اخر الاخبار

يضعنا صموئيل بيكيت دائما من خلال مسرحياته أو رواياته، على حافة الهاوية، بل بمجموعها هي موضوع مترابط وتشكل طقوس جحيمية للقيامة، وبالرغم من هذا فإن شخوصه تنتظر الأمل بلا جدوى وهي في هذه القيامة التي تأخذ شكل الغرفة أو الطريق الزراعي أو ساحل البحر أو القمامة أو داخل برميل  أو جرة فارغة ...الخ، إلا أنه يعتبر مكانا لا نهائيا ولا محدودا  بالرغم من أنه مكان لا يسمح بخروج هذه الشخصيات المعذبة، إذ ليس هنالك خروج أو دخول، وإن حدث هذا فهو في فترة زمنية قليلة جداً، إذ لابد لهذه الشخصيات بالعودة من جديد لتستقر في مكانها الأبدي وبعذاباتها الجحيمية.

ويحدثنا جيمس روبنسون في دراسته عن مسرحية يوم القيامة في "كتاب الفضاء المسرحي" بأن سمات مسرح القيامة البيكيتي يتميز بأن:

- أسطورة اللانهاية أخذت مكان الأسطورة التقليدية في السير إلى الطريق نحو الخلود.

- إن المسرحيات التي كتبها بيكيت في البداية وحتى آخرها تمثل تجربة متطورة في الطريق إلى يوم القيامة.

لقد أكد صموئيل بيكيت من خلال مسرحياته، نظرية بصرية لكتابة النص المسرحي، فهو يكتب نصا بصريا يبحث من خلاله في الوجود المطلق للأشياء، ووضع الإنسان المتورط بوجوده في دائرة العدم، ومن هنا ينشأ جحيم العلاقة بينه والآخر، وعدم فهم العالم والأشياء المحيطة، وما رواياته أيضا إلا نصوص درامية بصرية عن الوجود والعدم في الزمن الصفر.

ومن الممكن ان نكتشف بأن هنالك علاقة وشيجة بين شخصيات روايات كافكا وشخصيات بيكيت. فاذا كانت شخصيات كافكا تضطر للاستيقاظ في داخل كابوسها من أجل ممارسة حياتها التي تعتبرها طبيعية وهي في ذات الوقت كابوسية وغير معقولة، فإن شخصيات بيكيت مهووسة بكوابيسها الواقعية فهي لا تستيقظ في الكابوس، بل أنها تمارس وجودها الحقيقي فيه أي في (الوجود ـ الكابوس). وأنها لا تندهش لهذا الوجود بل هي منسجمة معه حد التماهي، فقط تسأل أحيانا ولا تنتظر جوابا (أين أنا ... وماذا سأفعل هنا؟) لأن المكان يشكل حالة من القلق واللاإستقرار.

لهذا فإنها دائما تبحث عن مكان آخر وهي ثابتة في مكانها ولا تغيره، إذ أن المكان هذا ليس مفهوماً جغرافياً وإنما له علاقة بانهيار الذاكرة وتركيزها على الماضي، وهنا فإن الماضي بالنسبة لها هو الكابوس الحقيقي، وهي تنتظره دائما كذكرى كابوسية لابد منها، لهذا فإن الماضي يختلط في الحاضر أي اختلاط الواقع بالكابوس، واختلاط الواقع بالواقع المفترض، والحقيقة بنصف الحقيقة الجهنمية. إنها شخصيات تتذكر الله أو المنقذ أو المجهول الذي يودون لقاءه.

ولكن بالرغم من هذا فإنها قلقة دائما لهذا فإنها تنتقل من كابوس ـ ماضٍ إلى آخر وهذا الإحساس بالفراغ أو العدم مثلا يدفعهم إلى الانتقال من كابوس الانتظار (في جودو) إلى كابوس الثرثرة والوجود الكسل أو غير المجدي في نص "الأيام السعيدة".

إنها لا تستطيع العيش في الحاضر ولا في الماضي، فتبدو وكأنها شخصيات معلقة بين حدود هذين الزمنين. لهذا تضطر هذه الشخصيات أحيانا ان تستمع إلى ماضيها لأنها لا تستطيع العيش فيه كحقيقة كما في مسرحية "شريط كراب الأخير"، وهي تعدينا دائما لتدخلنا في كوابيسها.  وبالرغم من هذا فأنها تفضل العيش أيضا في واقعها الكابوسي الخاص الذي يحيلنا إلى الحاضر.