اخر الاخبار

منذ خمس سنوات متتالية يواصل معرض الخزف العراقي التخصصي الشامل عروضه تحت عنوان (حكايا الطين) ضمن فعاليات جمعية التشكيليين العراقيين السنوية، ونزوعها نحو معارض تخصصية للأجناس التشكيلية المنضوية تحت هذه الخيمة الإبداعية، بدلاً من معرض سنوي يشتمل على الأجناس كلها. ولهذا تتنوع القراءات وتنشطر بإتساع الرؤية والمرامي التأويلية لهذا الخطاب بما يتصل بإتساع دائرة (الخزف)، بوصفه جنساً موازياً للأجناس الأُخرى وإزدياد عدد المشاركين الذي تجاوز هذه المرة (الأربعين) خزافاً من جميع أنحاء الوطن بأعمال تصل الى (الستين)، فضلاً عن أهمية المعروضات وتكريسها على صعيد التجارب الإبداعية (الخزفيات)، أو صانعي الخطاب الجمالي أنفسهم وعملهم ضمن الإطار الإبداعي العربي والعالمي في ضوء المشاركات المستمرة ومختبرات الخزف وفعالياته التي أقاموها في (تونس، والكويت، والصين، وتركيا، وصربيا) وغيرها من المدن الحاضنة لمثابات الجمال.

وتتباين المشاركات في المعرض الجماعي، بين راسخة على صعيد إسم الفنان ومنجزه العياني، وبين دماء جديدة تتطلع لأن تنقش أسماءها ضمن هذا المشهد، إذ أن لكل منهم تقنياته وإشتغالاته، فضلاً عن الإحتفاء بتجربة الخزاف الراحل (طه حنش) جزءاً من الإستذكار والتأبين في الوقت نفسه، حيث يفتقده المعرض لأول مرة، وتم حجز موقع خاص به بداية المعرض. أما التجارب الأُخرى فتفاوتت بين رسوخ الأسم وأهمية التجربة وبين التطلعات للجديد الإبداعي المفارق. فتجلت تجارب (شنيار عبدالله، وماهر السامرائي، وقاسم حمزة) جزءاً من الطليعية التي تلحق بالريادة الخزفية، نزع كل منهم الى إشتغالات حداثية بعد أن وضع أساساته المتينة خلال سنوات الفعل الإبداعي المنصرمة والإطمئنان على صواب خطوات الطريق الذي سلكه. فكانت تجربة (شنيار عبدالله) تتصف بإضاءة محاولاته الجديدة التي إقترنت شكلاً بالشعب المرجانية وبتقنيات خزف الراكو على صعيد التمثل التقني، محاولاً تطوير ذلك داخلياً بفعل تحولات البنية الداخلية التي صورها في هذا المعرض، وكأنها تجربة جديدة في ظل التطور الداخلي للبنية نفسها، مجرياً تحديثاته على سطح اللوح الخزفي المعروض مع بقاءه على اللون (الأوكر) الذي يماثل في عنوانه الدلالي السطح المعماري في إشارة الى ذلك التكامل.

وعلى النحو ذاته المتصل ببنية التحديث الداخلي سار (ماهر السامرائي) على الطريق المؤدي الى الإبداع بإستثمار صيغه القديمة القائمة على الصحون، مجرياً عليها تحويراته الداخلية بمزاوجة الكتابات الكوفية والمصحفية القديمة مع أشكال لأسماك مغرّبة الشكل والحزوز الظاهرة على جسدها، معتمداً على الصبغة الذهبية والقيم اللونية الأُخرى في معالجاته. وبفعل التجديد والخروج على نمط التصيرات الخزفية التي إعتمدها سابقاً حاول كسر أُفق التوقعات بنهجه الجديد القائم على الماكنة التي كسر فيها سياقات الشكل واللون، حين إعتمد على اللون الأزرق الغامق مع الذهبي وتشييدات معمارية قائمة على التعارض بين (المحدب والمقعر) في شكله الخارجي، وتعد بنية زخرفية جديدة على طبيعة الإشتغال السابقة. بينما حاول (قاسم حمزة) الخروج عن معادلته القديمة القائمة على الصحون والكرات بمختلف أنماطها التي وظفت عليها (الأشكال الهندسية والكتابات الخطية) وتشكيل نسقه الخزفي هذه المرة على هيئة بسيطة لها حضورها في الفضاء الشعبي، وهي عبارة عن هدية مصنوعة من الورق الملون، لكنها تمتلك عمقها بفعل تفسيرات العلامة والمفارقة الشكلية السابقة.

ولعل السرب المحلق الآخر الذي إستثمر توصلات الرواد وإنطلق منها، والمساحات الجمالية التي تعلمها في الدراسة والمشاهدات والمشاركات الخارجية لخلق خطاب جديد يتواءم مع معطيات الخزف المعاصر، هذه المجموعة التي يمثلها (سعد العاني، وحيدر رؤوف، وعقيل مزعل، وتراث أمين، ووفاء الراوي، وهناء معلة) وآخرين يحاول كل منهم تكريس إشتغالاته، على الرغم من الإرتدادات السريعة في مجمل محاولاتهم الى طرائق اشتغالات متعددة، لكي تمكث طويلاً في الذاكرة الجمالية، يُمكن الإشارة الى إستقرارها النسبي مؤخراً في تجربة (العاني) القائمة على الكرات والجرار المتراصة على سطح الخزفية ومعالجاته اللونية المختلفة من أجل أن يخلق شكلاً جمالياً مفارقاً. وسعى (حيدر رؤوف) الى تكرار مضامين التجارب السابقة، لكي يحجز أُسلوبه الخاص داخل المشهد الخزفي العراقي، ومثله فعل (تراث أمين) بالذهاب الى اللعب الحر على السطح بإجتراح مفرداته الخاصة (الكرة والطائر) وتأويلات كل منهما عند وضعهما في دائرة التلقي الجمالي. بينما يُعلن (عقيل مزعل) استمراره على نهجه المختلف في الصياغة الخزفية الظاهرية والقلق الذي تُمثله نقط الإرتكاز، وهكذا يفعل (قاسم نايف) بإستثمار معرفته التفصيلية بتقنية اللون ومحاكاة الطين من أجل إنتاج خطاب يتسم بالجمالية، ويتقدم خطوات الى الأمام في كل محاولة. ويحاول (سلام جميل) تحقيق التماهي بين الأجناس حين ينقل البغداديات والشناشيل الى لوحه الخزفي، وإحتدام الأشكال والألوان على السطح الواحد.

وتعد محاولات (ماجد الرفيعي، وعلي صالح، وعلي قاسم، وإبراهيم الصايغ، وعلي خالد، وإدريس صابر) جزءاً من الدوران في فلك الحداثة الخزفية التي أسقطت الشكل التقليدي، بما سيكون له شأنه في الأيام القادمة من خلال النزوع الجمالي الخالص والرؤى التي تصنع خطواتها الواثقة على أرض المشهد الخزفي، فلكل منهم إشتغالاته على السطح الخزفي على مستوى اللون والمعالجة المضمونية التي تتصير خطاباً يختفي فيه التجنيس أحياناً في ضوء العلاقة القائمة بين الأجناس التشكيلية. أما التجارب الأُخرى فأنها تلمست خطواتها الأولى المتمثلة بإمكانية المشاركة الفعالة في معرض الخزف التخصصي، محاولة أن تبدأ من الأُصول الجمالية لصياغة الخزف التقليدية، ومن ثم الإنطلاق نحو أبعاده الأُخرى التي سيكون المنحى الدلالي أقصاها، والتعبير عن المضامين الإنسانية الكبرى التي يحملها جوهر الخطاب.