تطوّر العلاقات العراقية مع كوريا الجنوبية
في موقع EISMENA الكوري، كتب غيوم بو تقريرًا تحليليًا موسّعًا عن تطوّر العلاقات بين بغداد وسيئول، وسعي الطرفين إلى تجديد الشراكة الاقتصادية، ومناقشة "مشروع طريق التنمية"، الذي يهدف إلى ربط أوروبا بالخليج العربي عبر العراق.
نموّ بطيء للتعاون
وذكر الكاتب أن كوريا الجنوبية أعادت مؤخرًا توجيه استراتيجيتها التنموية والتجارية نحو العراق، مستفيدةً من تحالفها مع الولايات المتحدة، التي طالما دعمت شركاءها الآسيويين إبان الحرب الباردة، كمكافأة لهم على دعمهم لها، خاصة في حربها ضد فيتنام (1955–1975).
ورغم أن إدماج العراق في استراتيجية التوسّع الاقتصادي الكوري جاء متأخرًا نسبيًا، مقارنةً بالعلاقات مع دول مستقرة سياسيًا ومرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالولايات المتحدة مثل السعودية أو الإمارات، فإن احتياطياته النفطية الهائلة، التي يمكن أن توفّر لسيئول ما تحتاجه من طاقة في عملية التصنيع، كانت دافعاً قوياً.
ففي عام 1978، قامت شركة هيونداي ببناء محطة لتحلية المياه في البصرة، وفي العام نفسه، صدّر العراق نفطًا إلى كوريا الجنوبية بقيمة 23.6 مليون دولار. وقد توقّف هذا النشاط بسبب الحرب العراقية الإيرانية، ولم يتوسّع بعد ذلك، إذ لم تحصل الشركات الكورية سوى على أقل من 1 في المئة من إجمالي العقود المخصصة لإعادة الإعمار.
لكن هذا الوضع لم يدم طويلاً، إذ بدأت كوريا الجنوبية في لعب دور أكثر بروزًا اقتصاديًا واستثماريًا، بالتوازي مع تزايد نفوذها في المنطقة كمنافس للصين.
ما بعد حرب 2003
وأشار الكاتب إلى أن كوريا الجنوبية نجحت في تقوية علاقاتها مع بغداد بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. ففي عام 2008، وقّعت شركة الغاز الكورية صفقة بقيمة 1.1 مليار يورو لتطوير حقول نفطية. وفي العام التالي، وقّع البلدان مذكرة تفاهم واتفاقيات تجارية بقيمة تقارب 3.55 مليون دولار، شملت بناء محطات كهرباء وحقول نفط في البصرة. ولم يمضِ وقت طويل حتى أصبحت منطقتا كردستان العراق والبصرة – الغنيتان بالنفط – مركزين استثماريين أساسيين للتكتلات الكورية، لا سيما هيونداي للصناعات الثقيلة ومجموعة SK النفطية.
وإذ يُشكّل النفط الخام أكثر من 95 في المئة من صادرات العراق إلى كوريا الجنوبية، فإن سيئول راحت تهيمن تدريجيًا على السوق العراقية للسيارات، وخاصة كيا وهيونداي، التي تشكّل أكثر من 30 في المئة من صادرات كوريا الجنوبية إلى العراق.
لقد بلغت الاستثمارات الكورية في العراق أكثر من 10 مليارات دولار بين 2010 و2024، وارتفعت مبيعات هيونداي بنسبة 35.6 في المائة سنويًا. كما أن مشروع بسماية السكني بقيادة شركة هانوا للإنشاءات يُعدّ من أبرز المشاريع التنموية في العراق.
في إقليم كردستان
وذكر الكاتب أن إقليم كردستان بات المحور الرئيسي للعلاقات الاقتصادية بين العراق وكوريا الجنوبية، والتي تقوم على ثلاث ركائز رئيسية: صادرات النفط، وبناء البنية التحتية، والتعاون في مجال الطاقة. وقد شهدت العلاقات بين الطرفين تطورًا يمكن معه الحديث عن "محور أربيل – سيئول".
ففي عام 2007، تم تدشين مصفاة بيزان في كردستان، وانطلقت بعد ذلك مشاريع إنشائية عديدة، غالبًا بقيادة التكتلات الكورية الكبرى، مثل بوسكو للهندسة والإنشاءات والمؤسسة الوطنية الكورية للنفط، التي شيّدت بالتعاون مع وزارة الكهرباء محطة حرارية للطاقة بقيمة 700 مليون دولار، وبنت 59 مدرسة، و15 مركزًا صحيًا، ومكتبة، ومستشفى.
واختتم الكاتب تقريره بالقول إن النفط يبقى المورد الأكثر أهمية للشركات الكورية، التي تمكّنت من تفادي القيود الصارمة التي تفرضها بغداد، والتي غالبًا ما تشترط على الشركات الأجنبية التعاون مع شركاء محليين والحصول على تراخيص متعددة، على عكس أربيل، التي تمثّل بيئة جاذبة للمستثمرين الأجانب، ولا تُفرض فيها شراكات محلية إلزامية، ولا توجد فيها قيود قانونية أو اقتصادية كبيرة.