اخر الاخبار

ضيّف "ملتقى رواد المتنبي" الثقافي بالتعاون مع التيار الديمقراطي المدني، الجمعة الماضية، الباحث فراس ناجي، الذي ألقى محاضرة بعنوان "تداعيات أزمة الفكر في الغرب.. هل دخلنا في مرحلة ما بعد الحداثة؟".

المحاضرة التي احتضنتها "قاعة علي الوردي" في المركز الثقافي البغدادي، استمع إليها جمع من المثقفين والأكاديميين، وأدارتها الباحثة فريال ايليشا شليمون. فيما استهلها الضيف بالحديث عن الحداثة وتطورها، وأزمتها في الوقت الراهن.

بعدها تناول محورين رئيسين لمحاضرته، الأول تطور النظام الديمقراطي ونشأة البرلمانات، مبينا أن أول برلمان أوربي تشكل عام 1295، كنتاج للصراع بين الملوك والنبلاء ورجال الدين، ثم تطورت البرلمانات بعد حرب المائة عام بين إنكلترا وفرنسا (1337 – 1453). 

وتابع قوله أن الثورة الفرنسية في 1789 مثلت نقطة تحوّل نحو الديمقراطية التمثيلية، وصولاً إلى إعلان حقوق الإنسان العالمي، مستدركا "لكن تطبيق الديمقراطية بقي ناقصا، كما يظهر في انتهاك الحريات حتى اليوم".

أما المحور الثاني الذي تناوله المحاضر، فهو دور الدولة بين الحماية والهيمنة، موضحا أن الدولة تحولت من حامية للحريات إلى أداة للهيمنة، خاصة مع صعود الرأسمالية والثورة الصناعية التي عمّقت الصراعات الطبقية.

وأشار إلى ان "الدول اليوم تُوظف القوانين وإعلان حالة الطوارئ، لتوسيع سلطتها على حساب الحريات. كما في تجربة ترامب في أمريكا، والأزمات الأمنية عندنا في العراق".

وتحدث المحاضر عن مسيرة الحريات الإنسانية وتطورها التاريخي. وأوضح أنه مع صعود عصر التنوير في القرن السابع عشر، برز دور الفلاسفة الذين نادوا بفصل السلطات وحقوق الإنسان الطبيعية كالحرية والمساواة: "فهذه الأفكار غذّت تحولات اجتماعية. حيث انتشر التعليم وارتفع وعي الطبقات الدنيا (العمال والحرفيون) بحقوقهم، ما أدى إلى مطالبات شعبية بإصلاحات سياسية".

وزاد قائلا أنه "في النهاية توّجت تلك المسيرة الدولية بإصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من قبل الأمم المتحدة عام 1948، والذي ثبّت المبادئ الأساسية مثل الكرامة الإنسانية، والحرية، والعدالة الاجتماعية".

بعدها عرّج الباحث على مفهوم الحداثة، كمجموعة من التحولات الفكرية والاجتماعية والثقافية التي ظهرت في أوربا خلال القرن السابع عشر، بهدف القطيعة مع التقاليد القديمة وتبني مفاهيم جديدة مثل العقلانية والعلم والتقدم.

ثم تناول الأزمة الراهنة للحداثة، وقال أنه "رغم نجاح الحداثة في تشكيل الأنظمة السياسية والاقتصادية الحديثة، إلا أنها تواجه اليوم أزمة عميقة تظهر جلياً في اختلال النظام الدولي، من حيث تراجع التضامن العالمي، وهيمنة القوى العظمى كالولايات المتحدة، على مؤسسات دولية مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي".

كما عرّج على "تآكل الديمقراطية"، من حيث صعود الحركات الشعبوية والاستبدادية، ومحاولات تقويض المؤسسات الديمقراطية، فضلا عن انتقاد مبادئ الحداثة، وظهور تيارات "ما بعد الحداثة" التي تشكك في العقلانية المطلقة وتؤكد نسبية الحقيقة، إضافة إلى ظهور حركات معارضة تستند إلى الهويات الدينية أو الثقافية.

وتناول المحاضر أزمة الحداثة في المجتمعات العربية. وذكر ان "العراق الحديث تأسس عام 1921 على أسس حداثية مستوحاة من النموذج الأوربي، لكنه وقع تحت تأثير الانتداب البريطاني الذي رسخ انقسامات اجتماعية وسياسية".

وأضاف قائلا أن "العراق اليوم يعاني من تفكك النظام السياسي، ويتجلى ذلك في إعلان حالة الطوارئ من دون مبرر دستوري، وفي وجود تدخلات خارجية في تعيين القضاة، فضلا عن ضعف المؤسسات المستقلة، وانعدام الأمن والاستقرار وغياب سيادة القانون وانتشار الفوضى، والتعدّي على الحريات بانتهاك حق التعبير عن الرأي والمعارضة، وسط غياب آليات حقيقية لحماية الحقوق الدستورية".

وانتهى المحاضرإلى انه " في ظل غياب الحلول، يبدو أن العالم يتجه نحو فوضى تُهدد المكتسبات الإنسانية، ما يستدعي إعادة النظر في المنظومة الفكرية والسياسية القائمة".

وفي الختام، قدم وزير الثقافة الأسبق الرفيق مفيد الجزائري، الذي حضر الندوة، شهادة تقدير باسم الملتقى إلى الباحث فراس ناجي.