كشفت الشركة العامة لموانئ العراق عن وجود خطط طموحة للاستثمار في المياه الاقليمية، لتعزيز دور ميناء الفاو كمحرك رئيسي للتبادل التجاري ونقطة جذب مهمة نظراً لانخفاض كلف النقل البحري.
ورغم أهمية هذه الخطوة الاقتصادية الاستراتيجية، يرى مختصون أن نجاح هذا المشروع يرتبط بعدة عوامل، أبرزها توفر الارادة السياسية محليا واقليميا، وتوفير بيئة استثمارية خصبة وارضية تشريعات قانونية، وان تكون هناك قدرة على جذب الاستثمارات اللازمة، بالإضافة إلى تجاوز التحديات الفنية واللوجستية لضمان تحقيق الفوائد المرجوة للقطاع البحري والاقتصاد الوطني.
خفض كلف النقل وتعزيز التجارة
في هذا الصدد، قال مدير موانئ العراق، فرحان الفرطوسي أن هناك خططاً للاستثمار في المياه الاقليمية العراقية، مشيراً إلى أن هذه الخطط ستكون قابلة للتنفيذ عند استكمال إنشاء قناة ملاحية منفردة تتيح للعراق استخدام مساحاته البحرية بالشكل الأمثل.
وبيّن الفرطوسي أن "القناة الملاحية المرتقبة، والتي سيصل طولها الى نحو 23 كم باتجاه البحر، تُعد من أهم المشاريع الاستراتيجية في منظومة النقل البحري العراقية، خصوصاً أن المياه الإقليمية تمتد حتى 12 ميلاً بحرياً، ما يفتح المجال أمام استثمارات واعدة في هذا القطاع".
وأوضح أن هذا المشروع "سيحقق للبلاد مورداً اقتصادياً مهماً من خلال خفض كلف النقل البحري"، لافتاً إلى أن "ميناء أم قصر بعمق 12.5 متر يستقبل بواخر صغيرة، مقارنة بميناء الفاو الذي سيستقبل سفناً أكبر وبقدرات تشغيلية أعلى".
وأشار الفرطوسي إلى أن هذا "يضيف لميناء الفاو ميزة تنافسية كبيرة تسهم في تعزيز حجم التبادل التجاري وتعزيز موقع الموانئ العراقية في خارطة خطوط الملاحة العالمية".
واكد أن "الميناء سيكون بمثابة بوابة العراق الاقتصادية، وركيزة أساسية ضمن مشروع طريق التنمية الذي يُعد أكبر مشروع اقتصادي استراتيجي للدولة العراقية".
استثمار بحري واعد.. ولكن!
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي صالح الهماشي إن توجه العراق نحو الاستثمار في مياهه الإقليمية يمثل خطوة استراتيجية طال انتظارها، لما تحمله من مردودات اقتصادية مباشرة وغير مباشرة، خصوصاً في قطاعات النقل البحري، والخدمات اللوجستية، والطاقة، والصناعات المرتبطة بالموانئ.
وأضاف الهماشي في حديثه لـ"طريق الشعب"، ان "هذه المساحات البحرية غير المستغلة حتى الآن يمكن أن تتحول إلى رافعة حقيقية للنمو إذا ما توفرت لها البنى التحتية اللازمة".
واوضح ان "ربط خطط الاستثمار بإنشاء القناة الملاحية الجديدة بطول 23 كم هو أمر منطقي، لأن الجدوى الاقتصادية المستهدفة لا يمكن بلوغها دون قناة آمنة وصالحة لحركة السفن التجارية"، مشيراً الى ان "وجود قناة ملاحية متكاملة سيؤدي إلى خفض ملموس في كلف النقل البحري، وهو عنصر حاسم في تعزيز تنافسية الاقتصاد العراقي مقارنة بدول الجوار".
وتابع قائلاً ان "دراسات السوق العالمية تشير إلى أن انخفاض كلف النقل قد يصل إلى مستويات مؤثرة، مما ينعكس على أسعار السلع، ويزيد من جاذبية الموانئ العراقية بالنسبة لشركات الشحن الدولية".
ولفت الى انه من المتوقع أن "تؤدي القناة إلى تحسين موقع موانئ العراق في مواجهة موانئ إيران والكويت، ولا سيما في مجال الترانزيت. إذ إن تشغيل القناة سيقلل من اعتماد العراق على موانئ دول الجوار، ويمكن أن يعزز دوره كممر تجاري مهم في المنطقة".
عوائد وتحديات
وبخصوص الإيرادات المحتملة، توقع الهماشي أن "تحقق القناة عوائد كبيرة للدولة، سواء عبر رسوم العبور أو تنشيط منظومة الموانئ والنقل البحري، ويمكن الاستفادة من التجارب الدولية المشابهة كنماذج ملاحية حديثة أثبتت قدرة القنوات القصيرة على توليد إيرادات متصاعدة بمرور الوقت".
واردف القول ان "هذا المشروع لا يخلو من تحديات، أبرزها التمويل والبيئة اللوجستية، إذ يتطلب استثمارات ضخمة، وقدرة على استقطاب الشركات العالمية وفق بيئة استثمارية مستقرة وواضحة المعايير".
ونبه الى ان "توفير الدولة إطاراً تشريعياً وتنظيمياً يمنح المستثمرين الثقة، ويضمن التزامهم بمعايير الجودة والشفافية"، مبيناً إن "البيئة الاستثمارية الحالية تحتاج إلى مزيد من الاستقرار لجذب رؤوس الأموال الكبرى".
وخلص الى القول ان "المشروع في المحصلة يمثل خطوة استراتيجية مهمة يمكن أن تغيّر وجه الاقتصاد البحري العراقي، شريطة أن يتم التخطيط له بعناية، وأن تتكامل فيه الجوانب الفنية والاقتصادية والاستثمارية لضمان تحقيق الفائدة القصوى للبلاد".
رهينة الحسابات الاقليمية والارداة السياسية
أما المحلل الاقتصادي مرتضى الزهيري، فيجد أن الخطط للاستثمار في المياه الاقليمي تمثل توجهاً مهماً لتعزيز موقع العراق البحري.
ويقول في حديث لـ "طريق الشعب"، أن الحديث عن الاستثمار في المياه الاقليمية "لا يتجاوز حتى الآن حدود التخطيط والمقترحات، لأن التنفيذ العملي يرتبط بمجموعة معايير فنية وقانونية وإقليمية لم تُحسم بعد".
ويضيف أن العراق "يمتلك فرصة اقتصادية واعدة في حال تم إنجاز القناة الملاحية، لكن نجاح المشروع يظل رهينة تهيئة بيئة بحرية آمنة وتوافقات سياسية مع دول الجوار".
وينبه الزهيري الى ان “وجود دولة مثل الكويت، التي لدينا معها ملفات حدودية حساسة ومعقدة منذ سنوات، يجعل هذه المشاريع عرضة للتعطيل، خصوصاً في ظل النفوذ الدولي الذي تمتلكه الكويت في هذا النوع من الملفات البحرية.”
ويرى أن "أي مشروع بحري عراقي متقدم قد يواجه اعتراضات أو ضغوطا اقليمية، ما يفرض على الدولة العراقية تحركاً دبلوماسياً متوازناً يضمن مصالحها ويقلل من احتمالات التصعيد".
وعلى الصعيد الاقتصادي، يشدد على أن العراق "بحاجة ماسة لهذا المشروع، لأن تعزيز قدراته البحرية سيسهم في تخفيض كلف النقل، وتنشيط حركة البضائع، ورفع تنافسية الموانئ العراقية مقارنة بالموانئ الإقليمية".
ويقول الزهيري أن المشروع يتكامل مع رؤية العراق لطرح نفسه بوصفه محوراً تجارياً يربط آسيا وأوروبا عبر مشروع ميناء الفاو – طريق التنمية، معتبرًا أن القناة الملاحية ستكون إحدى الركائز الأساسية لهذه الرؤية.
ويخمن أن "العوائد الاقتصادية المحتملة ستكون كبيرة في حال تم تنفيذ المشروع، سواء من خلال رسوم العبور أو عبر تحريك قطاعات لوجستية وصناعية وخدمية مرتبطة بالموانئ"، لكنه يرهن ذلك كله "بتوفر الإرادة السياسية، والقدرة على إدارة التحديات الجيوسياسية، واستقطاب استثمارات قادرة على تمويل المشاريع البحرية وفق معايير دولية".
ويختتم الزهيري حديثه بالقول إن العراق "يمتلك كل المقومات، لكن يبقى العامل السياسي هو الحاسم، وهو ما يستدعي سياسات واضحة، ورؤية تفاوضية فاعلة، وتنسيقاً إقليمياً متواصلاً لضمان تنفيذ المشاريع الاستراتيجية التي يمكن أن تحوّل العراق إلى مركز بحري واقتصادي مؤثر في المنطقة".