضغوط".
فيما حذر الناشط الحقوقي علي حسين من أن "هذه الحملة قد تكون جزءًا من استراتيجية أوسع للسيطرة على الحراك الشعبي"، منبها الى أن "اعتقال الناشطين قد يزيد من تعقيد المشهد السياسي والأمني في المحافظة".